الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكاء الاصطناعي كمنتج من منتجات الذكاء البشري

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 29
الطب , والعلوم


تتعدد أنظمة الذكاء الاصطناعي، بتعدد المرامي والأهداف التي يسعى الإنسان لاستخدام أنساقها وفعالياتها لخدمته، وخدمة أهدافه النظرية والتطبيقية والتقنية، ضمن تفاعله هو ذاته مع موجودات الطبيعة؛ والآلة من ضمنها، وذلك من حيث استكشاف ميكانيزمات الذكاء لدى الإنسان أولا، وصولا إلى معرفة ميكانيزمات الذكاء لدى الآلة، لا سيما وأن العقل البشري كان قد أدرك مبكرا أن طبيعة نموه تراكمية بالأساس، وجدلية بالأخص. ما عنى ويعني أن انجازاته ليست صنيعته وحده كعقل مفرد، بل هي صنائع التفرّد الإنساني كمنجز من منجزات تراكمية هي الأخرى، ولم تكن لتتحقق هكذا دفعة واحدة، أو مرة واحدة، أو لمرة واحدة.. وكفى. بل هي خزين خبرة أو خبرات إنسانية، طالما تطلعت لمحاكاة تماثل أو تمثيلات في الكون، قد تفترق مكوّناتها عن المكوّن الإنساني، كالآلة التي أمست تحاكي في تفاعلاتها الخلاّقة قدرة الإنسان ذاته كصانع من صنائعها، وكونها أحدى مسائل المماثلة الممنهجة للمعرفة البشرية، وهي تخلق قرائن لها تحاول عبرها التكامل وصولا إلى معارف أشمل.

من الطبيعي التمييز بين الذكاء البشري وذكاء الآلة الاصطناعية، مهما تكن دقة قيامها بمهامها وبرمجتها المنهجية، حتى إزاء مجموعة من أنواع المعرفة /المعارف التي يمكن تمثّلها بطريقة أو أخرى مغايرة، فالعقل الصانع لا المصنوع، هو من امتلك ويمتلك ضمن قدراته وإمكانياته؛ فهم معطيات ودقة وتعقيدات كل ما يحيط بنا. فالذكاء تعريفا.. خصيصة هي الأرقى ضمن الخصائص التي تميز الإنسان، وصنائعه هي نتاج لهذا الرقي، النتاج الذي يتجسد اليوم في ما يطلق عليه الذكاء الاصطناعي، ذاك الذي توالد كنتاج للعقل ولصنائعه المادية، وقدراته في بناء علاقات استدلال جدلية، تجمع بين الفهم والإبداع الابتكاري وملكات نقدية خلاقة، وقدرة على التجاوز، كلّما أمكن ذلك في كامل مجالات ونطاقات الحياة البشرية والمجتمعية.. وحتى الدولتية.

من هنا.. يمكننا الإشارة إلى أن النهوض الصيني والهندي، سيبقى وعلى الرغم من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة، يشكل أبرز عوامل تحريك فرص العمل، وبالتالي تحديد الأجور على المستوى الدولي، ذلك أن عوامل الاستنهاض الجديدة قد تتفوق على تلك القديمة، بفعل دخول الأتمتة والذكاء الاصطناعي إلى الكثير من الحقول المعرفية، بل إن المعرفة صارت واحدة من اندفاعات العولمة نحو غزو مناطق لم تكن لتحلم بانضمامها إلى عالم التكنولوجيا الجديدة، بحيث "أصبح لزاما على العاملين من ذوي الأجور المرتفعة في الدول الغنية أن يتوقعوا التضاؤل المضطرد للخبرات التنافسية التي يتمتعون بها، بسبب المنافسة الشرسة من قبل منافسين بارعين ومجدّين في آسيا وأميركا اللاتينية، بل وربما ذات يوم في إفريقيا أيضا" (الاقتصادية الالكترونية 22/3/2006).

وإذا كانت العولمة الراهنة قد كشفت عن مخبوءات وخزائن العقل الإنساني باتجاهات تطورية متصاعدة، أفاد منها البشر في كل مكان، فإن التطورات التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي سوف تحمل ما هو أبعد مما تحمله التجارة؛ في تحديد الأجور وأنماط العمل المأجور، كما وأنماط تقسيم العمل والمواقع الجغرافية للتصنيع، التي حتّمت في السابق انتقالا من الدول الغنية الكبرى إلى الدول النامية والفقيرة، حيث العمالة الرخيصة وقربها من مواقع المواد الخام الداخلة في عملية التصنيع.

لقد سبق لعلماء يتابعون إنجازات الذكاء الاصطناعي والتطورات المحتملة في هذا المجال، أن أشاروا إلى أن الفرادة أو التفرّد ستكون هي الحدث الأهم في تاريخ البشرية في المستقبل، وحددوا ثلاثة مجالات من التقدم العلمي والتكنولوجي، سوف تسبق أو تهئ لوجود حدث التفرّد، كإنجاز هو الأول على الإطلاق في تاريخ البشرية، وهي مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات المتناهية الصغر (النانوتكنولوجي) وعلوم الجينات، ومن هذه كلها أو من بعضها قد يتخلّق عرضا ما يهدد عالم البشر في حال خروجها عن السيطرة؛ سيطرة الإنسان.

وفي هذا السياق ترى كاتبة الخيال العلمي والمستقبليات الأميركية بريندا كوبر أن الفرادة الغريبة غير المسبوقة، سوف يكون لها آثار وخيمة ومؤثرة في اختلال مقوّمات مفهوم الإنسانية، وتشبه وضع البشرية حين يصل التقدم إلى مرحلة الفرادة، بوجود جدار أو حاجز يقف إلى ناحية منه البشر الحاليون، بينما في الناحية الأخرى تقف أشكال جديدة وغريبة من البشر تسميهم ما بعد البشر. (شبكة النبأ المعلوماتية 27/9/2007).

لقد تحقق ما سبق أن توقعه غوردون مور، أحد مؤسسي شركة "أنتل" للبرمجيات عام 1965 الذي رجح أن يتم مضاعفة عدد المعالجات الالكترونية التي تحملها الشرائح الالكترونية بمعدل الضعف كل عامين، وهذا ما دفع العلماء للقول أن هذه النبوءة التي باتت واقعا محسوسا هذه الأيام، تشكل المثال الأبرز لما يهدد البشر الذين حققوا حضارتهم الحديثة، بفضل نمو حجم أدمغتهم، بمقدار ثلاث مرات فقط؛ مقارنة بأدمغة أجدادهم البدائيين، منذ عشرات آلاف السنين.

مهما يكن من أمر.. فإن تفوّق الآلات في ذكائها على البشر، سيبقى رهين أبحاث وتفوق العقل البشري، وتفرّده في قيادة منجزات لا سابق معرفة للمجتمعات البشرية بها. كما أن خروج هذه الآلات عن السيطرة سيبقى كذلك رهين أبحاث البشر أنفسهم، وصنائع لعقل بشري يريد على الدوام استشراف وارتياد الآفاق المستقبلية، تطلعا نحو ما هو مخفي في مجاهل الفضاءات البعيدة .. والقريبة في آن.

وإذا ما دققنا النظر في السؤال الذي آلينا في محاولة الإجابة عليه، وهو إلى أي مدى نريد نحن البشر أن تذهب بنا التطورات التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي؟ فمما لاشك فيه أن هذا الأخير ومهما بلغت إنجازاته وتطورات علومه، فإنه وعبر ضوابطه المعيارية الخاضعة لسلوك وأخلاقيات البشر، لن يستطيع أن يتجاوز أو يتفوق على قدرة ونفوذ العقل البشري عليه، نظرا لعدم وجود تماثل بين مسببات الذكاء أو إمكانية تماثل المخ والعقل بين الإنسان والآلة. وهنا تختلف المعايير والنسب التي يريد البشر - أو بعضهم على الأقل - أن يروا في الآلة نظيرا وظهيرا كاملا ومطلقا للإنسان، ولأهداف قد تتجاوز على المعايير والقيم والأخلاق الإنسانية، وبين من يعتمدون كامل الضوابط والمعايير التي ينبغي للأبحاث العلمية أن تخضع لها، وبما يخدم البشرية جمعاء ومستقبل أجيالها القادمة، دون أن تتعدّى الآلة أو نطاقات استعمالها أو نتائج الأبحاث العلمية، الحدود التي يرسمها العقل البشري لنطاقات اشتغاله الفعلية منها والرمزية؛ المباشرة منها وغير المباشرة، المنظورة وغير المنظورة. فالذكاء الاصطناعي كمنتج واع من منتجات العقل الإنساني، هو المدرك العقلاني الوحيد ربما، القادر على محاكاة نماذج التزاوج الفذ والفريد بين عقل الذكاء الإنساني وذكاء العقل الآلي. ولكن شريطة بقاء الواحد عند حدوده، فلا يتجاوزها نحو مهالك تترصّد عالمنا، إن لم يقف الذكاء والعقل عند حدود إدراكاتهما الخلاقّة لشرط وجودهما الفاعل.. والمنتج ولصالح الإنسان أولا وأخيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ‌ وداع مؤثر بين طفل وأمه أثناء مغادرته غزة للعلاج من السرطان


.. الاتحاد الأوروبي يسعى لتخزين البيانات في الفضاء




.. انتشار مقاطع تلعثم بايدن وسخرية ترمب على وسائل التواصل الاجت


.. آباء وأمهات من غزة يودعون أطفالهم المصابين بأمراض خطيرة قبل




.. كيف تحدث ظاهرة الانقلاب الشمسي الصيفي في الفضاء؟