الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوباما في دائرة الشك العربي

جهاد الرنتيسي

2009 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


افاق جديدة ، لقراءة تحولات المشهد السياسي المقبلة ، تفتحها القمة الاردنية ـ الاميركية ، التي عقدت في واشنطن ، وسط اجواء القلق التي تخيم على المنطقة ، مع تراجع امكانيات حل سلمي للقضية الفلسطينية على المدى المنظور ، و تزايد احتمالات تلاشي خيار الدولتين .

بعض هذه البوادر ظهرت في ردود الرئيس الاميركي باراك اوباما على الاسئلة التي طرحت مع انتهاء القمة ، وبعضها الاخر في تصريحات اركان ادارته، والخطوات التي شرع فيها على ضوء الرؤية التي حملها العاهل الاردني الى واشنطن .

الا ان المؤشرات التي تنطوي عليها التصريحات ، والخطوات الاميركية الاخيرة ، ليست كافية لبناء تصور واضح ، للمرحلة المقبلة ، وان كانت كافية للحديث عن سيناريوهات محتملة للتحرك المقبل , دون البناء على هذه السيناريوهات .

فالفيض الواسع من معطيات التحرك الاميركي المقبل يعطي دلالات على قوة الدفع الاميركي والمدى الذي يمكن ان يصل اليه .

لكن تحولات السياسة الاميركية في المنطقة خلال العقود الماضية ، والتي لم تخرج شعارات التغيير التي يطرحها اوباما عن فلكها ، بقيت عاجزة عن كسر حاجز الغموض المثير للشكوك .

احد اهم مؤشرات التحرك الاميركي في المرحلة المقبلة مبادرات حسن النية التي طلبها الرئيس الاميركي من اطراف النزاع .

فالعبارة التي جاءت على لسان سيد البيت الابيض توحي في احسن الاحوال بمحاولة التنصل من الضغوط المفترض ان يقوم بها القطب الكوني الوحيد لانهاء آخر مظاهر الاستعمار على وجه البسيطة .

ومن بين ايحاءات هذه العبارة ، المساواة الضمنية بين اطراف النزاع ، رغم فروقات القوة والضعف بينها ، وتباينات هوامش حركتها ، وقدرتها على الوفاء بمتطلبات المبادرات المطلوبة لاثبات حسن نيتها .

فالمطلوب من حكومة اليمين الاسرائيلي وقف الاستيطان ، ومصادرة اراضي الضفة الغربية ، وتهويد القدس ، دون ضغوط دولية .

والسلطة الفلسطينية مطالبة بخطوات امنية لا تستطيع القيام بهامع بقاء الحواجز التي تقطع اوصال الضفة الغربية ، واستمرار سياسة الترانسفير الاسرائيلية ، وخطوات فرض الحل من جانب واحد .

كما ينطوي تجاهل الادارة الاميركية لضرورات الانتقال من التبشير بحل الدولتين الى ممارسة ضغط حقيقي لانهاء الاحتلال قبل فوات الاوان على استخفاف بعامل الوقت الذي لا يسير في اتجاه التوصل الى حل ، الامر الذي سعى اوباما للتخفيف من خطورته بالاشارة الى ان احتمالات السلام لا تزال قائمة .

وفي محصلة موقف الادارة الاميركية المفترض انها تحمل فلسفة التغيير ما يترك اعتقادا بوجود رغبة لتغييب الشريك الفلسطيني في عملية السلام .

فالشروط التي جددتها وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون خلال اجتماع مجلس النواب الاميركي تضع العصي في دواليب المحاولات اليائسة لتشكيل الحكومة الفلسطينية .

ولتعطيل المصالحة الوطنية الفلسطينية نتائج وخيمة على عملية السلام ، حيث يفتقر الطرف الفلسطيني المعترف به للقدرة على تنفيذ اية تفاهمات يمكن التوصل اليها ، ويستطيع الطرف المستثنى بفعل الشروط الاميركية اعاقة اية اتفاقات ، مستندا في ذلك الى قوة تمثيله الشعبي وعلاقاته الدولية .

كما تلفت الشروط الاميركية للتعاطي مع الحكومة الفلسطينية النظر الى استخدام الادارة الاميركية لذات المعايير المزدوجة التي كانت تستخدمها ادارة الرئيس جورج بوش الابن في التعامل مع الطرف الفلسطيني .

فهي تنكر على فصيل فلسطيني منتخب المشاركة في حكومة ائتلافية ، بذريعة عدم اعترافه باسرائيل ، ولا يضيرها التعايش مع حكومة اسرائيلية يمينية متطرفة في فهمها للعلاقة مع العرب ، وتعلن يوميا رفضها لاسس العملية السلمية .

تعطيل المصالحة الوطنية الفلسطينية ، وازدواجية المعايير المستخدمة في التعاطي مع طرفي النزاع الرئيسيين في المنطقة ، يتركان انطباعا اوليا باستعارة ادارة الرئيس اوباما منهج تفكير وادوات الادارات الاميركية السابقة في التعاطي مع ملف عملية السلام .

ولدى وضع هذه الاعتبارات في سياق التطورات التي سبقت وصول اوباما الى البيت الابيض تبدو غير منسجمة مع شعارات التغيير المطروحة ووعود التعامل مع السياسة الخارجية بذهنية مختلفة .

النغمات النشاز في السياسة الخارجية الاميركية تغري ادارة الرئيس اوباما بالرقص على ثلاثة ايقاعات مختلفة في نفس اللحظة .

فالانخراط في عملية السلام الذي تحدث عنه الرئيس الاميركي لدى لقائه الملك عبدالله الثاني يعيد الى الاذهان طريقة الرئيس بيل كلنتون في التعاطي مع عملية السلام .

ابرز مفردات ذلك الانخراط كانت توسيع الحضور الاميركي الى اقصى الحدود في العملية التفاوضية مع نهايات الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بيل كلنتون .

لكن غياب الضغط الحقيقي على الجانب الاسرائيلي ادى الى فشل المحاولة الاميركية والعودة الى دوامات العنف ومحاولات كسر الارادات .

وقد يكون في هذا الغياب ما يدعو الى العودة لآلية الضغط التي استخدمها الرئيس جورج بوش الاب في جلب رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق شامير الى مؤتمر مدريد .

ففي الوقت الذي كانت المنطقة تلملم جراح حرب الخليج الثانية لوح الرئيس بوش الاب بحجب ضمانات القروض عن اسرائيل لاجبار شامير على حضور المؤتمر .

الا ان الضغط الاميركي انحصر في اجبار شامير على القدوم الى مؤتمر مدريد ولم يتواصل الى الحد الذي يفضي لعملية سلام حقيقية .

فقد كان الجانب الاميركي اكثر تعنتا من الجانب الاسرائيلي في مفاوضات " الكوريدور" التي اعقبت مؤتمر مدريد مما اجبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على التجاوب مع اغراءات قنوات التفاوض السرية التي افضت لاتفاق اوسلو .

وفي منتصف المسافة ـ بين سياستي بوش الاب وكلنتون ـ راوحت سياسة جورج بوش الابن التي تميزت بنزعتها الصدامية مع كل من يختلف معها في المنطقة .

فالمحطات التي توقف فيها خيار السلام خلال سنوات حكم الرئيس الاميركي السابق قليلة نسبيا .

الا ان الصخب الذي اثارته وعود جورج بوش الابن خلال توقفه في هذه المحطات كان كبيرا الى الحد الذي اثار تفاؤلا باختراقات نوعية في عملية السلام .

ففي الفترة الرئاسية الثانية للرئيس جورج بوش الابن جرى الحديث عن اقامة دولة فلسطينية عام 2005 ولم يتحقق الوعد الاميركي .

الفشل المدوي في المراهنة على اقامة الدولة الفلسطينية خلال الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش الابن لم يحل دون تعليق الامل على وعود التغيير في السياسة الخارجية التي اطلقها الرئيس اوباما .

ولم يكن الاندفاع في التعويل سمة النظام الرسمي العربي هذه المرة بقدر ما كان صناعة النخب السياسية والاعلامية العربية المحبطة التي رات في طرح الديمقراطيين ما يعوض عن الاجحاف الذي لحق بالمنطقة العربية خلال فترتي حكم الجمهوريين .

ففي تعاطيها مع آلية التغيير الاميركية تجاهلت النخب ضعف التأثير العربي في التطورات الكونية المتلاحقة ، و تعاملت مع البعد المثالي في تغييرات اوباما غير واضحة المعالم ، دون ان تلتفت الى البعد المصلحي في العلاقة الاميركية ـ الاسرائيلية المثيرة للجدل منذ عقود ، والقواسم المشتركة في عملية تكوين الكيانين الاميركي والاسرائيلي، لتعبر بذلك عن سطحية في قراءة التحولات .

كما يغيب عن الذهنية العربية المدى الذي يمكن ان تصل اليه التغييرات المحتمل ان يدخلها المنهج الاوبامي على السياسة الاميركية رغم تسارع ظهور مؤشرات الارتداد عن فكرة التغيير ، والتي لن يكون اخرها التمسك بازدواجية المعايير في التعاطي مع الملف الفلسطيني ، والارتباك في التعامل مع انعكاسات فشل محاولات استرضاء ملالي ايران .

واللافت للنظر ان هذه الارتدادات تأتي في الوقت الذي يجري حديث في العواصم الغربية حول تكرار تجربة البرسترويكا السوفيتية في الولايات المتحدة اذا ما واصلت ادارة اوباما خطواتها نحو التغيير .

هذه الاحاديث التي تاخذ منحى تحذيريا تعني من بين ما تعنيه ان هناك قوى شد عكسي يواجهها اوباما وطاقمه مما يضيف اسبابا اخرى لارتداد الادارة الاميركية الجديدة عن مشروعها ، ويملي على العواصم العربية التعامل مع سياسات ادارة اوباما باعتبارها شكلا من اشكال الانحناءات الاميركية للعاصفة .

فالامبراطوريات لا تتحول الى جمعيات خيرية استجابة لرغبات الباحثين عن رعاية خاصة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش


.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا




.. الاحتلال الإسرائيلي يدمر مستوصف الزيتون بمدينة غزة


.. بحضور نقابي بارز.. وقفة لطلاب ثانوية بباريس نصرة لفلسطين




.. من أذكى في الرياضيات والفيزياء الذكور أم الإناث؟