الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منطق السلطة ودينامية الخطاب السياسي

عبد الإله بوحمالة

2009 / 4 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قسطنطين سلافاسترو
كلية الفلسفة جامعة Al. I. Cuza رومانيا
(ترجمة)

1 ـ ما هو الخطاب السياسي:
يحضر مصطلح "الخطاب السياسي"، بشكل عام، في معظم البحوث التي تشتغل بقراءة الواقع السياسي وملفوظاته وتشكلاتها واختلافاتها، سواء داخل نسق واحد أو في أنساق مختلفة ومتضادة، وسواء كانت هذه الملفوظات مكتوبة أو شفاهية.
ويعرف الخطاب السياسي بكونه شكلا للتخاطب بالواسطة يسعى، عن طريقه، متكلم ما (فرد، أو جماعة، أو حزب،.. إلخ)، للظفر بالسلطة عبر خوض صراع سياسي ضد أفراد، أو جماعات، أو أحزاب أخرى.
وهكذا يتضح لنا، من خلال هذا التعريف التقريبي، البعد البراغماتي الذي يوجد دائما خلف أي خطاب سياسي، فالخطاب السياسي يرتبط عادة بخطاب للسلطة، وله صلة وثيقة بها، فهو أحد أكثر الأدوات أهمية من بين تلك التي توظفها القوى السياسية في سعيها المشروع للحصول على السلطة.
إن الحصول على السلطة بالدرجة الأولى قضية خطابية. وشرعية الوصول إليها وحيازتها بالنسبة لجماعة سياسية، هو نتيجة نشاط خطابي متسع المدى، يجرى تحت أشكال مختلفة بأهداف مختلفة وعن طريق استعمال قنوات اتصال جد متنوعة. لذلك نلاحظ ذلك الانشغال البالغ لدى الجماعات السياسية بمسألة البحث عن أشكال خطابية تكون قادرة على التأثير العميق والمقنع للجمهور المتلقي.
2 ـ الخاصية العلائقية للسلطة:
هناك علاقة بين السلطة والخطاب السياسي، فمن خلال تحليل للسلطة يمكن الوصول إلى فهم للخطاب السياسي وأيضا إلى فهم لتحولاته المستمرة.
وكملاحظة أولية تعتبر السلطة في حد ذاتها علاقة، وهذا هو تعريفها الشائع في العلوم السياسية حيث تعني: «قدرة طرف (أ) على دفع طرف (ب) إلى فعل أشياء لا يفعلها في العادة»، وبهذه الصفة تتمحور علاقة السلطة حول ثلاثة محاور هي:
أولا ـ مالك السلطة: (طرف (أ) يكون قادرا على ممارسة فعل سلطوي على طرف آخر).
ـ خاضع للسلطة: (طرف (ب) يقع عليه فعل السلطة، أي تمارس عليه السلطة).
ـ مجال السلطة: (تفاصيل الحياة اليومية حيث تتمظهر العلاقة بين مالك السلطة والخاضع لها)، فمثلا يمثل زعيم حزب سياسي ما الطرف المالك السلطة، فيما يمثل كل أعضاء هذا الحزب الأطراف الخاضعة لسلطته ولأفعاله السلطوية، وبطبيعة الحال يمثل النشاط السياسي مجالا لعلاقة السلطة.
وبذلك نكون بإزاء علاقة للسلطة، (إذا وفقط إذا)، توفرت ثلاث عناصر، في نفس الآن، تضمن النظام المكون لهذه العلاقة.
فكما أن مالك السلطة عنصر ضروري لأنه يمارس أفعال السلطة على الآخرين، فكذلك الشأن بالنسبة للخاضعين لها، لأن بدونهم لا وجود للموضوع (الطرف)، الذي يمكن ممارسة السلطة عليه.
إلا أنه في المقابل لا يمكن إعطاء شرعية لمالك سلطة أوحد على كل المجالات إلا من باب الافتراض الطوباوي.
إذن، نستطيع، بعد هذه الإشارات، تقديم تعريف للسلطة باعتبارها: (علاقة لها مجال خاص تجمع بين "عنصرين": الأول مالك السلطة والثاني خاضع لها).
3 ـ السلطة ومنطق العلاقات:
إذا كانت السلطة علاقة كما ذكرنا، فإنها، من هذه الزاوية، يمكن أن تحلل بواسطة آليات منطق العلاقات، فما هي نتائج تطبيق خصائص علاقة ما على علاقة السلطة؟
بتطبيق خاصية الانعكاس على علاقة السلطة يمكن الجواب على السؤال التالي:
هل يمكن أن يكون مالك السلطة في نفس الوقت خاضعا لها؟
الجواب: إنه إذا كان هذا الاستبدال ممكنا، فهذا يعني أن القائد يمكن أن يوجه أوامر لنفسه بنفسه ثم ينفذها، وهذا غير ممكن.
وحتى لو فرضنا بأنه ممكن سنكون آنئذ بإزاء فعل عبثي لا معنى له، لأن الطرف المالك للسلطة يمكن أن ينفذ أفعالا بدون إصدار أوامر لنفسه.
الخلاصة إذن هي أن علاقة السلطة علاقة لا انعكاسية، مما يعني أن مالك السلطة لا يمكن أن يكون في نفس الوقت مالكا للسلطة وخاضعا لها، (وهذا طبعا ونحن نتحدث عن نفس مجال علاقة السلطة لا عن مجال آخر)، وقاعدة ذلك هي كالآتي:
R1 = في علاقة سلطة، يكون مالك السلطة دائما ذاتا مغايرة للخاضع لها.
وهذه القاعدة تطبق بطبيعة الحال داخل إطار ذي حدين:
ـ وحدة المجال؛
ـ ووحدة البنية التراتبية للسلطة.
الخاصية الثانية هي التناظر، فهل يجوز في علاقة للسلطة، تبادل المواقع بين مالك للسلطة وخاضع لها؟ وبالضبط هل يمكن لمالك سلطة أن يصبح خاضعا لها في حين يصبح الطرف الخاضع مالكا للسلطة مع الاحتفاظ على علاقة السلطة القائمة؟
بعبارة أخرى هل يصبح زعيم الحزب مثلا تابعا والتابع زعيما؟
أكيد أن الإجابة لن تكون إلا النفي إذا كان الحدان المشار إليهما أعلاه قائمين: أي نفس مجال السلطة ونفس مشروعيتها.
فزعيم الحزب يظل زعيما طيلة فترة انتخابه، وبالتالي فعلاقة السلطة علاقة لا تناظرية، والقاعدة التي تحكم هذه الوضعية هي كالتالي:
R2 = في كل علاقة سلطة، تكون العلاقة بين العاملين (الطرفين) علاقة ذات اتجاه أحادي، من مالك السلطة نحو الخاضع لها.
أما الخاصية الثالثة وهي خاصية التعدي، وتعني هل هناك إمكانية تحويل في علاقة السلطة:
إذا كان a في حالة علاقة R مع b؛
وb في حالة علاقة R مع c؛
فإن a يكون في علاقة R مع c.
في هذه الشروط نقول إن العلاقة علاقة متعدية.
إنه من السهل تبين ما إذا كانت علاقة ما للسلطة علاقة متعدية:
فإذا كان زعيم الحزب هو مالك السلطة على رئيس قسم منظمة وكان هذا الأخير هو مالك سلطة على مسؤول قسم في المنظمة في بلدية بوخاريست، إذن فزعيم الحزب هو مالك سلطة أيضا على مسؤول قسم في المنظمة في بلدية بوخاريست والقاعدة هي كما يلي:
R3 = على فرض أن علاقة السلطة تقع في مجال معين، فكل مالك سلطة على مالك سلطة (ثاني) على خاضع لها، هو أيضا مالك سلطة على الخاضع لها.
وكتعبير أوضح عن هذه القاعدة فـ: رئيس رئيسي هو رئيسي، ومرؤوس مرؤوسي هو مرؤوسي.
4 ـ منطق السلطة والخطاب السياسي:
الرأي المتفق عليه هو أنه في الصراع السياسي اليومي، يدور الصراع الخطابي بعيدا عن كل القواعد، الارتجال والعفوية هي القواعد الوحيدة التي تقود الخطاب السياسي، لا شيء يوصف بأنه خطأ، لكن ما يجب توضيحه هو أنه فوق هذه الفوضى السطحية هناك نظام في العمق يفسر من خلال الطبيعة العلائقية للسلطة.
فمن وجهة نظر الانعكاسية، السلطة هي علاقة لا انعكاسية: مالك السلطة هو شخص مغاير للخاضع لها، وبما أن الخطاب السياسي كان ولازال مرتبطا بالسلطة، فخاصية لا انعكاسية السلطة لها بعض الأثر على طبيعة الخطاب السياسي.
ـ أولا: الخطاب السياسي دائما خطاب موجه للآخر، ففي المواجهات السياسية لا أحد يكلم نفسه لأنه لا يمكن الحصول على السلطة إلا بمساعدة الآخرين. وفي النتيجة نستطيع أن نفهم أن الشعارات المستعملة بكثرة وبالخصوص في الخطابات السياسية للحملات الانتخابية (سلطة الشعب، سلطة الجميع.. إلخ) ليست إلا تراكيب بلاغية بواسطتها يتم تحشيد الجماهير ودفعها للفعل.
ـ الملاحظة الثانية: القطبية المتطرفة للخطاب السياسي، ففي المواجهات السياسية ليس لدينا إلا نمطين اثنين للخطاب، خطاب مالك السلطة ( الذي يسعى لهدف مغاير تماما لخطاب الخاضعين)، وخطاب الخاضعين (الذي يكون في تنافر مع الأول).
كون علاقة السلطة علاقة لا تناظرية يبرز شيئا مهما: فمقتضيات التناظر توضح مدى إلزامية التحول في علاقة السلطة، بينما اللاتناظر يؤشر إلى الميل نحو المحافظة على علاقة السلطة القائمة. ولكن فقط في إطار الفعل المشروع (القانوني)، أما خارج هذا الفعل فالصراع على السلطة مفتوح دائما. وبالتالي هناك نتيجة تترتب عن هذه المقدمة وتتعلق بخاصية البعد السجالي للخطاب السياسي، فكل خاضع للسلطة إلا وله هدف لاحتلال موقع مالكها في مختلف مستويات ممارسة هذه السلطة.
ففي المجتمع الديمقراطي ليست هناك آلية بديلة غير آلية الخطاب للتغلب على الخصوم، والانتصار على خصم ما يعني الرفض المعلل لأفكاره وحججه وأفعاله. وبما أن الخصم هو أيضا يفعل نفس الشيء في المقابل فالمواجهة بين الاثنين هي علامة السجال، والنتيجة تجذر أقصى للخطاب السياسي.
تشكل التعدي في علاقة السلطة الأساس المنطقي لهرم السلطة. فعلاقات السلطة علاقات مراتب، فهي تؤسس هرميات معينة، ومستويات معينة من تدبير السلطة. ومن خلال هذه المستويات يمكن تحديد موقع كل مشارك في علاقة السلطة، هذه الهرمية لها كنتيجة، ترتيب الخطاب السياسي بالنظر إلى المستوى الذي يقع فيه مالك السلطة. الخطاب السياسي الذي ينتجه رئيس الحزب مكون من بعض الصيغ مختلفة تماما عن خطاب عضو عادي في الحزب.
ومن جهة أخرى فالتعدي هو الأساس المنطقي لتفويض السلطة. مالك السلطة الموجود في مستوى عالي من الهرمية السلطوية يتخلى عن مجموعة امتيازاته السلطوية لصالح مالك سلطة يقع في مستوى أدنى منه، لكن تفويض السلطة له بعض الحدود في سريان الخطاب السياسي: فخطاب التابع يظل دائما في الإطار المرجعي لخطاب الزعيم، وهذا لأن الزعيم هو الذي يرسم الخطوط الموجهة لسياسة الحزب.
5 ـ ماذا يعني الصراع الخطابي في مجال السياسة؟
تحليل الهندسة المكونة لدينامية السلطة ولمورفولوجية الخطاب السياسي يشكل قاعدة مهمة للإجابة على السؤال التالي:
ـ ماذا يعني الصراع الخطابي من أجل السلطة؟
بشكل عام، يعبر الصراع الخطابي من أجل إحراز منصب للسلطة عن ميل الفرد إلى الانتقال من علاقة طبيعية للسلطة إلى بعض الأوضاع التي تبتعد من الطبيعية.
ونستمع للشروح، حينما تتكرس أية علاقة للسلطة فإنها تكون لا تناظرية لأن مالك السلطة والخاضع لها لا يمكنهما استبدال دوريهما، ولكن يمكن بسهولة تبين أن أنوية النزاع حول السلطة الشرعية موجودة منذ اللحظات الأولى لاشتغال هذه السلطة.
فالنزاع هو العلامة البديهية للصراع الخطابي من أجل السلطة، والذين ينازعون في شأن السلطة هم طبعا الخاضعين لها لأنهم يريدون أن يتحولوا إلى أصحاب سلطة، وعلى هذا الأساس فهم يريدون أن تصبح علاقة السلطة علاقة لا تناظرية. لكن العلاقة اللاتناظرية ليست خاصية عادية لعلاقة السلطة.
لماذا لا يسعون إلى تحويل هذه العلاقة إلى علاقة تناظرية؟
الجواب، لأن كل واحد من هؤلاء الذين يطمحون لامتلاك موقع السلطة يريد أن تتحول الأدوار فقط حينما يكون الآخرون هم أصحاب السلطة أما حينما تصبح في ملكيته هو فإنه يناضل بكل ما استطاع من جهد من أجل الحفاظ على خاصية اللاتناظر قائمة في علاقة السلطة.
حينما تتكرس علاقة السلطة وتستقر فإنها تضمن تراتبية معينة في السلطة وفي الخطاب الذي يحدد علاقات محددة بين الأفراد المنخرطين في هذه البنية التراتبية. لكن يمكن أن نلاحظ بأن السلط الجديدة لم تتبث بعد وأن المطالبات التي تطالب بتغيير التراتبية واضحة. مما يعني بدون شك غياب اشتغال التعدية في علاقة السلطة. فالتراتبية القائمة سيئة ولكن فقط إلى حدود اللحظة التي يقيم فيها المعترض تراتبية بديلة، أما ما بعد ذلك فإن هذا الأخير يعمل كل ما في وسعه للحفاظ على التراتبية ومن ثمة على خاصية التعدي في علاقة السلطة.
6 ـ على سبيل الخلاصات:
كان هدف هذه المداخلة المتواضعة الإشارة على الأقل للمظاهر أعلاه:
أ ـ الخطاب السياسي، وعموما كل أشكال الاتصال السياسي، مرتبطين بعمق مع الممارسات السياسية.
ب ـ هناك "منطق للسلطة" يفسر كل التحولات الخطابية في السجالات السياسية.
ج ـ منطق السلطة يفسر أيضا طبيعية المواجهات الخطابية في السياسة حيث الانحرافات حاضرة دائما في هذه المواجهات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهنئكم
الصادقة مع الله ( 2011 / 11 / 16 - 20:15 )
بارك الله فيكم موضوع جميل جداااااااا أفادنا وأفدنا به غيرنا

اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا