الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل مفتاح الأمل- أوّلاً

رياض الحبيّب

2009 / 4 / 28
ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟


ضاعت منّي مؤلفات ألبير كامو* التي كنت أتلهف لشرائها في بلادي بأي ثمن ولقراءتها بشغف لما كان في عقلية هذا الإنسان الراقي من فلسفة واقعية؛ تتعامل مع الواقع ببعد نظر في الوقت الذي تتفاعل مع مفرداته بحسّ إنساني صادق أيّاً وصلتْ أزماته من الصعوبة والتعقيد ومهما أدّت بالحياة إلى مرحلة من الضّجَر وتالياً اليأس. لكنّ كامو الذي كانت له مواقف مشهودة حول ما يجري في محيطه، يأتي كلّ مرّة بعلاج نجيع لمشاكل الحياة بدءاً بعرض المشكلة ثمّ تحليلها. على أنّ وصفته العلاجية لم تمنع طالبها من اتخاذ القرار الشخصي- بحرية مطلقة- في قبول تلك الوصفة والأخذ بها أو رفضها.

وقد ضرب مرّة مثالاً حيّاً حول مسألة اتخاذ القرار الشخصي بقوله؛ سأل أحد المواطنين الفرنسيّين سارتر* عمّا ينبغي فعله إزاء جندي ألماني الذي قام بجريمة قتل والده إبّان اجتياح الألمان فرنسا وكان المواطن هو الوحيد الذي يعيل والدته المُسِنّة في الوقت الذي يفكر بالإنتقام من قاتل والده وقد انتهت الحرب- العالمية الثانية- مغامراً بنفسه ومضحّياً بحياته. أجاب سارتر: لك القرار! فلم يقتنع المواطن المذكور بجواب سارتر، بل اعتبره عاجزاً من التفكير لإيجاد الحلّ المناسب. أمّا كامو فقد اعتبر ردّ سارتر منطقيّاً؛ على أساس أنّ سارتر قد احترم فكر السّائل وتالياً شخصيّته فلم يُرد التأثير عليه وخصوصاً صوب اتخاذ قرار مصيري كهذا. فأقول هنا بحياديّة تامّة: هناك احتماليّة واحدة من مجموع احتمالات فيما ينطوي عليه رأي سارتر ولن يكون إلّا أحدها صحيحاً في نهاية المطاف، أمّا الإحتمالات الأخرى فخاطئة كنتيجة وعندها لا تسنح فرصة للمواطن للندم على السماع من سارتر وماذا يجني سارتر بعدئذٍ سوى توجيه اللوم إليه (أو النقد أدبيّاً وفلسفيّاً) والأرجح سوء السّمعة.

أمّا حلّ مشكلة هذه الحادثة- في رأيي المتواضع- فهو العُدول عن الإنتقام والنظر إلى ما هو أبعد منه ولا سيّما رعاية الأمّ المسنّة والتي مهما فعل الإبن من أجْل أمّه فلن يوفيَها حقّها. علماً أنّي فيما بعد قد تعلّمت أيضاً من خلال محاضرة لاهوتية حضرتُها في أحد المعاهد اللبنانية: إنّ البشر جميعاً إخوة وإنّ الذي ينتقم لأخيه يخسر أخوَين! فصحيح أنّ المواطن الفرنسي قد خسر أباه خلال الحرب وأنّه يعرف قاتل أبيه شخصيّاً ولكنّه بعد نجاح عمليّة الإنتقام من الجندي الألماني فسيخسر أخاه بالإنسانيّة وقد يخسر نفسه! والنتيجة هنا سلبيّة: خسارة الطرفين. أمّا التفكير الإيجابيّ فيكمن في رعاية والدته وإعالتها فالنتيجة ربح جميع الأطراف بما فيها الحفاظ على العمل الذي هو وسيلة الرزق لتأمين سبب المعيشة.
وبناءاً على مثل هذا الإعتبار في تقويم المشكلة، ما كان الإنتقام حلّاً ولم يعُدْ درءاً لأيّة مشكلة. وأظنّ من جهة أخرى بأنّ القضاء في فرنسا أو ألمانيا لن يُدين الجندي المذكور، بما أنّ الحالة كانت حرباً بين ألمانيا والحلفاء ولم تكن مجرّد خصومة ما بين أشخاص.

لا ينحصر أفق البحث عن فرصة عمل على تأمين أسباب العيش فحسْبُ، إنّما اعتبره كامو علاجاً شافياً لأزمات الضجر التي تلمّ بالإنسان والتي أسوأها ما يؤدّي إلى اليأس من استمرارية الحياة، بلْ يؤدّي أحياناً إلى الإنتحار والذي ارتفعت نسبة حدوثه في الصين والهند- إحصاء أكتوبر 2008 في موقع timesofindia
والأمثلة لا تنحصر في العامّة بل المشاهير أيضاً ولهم قائمة في ويكيبيديا، الموسوعة الحرّة.
أمّا اللافت في إحدى مقالات كامو فهو أن أحد العشّاق قضى أزيد من عشرين عاماً مفتوناً بمعشوقته قبل أن يحظى بحبّها ورضاها، حتى ارتبطا بميثاق الزواج وعاشا مدّة قصيرة لم يهنأ الزوج خلالها بحياته الزوجيّة، حتّى اضطرّ بعدها إلى ترك محبوبته التي سألته عن سرّ هيامه بها طوال تلكم السنين فأجاب: إنّه الضجر!

