الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس ضد الماركسية

فوزي حامد الهيتي

2009 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


كتب اريك فروم دراسة سنة 1961 حول مفهوم الإنسان عند ماركس أراد منه كما يقول هو في مقدمة كتابه التعريف بكارل ماركس في الغرب هذا الفيلسوف الكبير والخطير والمؤسس الحقيقي لعصر ما بعد الحداثة في العالم الغربي الذي شوهت فلسفته جراء الصراع الأيديولوجي بين العالم الرأسمالي الغربي والعالم الاشتراكي الشرقي. ربما قصد اريك فروم ما قاله بالفعل ولكن صدور الكتاب في وقت كان الصراع في أوجه بين العالمين المتخاصمين أدى وظائف وأغراض ربما لم يقصدها الكاتب ذاته من الكتاب. فالكتاب مثله مثل كل علامة قد تؤدي أغراضا ووظائف مختلفة وبحسب متلقيها كما تقول الألسنية وهذا ما فهمته انا على الأقل من الكتاب عند قراءته أول مرة حيث اعتقدت ان الكتاب بمجمله هو جزء من الحرب ضد المعسكر الاشتراكي القصد منه تقويض المرجعية الفكرية لهذا النظام ولم أكن اعلم حينها ان هذا المنجز هو ليس أكثر من قراءة لفيلسوف تحتمل فلسفته مثل هذه القراءة.
أعدت قراءة ماركس مع فلاسفة آخرين من خلال جملة من المفاهيم الفلسفية التي تشغلني هذه الأيام مثل مفهوم الدولة والمواطنة وحقوق الإنسان فتبين لي ان ماركس ظلم في الشرق مثلما ظلم في الغرب ومن الماركسيين أنفسهم أكثر من غيرهم. ان اغلب القراءات العربية لكارل ماركس كانت تنطلق من فلسفته الميتافيزيقية للوجود وقدم إلينا بعده فيلسوف انطولوجيا بالدرجة الأولى وكل جوانب فلسفته الأخرى وبخاصة فلسفته الاجتماعية والسياسية تقرأ من خلال هذه الرؤية الانطولوجية. ربما كان سبب هذا التوجه عند مفكرينا العرب المعاصرين هو تخصص اغلبهم في الفلسفة وان المبحث الأهم في الفلسفة هو مبحث الوجود او تبنيهم لمنهج الغربنة في التحديث فأرادوا تقويض المرجعيات اللاهوتية والمثيولوجية لمجتمعاتنا العربية وتأسيس مرجعية بديله عنها اعتقدوا أنها ترتكز على أسس علمية، وأقول في أغراض قراءاتهم ربما ... ولا افترض غرضا محددا لها. ولكن كما أشرت إنها قدمت صورة مشوهه لفلسفة هذا الرجل لارتكازها على جانب من فلسفته. ونعتقد (ولاعتقادنا مبررات نستمدها من فلسفة ماركس ذاتها) ان الثيمة والمحور الأساس الذي يصح اعتماده والانطلاق منه في قراءة فلسفة ماركس هو مفهوم الإنسان ومن ثم تصوراته في الاجتماع والسياسة.
ان حد الفلسفة وغايتها عند ماركس هي التغيير لا التفسير وموضوعها الإنسان او بمعنى أدق الاجتماع الإنساني والسؤال الأساسي الذي كان يشغل ماركس ومثل لديه إشكالا وهما حاضرا في كل تفاصيل فلسفته الأخرى هو: كيف يمكن أن نحرر الإنسان من القيود التي تحد من طاقته وتحط من مكانته؟. كيف يمكن أن نعيد للإنسان إنسانيته المسلوبة بالاحتكار وغياب العدالة في توزيع الخيرات وما نتج عنهما من تباين في الإمكانات ومن ثم تبعيته لمنتوجه وشعور بالاغتراب عن عمله؟ من هذا الفهم لوظيفة الفلسفة وتحديد موضوعها انطلق ماركس في تفكيك ونقد بنية المجتمع الغربي الرأسمالي بهدف إعادة التوازن لمشروع الحداثة الغربي الذي بدأ بالفعل اهتمامه بالإنسان والارتقاء بمكانته ليحتل المركز في هذا الوجود والسعي لإخضاع كل الموجودات الأخرى لخدمته. ولكن هذا المشروع انتهى عند ماركس وعند فلاسفة آخرين جاءوا بعده إلى سيادة فئة (طبقة) من المجتمع الغربي على الطبقات الأخرى فالمشروع الذي كان يسعى إلى سيادة الإنسان على الطبيعة انتهى ليس فقط إلى تدمير الطبيعة وإساءة التعامل معها بل ترسيخ عبودية الإنسان وتحطيم مكانته من خلال التعامل معه كاله وأداة لتنفيذ المشروع.
لقد عالج هيجل قبل ماركس إشكالية تحرر الإنسان واعتقد ان ظهور الدولة بشكلها الغربي ستنهي جدلية العلاقة بين السيد والعبد ولكن ماركس ( ومن قبله جان جاك روسو) يرى إن الدولة الغربية لم تنجح في تحقيق مشروعها التحرري لان هذه الدولة لم تكن بالفعل معبرة عن إرادة الأمة أو إرادة الجماعة وإنما هي تعبير فقط عن إرادة الطبقة البرجوازية وممثلة لمصالحها إزاء الطبقات الأخرى وبخاصة البروليتاريا (العمال) التي تمثل الأغلبية الساحقة في المجتمع الرأسمالي وهي الطبقة المنتجة للثروة والمحرومة منها في الآن معا. من هنا جاء نقد ماركس لمفهوم الدولة في كل تمظهراتها السابقة التي لم تعبر يوما عن إرادة جميع الأفراد المنضوين تحتها وبالتالي هي ليست الشكل الأمثل للاجتماع الإنساني الذي يمكن أن يتوقف عنده الصراع الجدلي في المجتمع وهو الشكل الذي يمكن للإنسان أن يحقق فيه تحرره الكامل. والتحرر الكامل عند ماركس لن يتحقق إلا (حين يستعيد الإنسانُ، الفردُ الحقيقي المواطنَ المجردَ ذاته و يكون قد أصبح كإِنسان فرد في حياته التجريبية، في عمله الفردي و علاقاته الفردية كائنا نوعيا وحسب، حين يكون الإنسان قد تعرف على قواه الخاصة كقوى اجتماعية و نظمها، فلا تنفصل القوة الاجتماعية في هيئة قوة سياسية، عندها فقط يكون التحرر الإنساني قد تحقق. ماركس، حول المسالة اليهودية).
هذه باختصار فلسفة ماركس ومشاغله الأساسية أما فلسفته الانطولوجية فهي نتاج عصره العلمي أي انعكاس للتصورات العلمية السائدة في ذلك العصر وبخاصة في مجال الفيزياء والفلك. لقد شكلت فيزياء نيوتن وما نتج عنها من تصورات ميتافيزيقية عن الوجود، العقل الغربي الحديث وصار الخروج عنها والقول بخلافها لا معقولا. والوجود على وفق ذلك التصور هو أشبه بآلة كبيرة وتحريك أي جزيء فيها يترتب عليه تحرك كل الأجزاء الأخرى ونحن يمكننا التنبؤ بدقة بمكان وحالة أي جسيم في الوجود وفي أية لحظة زمنية قادمة بمجرد حصولنا على بعض المعلومات عنه في الوقت الحاضر. ان هذا التصور الحتمي والميكانيكي للوجود كان هو السائد حتى مطلع القرن العشرين ولم يتقوض تماما إلا بعد شيوع تصورات بديله عنه للوجود أفرزتها نظرية اينشتاين في الفيزياء ونظرية الكوانتم ومبدأ اللادقة لهايزنبيرك. فصار تصورنا عن الوجود على وفق هذه النظريات العلمية هو أشبه بغيمة كبيرة لا يمكن التنبؤ بحركة جسيماتها بدقة وكل ما يمكن معرفته عنها هو احتمال لن يصل الى اليقين المطلق مهما بلغت أجهزتنا من دقة وعلى تعبير احد فلاسفة العلم في القرن العشرين فان كل الساعات التي نراها في الوجود هي في الحقيقة غيوم ويقصد ان كل الظاهر المنتظمة في الوجود هي في الحقيق لا تخلوا من إلا انتظام. وخلاصة القول ان تصورات ماركس الميتافيزيقية للوجود كانت خاضعة لمقولات العلم في عصره ولو قدر له أن يعيش في زمان آخر لكانت له أراء أخرى مختلفة. والسؤال المهم الذي نود أن نختم به مقالنا هذا هو: هل هناك تلازم منطقي بين فلسفته الانطولوجية وتصوراته الميتافيزيقية عن الوجود وبين فلسفته الاجتماعية والسياسية؟
لا شك ان هناك وحدة مفاهيم في نسقه الفلسفي تتجلى بوضوح في اتساق نظامه الفلسفي ولكن تبقى غايات المشروع مستقلة عن المنظومة الفلسفية للفيلسوف ويمكن تبنيها من جديد وغاية مشروعه هي الانتصار للإنسان المسحوق ومحاولة تحريره من كل أشكال العبودية التي تحكمت به فالإنسان وسعادته هو العنوان الحقيقي لفلسفته وعليه تبقى فلسفة ماركس مثلها مثل السقراطية والأفلاطونية والفارابية والرشدية والروسوية وكل الفلسفات العظيمة محركا من محركات التاريخ (كما يقول مدني صالح) وحلما من أحلامه التي يكرهها السلطاني الكسروي وكل أحفاد قارون الشايلوكي السايكس بيكوي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اطياف القراءة الاداتية
د-عامر عبد زيد ( 2009 / 4 / 27 - 19:37 )
ان الحديث عن الفكر الماركي او النص الماركسي كما تفضل به الباحث الجليل د- فوزي لاشكل من اهميته بمعنى انه حاول ان يتعرض الى اليات التلقي او التاويل او اساءة القراءة التي تعرض لها النص الماركسي . لكن كل قراءة لايمكن ان تدعي انها ادركة المعنى الحرفي بل هي في أغلب الاحيان ممارسة لسلطة القراءة تحويلا وقلبا من اجل استثمار فائض قيمة المعنى الذي ممكن حدس في النص الماركسي من اجل ايجاد حل للواقع الذي يعيشه القارئ فان القراءة ابدا لايمكن ان تكون بريئة بل هي تنطلق من قصدية مضمرة وهذه ايضا ممكن ان نتلمسها في نص د- فوزي الذي يحاول اعادة تاويل نص ماركس وهو يريد ان يستفيد من نص ماركس في اعادة تاثيث النص المعاصر العراقي .
د- عامر عبد زيد / بابل .

اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا