الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة الدم القذرة : حقائق حول التدهور الامني في العراق والصراع الاقليمي

سلام العيسى

2009 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بدأ كل شئ حينما أعلن اوباما ان وعوده بالتفاوض مع ايران حقيقية ، وان وعوده بالخروج من العراق او تخفيف حجم التورط الامريكي ليس مجرد حديث انتخابات ، طرفان أخافهما ماقال اوباما ، دوائر النفوذ التقليدية المرتبطة بالجماعات اليمينية واللوبي الاسرائيلي في واشنطن ، والدول العربية المتحالفة في اطار مايعرف بمحور الاعتدال . هذا الخوف كان نتاجا لاستنتاج هذه الاطراف بأن انسحابا امريكيا من العراق يعني حسم وضع العراق كبلد حليف لايران ويشكل خطر على كل من المصالح الاسرائيلية وعلى المحور السعودي-المصري – الاردني . بالنسبة للمؤسسات والجماعات ذات الميول اليمينية في واشنطن ، فان اسرائيل ستكون عرضة لتهديد اكبر في حالة نشوء محور ايراني-سوري-عراقي سيشكل ضغطا عليها وعلى الدول العربية الاقرب الى قبولها كشريك في مواجهة مايعتبرونه خطرا ايرانيا على المنطقة . فكرة اوباما بالتفاوض مع ايران بدت اكثر ارعابا لأنها تعني فيما تعني ان الرئيس الامريكي قد يكون مستعدا للاعتراف بالنفوذ الايراني في العراق وقبول صفقة من شأنها السماح اما كسب العراق الى الصف الايراني او على الاقل تحييد العراق في الصراع بين ايران من جهة والتحالف الضمني الاخذ بالتشكل بين اسرائيل ومحور الاعتدال العربي من جهة اخرى.
الامريكيون ادركوا ان ايران تريد ان يكون العراق على طاولة أي مفاوضات امريكية-ايرانية مستقبلية ، والمطلب الايراني سيتراوح بين الاعتراف بنفوذ ايران في العراق مقابل ضمان سلوك ودي من التيارات الاسلامية الشيعية المقربة من ايران تجاه السياسة الامريكية ، او تحييد العراق وعدم تحويله الى "جبهة شرقية" مهمتها الدفاع عن النظام الاقليمي الرسمي العربي . الاستنتاج الذي توصل اليه الامريكيون ، هو انه اذا كان العراق سيغدو موضوعا رئيسيا على طاولة الحوار مع ايران فانه لاينبغي ان يظل النفوذ الايراني في وضع مريح حتى زمن المفاوضات ، ولابد من شن سياسة هجومية ضد هذا النفوذ كي يكون المفاوض الامريكي في وضع افضل لحظة التفاوض . اسرائيل والمحور السعودي-المصري –الاردني اوصلوا للادارة الامريكية رسالة قوية مفادها انهم لن يتحملوا اي مفاوضات امريكية-ايرانية تعترف بالنفوذ الايراني في العراق ، وانهم سيصعدون من دعمهم للجماعات السنية ، الى حد تهديد رئيس المخابرات السعودي بالتدخل العسكري المباشر لصالح السنة في العراق . على اثر ذلك بدأت ترتيبات جمعت مسؤولين في البلدان الثلاثة واخرى ضمت وزراء خارجية هذه البلدان مع بقية دول الخليج واليمن لوضع استراتيجية للتدخل في العراق ذات ابعاد سياسية ومالية واستخبارية وعسكرية . وتقرر اعتماد منهجين متكاملين للضغط على الادارة الامريكية ، الاول اعادة تنظيم المنفيين والمنشقين العراقيين من جنرالات الجيش السابق والخط الثاني من حزب البعث باعتبار انهم جميعا يتخذون موقفا سلبيا من ايران ، ودعمهم ماليا واعلاميا لتحويلهم الى قوة ذات مصداقية قادرة على التاثير في الوضع الداخلي العراقي من خلال العنف ، والمنهج الثاني هو الضغط على الادارة الامريكية للاعتراف بالبعثيين وادخالهم العملية السياسية والجيش وقوى الامن العراقية كموازن للنفوذ الايراني داخل الاجهزة العراقية .
الامريكيون كانوا منذ الادارة السابقة قد اعطوا وعودا للدول العربية بدور اكبر للعرب السنة في القرار العراقي لكنهم ظلوا يرفضون المطلب العربي باعطاء السلطة الحقيقية للسنة ، لاسيما وان نائب الرئيس الامريكي السابق تشيني لم يكن متعاطفا جدا مع فكرة التصالح مع انصار صدام بل انه رد على ضغوط سعودية لاعطاء دور اكبر للسنة في العراق بالقول لهم : وهل يمتلك شيعة السعودية جزءا من الحقوق الدستورية والدور السياسي الذي يمتلكه السنة في العراق . السعوديون عادوا وصعدوا الضغط عن طريق المصريين والاردنيين باستغلال التأثير المصري على المعادلة الفلسطينية والصلات التي يمتلكها العاهل الاردني في واشنطن . كما ضغطت السعودية على بريطانيا المرتبطة بمصالح اقتصادية ومالية كبيرة بالعائلة السعودية المالكة من أجل ان تمارس بدورها ضغطا مزدوجا على الحكومتين الامريكية والعراقية الى الحد الذي اصبح بعض المسؤولين العراقيين يعتبرون بريطانيا وكيلا للسعودية في العراق الامر الذي يفسر معارضة مبدأية تبناها بعض مستشاري المالكي لتوقيع معاهدة عراقية بريطانية على غرار المعاهدة مع الولايات المتحدة لكن الموقف تغير بسبب غلبة رأي يرى ضرورة عدم قطع شعرة معاوية مع البريطانيين ، مع ذلك ينظر المالكي ومستشاروه بعدم اطمئنان للدور الذي تلعبه السفارة البريطانية في العراق ولذلك دعموا انسحابا عسكريا بريطانيا سريعا لتخفيف النفوذ البريطاني .
تدريجيا برز تيار داخل الادارة الامريكية الجديدة بقيادة هيلاري كلنتون وببعض التأييد من نائب الرئيس بايدن و رام امانويل كبير موظفي البيت الابيض والمقرب من اوباما ومن الاسرائيليين يقوم على نظرية ان التفاوض مع ايران غير مجدي اذا كان سيؤدي الى الاعتراف بدورها الاقليمي ولابد من العمل اما على جعل خطوات التقارب مع ايران مجرد حملة علاقات عامة أو اضعاف الاوراق التفاوضية لايران لاسيما في العراق الذي هو في الحقيقة موضوع الصراع الرئيسي . اوباما مازال ينوي الاتجاه الى مفاوضات حقيقية لكن التيار الجديد المتشكك يعتبر ان حسن نية الرئيس مبالغ بها وان اوباما بعد كل شئ لن يكون قادرا على محاربة واشنطن باكملها لاسيما اذا ماتم تحشيد القوى الجمهورية وقوى الوسط في الحزب الديمقراطي التي ايدت هيلاري كلنتون في الانتخابات الاولية ضد اي تنازلات امريكية لايران .
وزارة الخارجية الامريكية كانت قد تبنت منذ عهد غونداليز رايس فكرة ادخال البعثيين السابقين مجددا الى مفاصل الدولة العراقية للحد من النفوذ الايراني الا ان هذا المنهج اتخذ طريقة اكثر هجومية بمجئ الادارة الجديدة واصبحت هناك مفاوضات اكثر فاعلية قامت عبر قنوات اتصال سهلتها الحكومتان الاردنية المصرية مع مايعرف ببعثيي الاعتدال وهؤلاء ليسوا متحالفين مع سوريا كجماعة يونس الاحمد وهم مستعدون لدعم النفوذ الامريكي في العراق ويكنون عداءا شديدا لايران ، وبرز من بينهم الجنرال ماجد الحمداني الذي كان من كبار جنرالات صدام حسين حتى عام 2003 والذي التقى به مسؤولون امريكيون وبريطانيون تابعون لخلية سرية تعرف بخلية الاشتباك الاستراتيجي بتاريخ 18 نيسان لاقناعه بالعودة للعراق مقابل الضغط على الحكومة العراقية للسماح له بالعمل السياسي داخل العراق وقيادته مجموعة اخرى من الجنرالات السابقين لكي يتم الضغط لادخالهم مجدا الى الجيش العراقي ضمن عملية تستهدف اعادة صياغة عقيدة الجيش من جديد لتبنى على فكرة الصراع الدائم مع ايران ، كما وعد الشركاء العرب بالضغط على الفرقاء السنة في العراق للاعتراف بدور سياسي اساسي لهذه المجموعات. حكومة المالكي التي ارادت في البداية التعاطي البراغماتي وصارت تميل بقوة الى فكرة التقارب من السنة لتعزيز وضع المالكي في صراعه المتصاعد مع تحالف الاكراد والمجلس الاعلى تعاملت بنوع من الايجابية مع فكرة عودة بعض الضباط في الجيش القديم وبعض بعثييي الصف الثاني والثالث تحت لواء التيارات القومية ، لكنها فيما بعد صدمت بحجم الضغط الامريكي الذي صار يمضي الى مطالب اكبر مثل الاعتراف بحزب البعث كشريك في العملية السياسية وزيادة عدد السنة من ذوي الماضي البعثي داخل قيادة الجيش العراقي لاسيما في المواقع الحساسة . كما ان الامريكيين كانوا قد وعدوا المالكي مقابل الانفتاح على البعثيين السابقين بالضغط على الحكومات العربية كي تعترف بالواقع السياسي الجديد وبه كزعيم وطني عراقي موثوق ، وكانت قد جرت ترتيبات ليلتقي المالكي بالعاهل السعودي في القمة العربية الاخيرة ويعلنان عن عهد جديد للعلاقات بين البلدين ، غير ان مقاومة المالكي للسماح باعادة بعض الاسماء البعثية الى مواقع حساسة جدا ، ثم تعرضه الى ضغوط من القوى الشيعية الاخرى المدفوعة من ايران التي بدأت تدرك ابعاد الموضوع واهدافه ، جعلته يبدو وكأنه قد تراجع عن وعوده باعتماد نهج تصالحي مع البعثيين السابقين ، وجعلت العاهل السعودي يرفض مقابلته في القمة الاخيرة ، ثم جعلت المالكي يتبنى خطابا اكثر تشددا تجاه الدور السعودي في العراق كما حوى احد تصريحاته المتأخرة تهديدا ضمنيا في حال واصلت "بعض دول الجوار" ويقصد السعودية تحديدا التدخل السلبي في الشأن العراقي والتي رد عليها بقوة مدير تحرير الشرق الاوسط السعودية والمقرب من احد اجنحة العائلة المالكة بتحدي المالكي ان يذكر من هي دول الجوار في مقال هجومي واضح ..