أؤمن أنّ لكل إنسان رسالة ما ودَوراً ينبغي أن يؤدّيه في خدمة نفسه والمجتمع. وقد كنت- بعد تركي بلادي التي لم أتعلّم فيها سوى مهنة واحدة- أبحث عن فرصة عمل في محيط سكني أوّلاً قبل البحث عنها في مكان أبعد فأبعد، بل كنت في أحيان كثيرة أغيّر محلّ إقامتي وفق مكان العمل وتارّة بسبب غلاء إيجار المَسْكن ما لا يتناسب والدخل المعيشي. وكنت أضطرّ أحياناً أخرى إلى ترك العمل قبل إيجاد فرصة أخرى والأسباب كثيرة، أذكرها في مقالة لاحقة... لكنّي وجدتُ في النهاية أنّ عدد المهن التي تعلّمت وأجدت قد زاد عن العشرين!
إنه كفاح بعينه ويجب أن يستمرّ الكفاح من أجل العمل والحفاظ على استمراريّته ما أمكن، على رغم الأزمة الإقتصاديّة الحالية التي ألمّت بمختلف بلدان العالم وعلى رغم الضائقة الماديّة التي سبّبتها للعامل خصوصاً ولسائر قطاعات الحياة عموماً. فيا عمّال العالم اتحدوا.
وللحديث تتمّة

..............

* ألبير كامو Albert Camus (1913-1960)
فيلسوف فرنسي عاش في ظروف من الفقر والعوز في الجزائر. توفي في فرنسا بسبب حادث سيارة، علماً أنّه علّق في أوائل حياته الادبية: أن أكثر موت عبثية يمكن تخيله هو الموت في حادث سيارة.
كان ثاني أصغر حائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1957- ليس من اجل كتابه السقطة- The Fall (La Chute)
الذي صدر في السنة السابقة ولكن من اجل سلسلة مقالات كتبها وانتقد فيها عقوبة الاعدام. وكان أصغر من مات من جميع الحائزين عليها- عن ويكيبيديا التي له فيها سيرة ذاتية لافتة.

* جان-باول سارتر Jean-Paul Sartre (1905–1980)
فيلسوف الوجودية الشهير وحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1964. لم يخرج في جنازته سوى نفر قليل. وله سيرة في ويكيبيديا أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البير كامو
علاء الحداد ( 2009 / 4 / 27 - 20:32 )
تحية للاستاذ رياض
لقد قرأت روايتى الغريب و الطاعون للكاتب المبدع البير كامو
أعتقد انة حاز جائزة نوبل على روايتة الجميلة الطاعون وليس
لدفاعة عن الغاء عقوبة الاعدام كما تفضلت و ذكرت برواية
الطاعون صور الشجاعة الانسانية فى مواجهة المخاطر وعلى
ما اتذكر كان اجمل ما اعجبنى بالرواية خطبة قد القاها قس واعظا
الناس وقت احتدام تفشى الوباء
ولى لك سؤال يا استاذ رياض هل هاجرت بلدك عقب سقوط
صدام ام قبلة و لماذا


2 - كامو وجائزة نوبل
رياض الحبيّب ( 2009 / 4 / 27 - 21:50 )
الأخ علاء- ما تفضلت به هو من الشائعات، علماً أنّ رواية الطاعون صدرت سنة 1947 لكنّي اكتفيت بإيراد النص من القسمين العربي والإنجليزي في ويكيبيديا. وإليك النصّ الثاني
In 1957 he was awarded the Nobel Prize in literature -for his important literary production, which with clear-sighted earnestness illuminates the problems of the human conscience in our times- not for his novel The Fall, published the previous year, but for his writings against capital punishment in the essay Réflexions sur la Guillotine

أمّا سؤالك عن تركي البلد فصيغته مرفوضة، علماً أني لا أجيب على أسئلة شخصية ما لم تخدم مواضيعي- مع التقدير


3 - الى الاستاذ رياض
علاء الحداد ( 2009 / 4 / 27 - 23:05 )
الاستاذ رياض صدقنى لم أقصد شئ من سؤالى أنا اعلم ان
الكثير من العائلات المسيحية قد تعرضت لمضايقات من الهمج
عقب سقوط صدام وحضرتك بدأت بالكلام عن شخصك فورد
على بالى التساؤل تعاطفا معك


4 - الهجرة
رياض الحبيّب ( 2009 / 4 / 28 - 09:02 )
السيّد علاء- يكفي السؤال: متى هاجرت ولماذا. ليس لائقاً ذكر اسم رئيس دولة بطريقتك لأنه رمز من رموز الدولة شئت أم أبيت، حتى لو كان العراقيّون مختلفين معه ومع نظامه

أمّا هجرتي كمسيحي فقد بدأت بعد غزو اتباع (النبي) الهمجي حضارة العراق في القرن السابع الميلادي

وأمّا هجرتي كعراقي فقد بدأت في بداية التسعينيّات، بمجرّد انفتاح طريق السفر. والسبب هو أنّي لم أعد أطيق العيش تحت حكم مزاجيّة النظام السابق ومواقفه غير المدروسة داخليّاً وإقليميّاً ودوليّاً- مع التقدير


5 - رائع جدا جدا
عيساوي ( 2009 / 4 / 28 - 13:02 )
رائع جدا جدا

اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من