الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد الهادي

محمد سمير عبد السلام

2009 / 4 / 28
الادب والفن



في ديوانه " الرغام " – الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة – ينتج علاء عبد الهادي لغة شعرية تجريبية ، تتقاطع مع مجالات تداخلية جزئية من الخبرات الإنسانية ، و الكونية ؛ مثل أخيلة المادة في علاقتها السرية بالوعي ، و اللاوعي ، و إعادة تكوين الجسد من خلال الانتشار النصي للغرائز ، و اندماج دوال الغناء ، و الصمت ، و الحركية السردية في صيرورة المتكلم ، و الأنثى ، و العناصر الكونية معا .
لسنا – إذا – أمام وعي لمتكلم يرصد علاقته بالأنثى ، و الظواهر ، و لكنه جزء من لعب الأخيلة ، و الغرائز ، و الحكايات النصية ، و الوجودية التي تنتج أشكالا مختلفة من الموت ، و الحياة ، دون مركز ، أو فاعل رئيسي في النص ؛ فالأنثى التي تشير إلى الإغواء ، و الخصوبة نجدها تنفك في فراغات الصمت ، و أخيلة الرمل ، و أطياف الماء المتناقضة ، و الأسطورية ، و تجلياتها الذاتية في صوت المتكلم نفسه ، كأنها بديل للكتابة ، و أصواتها اللانهائية التي تقاوم – عن قصد – منطق اللغة ، و الحضور ، و تنتج أطيافا جزئية للذكريات ، و الرغبات ، و العناصر كدوال تخيلية في سياق لعبي مرح .
إن علاء عبد الهادي يشكل الجسد من خلال شهوة الكتابة دون أن يسعى لبلوغ مركز ذاتي ، أو اتصالي كامل بالآخر ، و لكنه يظل كامنا في اللذة المنتجة للسلب كاحتمال لا يمكن اكتماله ؛ مثلما تظل الرغبة كامنة فيما وراء الأخيلة ، و الذات كدال جزئي في السياق الشعري .
و يأتي الخيال كوسيط يتجلى فيه الحضور المؤقت من خلال ألعاب اللغة ، و ارتباطها باللذة ، سواء أكانت لذة التوحد ، أو الموت ، و لهذه اللذة مظهران ؛ أحدهما نصي ، و الآخر ثقافي ؛ فالتداعيات النصية المضادة للمنطق تؤكد التجسد التجريبي للغة ، و الوعي ، و الجسد ؛ أما عدم اكتمال هوية المتكلم ، و الأنثى فيشير إلى السلب الملازم للإيروس ، و ما يحمله من تناقض يكمن في الشهوة ، و الوجود معا .

• التكرار /
تتكرر الدوال الكونية مثل ؛ الهواء ، و الماء ، و الرمل ، و التراب ، و تختلط في الديوان بالصوت الجزئي للمتكلم ، و الأنثى ، و الوسائط الخيالية مثل القبرة ، و غيرها في سياقات أدائية لا واعية ، و لا مركزية ، مما يؤكد الانتشار الإبداعي التوليدي من جهة ، و الغياب المستمر للصوت من جهة أخرى .
يرى رولان بارت أن الكلمة تكون شبقية بشرطين متعارضين ، هما ؛ التكرار المفرط ، و هو ما يعني الضياع ، أو الدخول في الدرجة صفر من المعنى ، و كذلك المباغتة ، و الحضور غير اللائق ( راجع / بارت / لذة النص / ترجمة منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بحلب مع لوسوي بباريس ط 1 ص 77 و 78 ) .
و يرتكز بارت هنا على الإيحاءات السحرية التي يولدها التكرار في غياب المركز ، و كذلك حداثة الدال ، و الصورة ، و هو ما نجده في ديوان الرغام من البداية ؛ فنحن أمام ديناميكية أدائية للدوال ، تتسم بطابع تحويلي مستمر يجمع بين التكرار ، و حداثة السياق ، و غياب التحقق الكامل لعملية التوحد التي تميز الإيروس ، مع الإشارة الملحة لحدوث هذا التوحد .
إن المتكلم يغيب في تكرار المادة ، و الحضور المتجدد للأنثى دائما ؛ فقد انبثقت من فراغ تخيلي نصي بالأساس ، يسبق المنطق ، و يؤجله في عمليات التوحد ، و الانشطار التي تبدعها اللغة الغريزية المعلقة في مجموعة من الوسائط ، و السياقات اللعبية اللامتناهية .
يقول :
" ألمك لأما .. ثم التئاما / ألمك مثل الزجاج .. يلم ندى الأرض من قطرة / كل ندى الأرض من محض قطرة / * الفيض * / .. و الهواء الحبيس .. يعدو .. ينز من أطرافها / فترتج رملتها " .
ينتج النص هنا بإلحاح معنى الاتحاد الإيروسي من خلال تكرار اللأم ، و تجميع القطرات ثم تفجيرها في سياق الفيض الانتشاري اللامتناهي ، و كأنه يكرر الاندماج ليخرج من بنية الاندماج نفسها إلى الانطلاق الحر للعناصر مثل الماء ، و الهواء ، و الرمل إلى ما وراء العشق ، و لكنها تحمل آثاره ؛ أما المتكلم فقد ذاب في فيض العناصر ، و اختفى عقب فاعليته الأولى ، هل كان قطرة ندى جزئية تتضمن التفاعل ، و التكرار ؟ أم أنه يلج المادة في علاقتها بحالات الأنثى الشعرية ؟
• السلب /
يظل طيف الموت كامنا وراء عمليات التوحد بالأنوثة في الديوان ، و يتخذ مظاهر عديدة مثل ، الصمت ، و الفراغ ، و الخوف ، و الصراع ، و الهلاك ، و غيرها .
إن تجليات السلب تستعيد التدمير من اللاوعي ، و تدخله في ألعاب الإيروس دون مركز ، فنجده ملحا ، و ينتشر في الاختفاء المتكرر للصوت ، و الأنثى معا .
و قد جمع فرويد بين غريزتي الموت ، و الحياة ، كما أعاد هربرت ماركيوز تأويل العلاقة المعقدة بينهما في اتجاه ثقافي يكشف تناقضات الإيروس في الحضارة المعاصرة .
إن شهوة الكتابة عند علاء عبد الهادي تصطدم بمخاوف التدمير ، و التفكيك الذاتي للإيروس ، و تلتحم مع الاستعراض الوحشي للجنس عند ماركيوز في اندماجه بالسلب ، و المعاناة .
يرى ماركيوز أن فرويد قد ناقش البعد الثقافي للإيروس انطلاقا من البؤس المتضمن عمليا ، و الذي يرجع إلى الاتصال بين البربرية ، و الحضارة ، أو الإيروس ، و ثناتوس ( الموت ) ، و من ثم يؤكد ماركيوز سلب الحرية Unfreedom من خلال سياق الحرية نفسه. راجع / Herbert Marcuse / Eros And Civilization / Chapter1 on :
http://www.marxists.org/reference/archive/marcuse/works/eros-civilisation/ch01.htm
لقد استوعب السياق الشعري عند علاء عبد الهادي مخاوف العدم الفلسفية ، و الحضارية ، و امتصها في سحر الاختفاء ، فالاختفاء يحمل ذكرى الجنس في صورة مجردة لا يمكن القبض عليها أبدا ؛ فالعاهرة تذوب مثل الصوت في تكوينات تجمع علامتي الذكورة ، و الأنوثة ، و طيران الدوال .
ثمة نشوة تكمن في الخوف ، و السلب ، و الانقطاع في الديوان ؛ هذه النشوة تؤول المعاناة عند ماركيوز في صورة جمالية كبديل للتناقض الذي يؤكده الأخير كسمة للجنس في الحضارة .
يقول علاء عبد الهادي :
" و لي العطش رمية و ارتدادا * الذهول * / أأقلب في حضنها الذكريات / أم أقوض سطري / أنا الصائد / و الضحية / * الغلبة * / أغسل مني يدي / غير آبه بمعمار جسدي .. / * الخوف * " .
ينتشر التفكيك الذاتي من داخل دوال الإيروس ؛ فانتشار الماء ، انقلب عطشا ، و ذهولا ، هل كان العدم طيفا للمادة ؟ أم أن الغياب جزء من اللعبة ؟ إن التشابه بين الذهول السلبي ، و استلاب المتكلم في الأداء الكوني / اللغوي يؤكد استمرارية الرعب منذ البداية ، و بخاصة في الماء الذي صار وسيطا للاختفاء ، مثلما كانت القبرة وسيطا للغناء المجرد دون منطق ، إن الجسد يتحلل في سياق الخوف الذي اكتسب قوة الإيروس و نشوته ، فصار متضمنا في غياب سحري أصلي .
إن المرأة في الديوان دال ، أو فراغ ثري تعمل فيه اللغة ، و القصيدة ، و أصوات العشاق ، و المتكلم ، و كذلك الأطياف ؛ فهي لعبة يتجلى فيها الوجود ، و يسخر من نفسه في آن .
يقول :
" هي امرأة بين الحالتين / تفتح أعضاءها كي أرتب فيها القصيدة / أولم تكن هي التي ظهرت / خلف كل المرايا و ندهت / فانتسب زوارها للخفاء / امرأة لها رائحة السؤال / رائحة العقاقير التي تستعيد كهف الطفولة " .
إن المرأة تقاوم التجسد الزمكاني بقوة لتندمج في الطيف ، و لكنها تؤكد الشهوة ، و تتوسع فيها ، حتى يذوب فيها الصوت الشعري ، هل كانت طاقة الأنوثة التخيلية الإبداعية ؟ أم أنها تفجر الجسد خارج الزمن ؛ لتقاوم الموت ؟
إنها تجسد للاختفاء في سحره اللغوي ، و الطيفي .
هل كانت سؤالا ذاتيا ؟ أم قوة للتوحد و الغياب معا ؟
إن اللغة التجريبية في الرغام تقوم على غناء الرغبة ، و الحكي ، و الصمت ، و التفاعل الموسيقي المتمرد بين الدوال الجزئية التي تحمل أثر المتكلم و الأنثى .
يقول :
" فسال سرك نورا تحت الأهلة / يؤاخي حولي الجهات / فشب التستر / يعري دمي / و يقفز فوق الصبح الذي يرمم صرخته في سكوني .. / الرقص أجمل إن أعقبه الفراق / أخبريني ( ....... ) / كان شجر السرود يفح / و هي تحكي (...) / و نترك شارب الريح يحك جلد الكلام " .
إن الحكاية هنا تكمن في نشيد الصمت الأول ، في الدهشة التي تعرض لها المتكلم حين توحد ببلاغة الكتابة ، و الأداء التفاعلي الديناميكي الذي يقع بين التوحد ، و الغياب ، و لهذا كان الصمت بديلا غنائيا عن السرد ، و لكنه أيضا سردي بالأساس ؛ لأنه يقاوم النهايات ، و الحدود .
الحكاية هنا بلا مرجعية واضحة ؛ فهي معاينة لأخيلة مباغتة قيد التشكل ، أو سياقات يستعاد فيها الوعي دائما ، و يمحى كجزء من موسيقى الكتابة ، و العناصر .

محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-