المحور السعودي-المصري –الاردني عاد الى تشديد مواقفه تجاه العراق وممارسة ضغط اكبر على الامريكيين ، وكانت قضية خلية حزب الله التي اعلنت عنها مصر جزءا من سيناريو الهجوم على النفوذ الايراني في المنطقة والذي اتفق عليه في اجتماع وزراء خارجية دول الاعتدال العربي ، كما تم تكثيف العمل الاستخباري واعادة احياء بعض الخلايا النائمة وبناء خلايا جديدة مرتبطة بالمخابرات الاردنية والمصرية والسعودية التي خسرت حربها مع المخابرات الايرانية داخل العراق عام 2006 بسبب حياد الامريكيين . هذه المرة توجد دلائل متزايدة الى ان كل من المخابرات الامريكي والاسرائيلية بدأت تنسق مع مخابرات هذه الدول لتدعيم الجماعات المناهضة للنفوذ الايراني ، غير ان الافتراق مازال في الموقف السياسي من المالكي الذي لاتميل الدول العربية الى قبوله بسبب اعتقادها انه غير مستعد لضرب النفوذ الايراني بشكل حقيقي ، اما السياسة الامريكية فتميل الى التعامل الايجابي مع المالكي وتقدر نجاحاته الانتخابية الاخيرة التي يبدو انه من خلالها قد قدم نفسه كرقم سياسي صعب وليس مجرد زعيم محدود السلطة لحزب الدعوة . تم تصعيد ملف الصحوات بعد ان نجحت مخابرات دولة عربية باختراقها واقامة قنوات اتصال مع بعثيين في الخارج بهدف تحويل الصحوة الى ذراع عسكري للبعثيين وبالتالي توظيف الضغط الامريكي لزج الصحوات في الاجهزة الامنية لصالح المشروع الاساسي الهادف لاعادة صياغة تلك الاجهزة بما يحد تماما من نفوذ ايران والميليشيات الشيعية المرتبطة بها . المالكي قاوم هذه الضغوط ايضا مفضلا التمييز بين جناح صحوة الانبار الذي يرتبط بعلاقة جيدة معه بل ويمهد للتحالف معه في الانتخابات القادمة لمواجهة نفوذ الحزب الاسلامي ، واجنحة الصحوة في بغداد التي تم تأسيسها من جماعات كانت منخرطة تماما في العنف الطائفي عام 2006 وباشراف الامريكيين وحدهم .
من هذه الخلفية حدثت اعمال التفجير الاخيرة التي استهدفت مدنيين شيعة وخطط لها لتكون نوعية وتوقع عددا كبيرا من الضحايا وهي رسالة هدفها ابلاغ حكومة المالكي ان بالامكان اعادة الوضع الامني الذي كان استقراره النسبي سببا في النجاحات الانتخابية للمالكي الى سابق عهده في حال لم يعد النظر في سياسته ، وايضا استهدفت اعلان حرب اكثر شراسة ضد النفوذ الايراني من خلال ضرب اكثر مظاهره هشاشة واعني الزوار الايرانيين وهي عملية رمزية لكنها تنطوي على الكثير مما سنشهده لاحقا من تصاعد الصراع الاستخباراتي الاقليمي . ما ليس واضحا بعد هو فيما اذا كان الامريكيون قد سمحوا بوقوع الهجمات الاخيرة او انهم سهلوا حدوثها ، لكن الكثير من المؤشرات توحي بأنهم مهتمون بقوة بالحد من النفوذ الايراني وان الجيش الامريكي قريب من وجهة نظر وزيرة الخارجية حول الموقف . زيارة كلنتون الاخيرة جاءت لجس النبض ومعرفة ان كانت هذه التفجيرات قد اخافت المالكي بما يكفي ليراجع موقفه ، الصراع مازال جاريا ، مزيد من الدماء ستسفك ، وواحدة من اقذر معارك الاستخبارات ستتواصل على ارض العراق ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشير شوشة: -من الضروري نشر المحتوى التاريخي على جميع المنصات


.. حماس تعلن وفاة أحد المحتجزين.. وإسرائيل توسع عملياتها باتجاه




.. في ظل الرفض العربي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في غزة..


.. روسيا تكتسح الغرب في -معركة القذائف-.. المئات يفرّون من القت




.. جبهة لبنان على صفيح ساخن .. تدريبات عسكرية إسرائيلية وحزب ال