الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعقيب على-محاولة-الناصري

نصير عواد

2009 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في محاولته(التأسيسية لإعادة فتح ملف حركة الأنصار 1979 – 1988) يثير الكاتب أحمد الناصري موضوعة شائكة لطالما تربعت في ذاكرة ومشاعر اليساريين العراقيين في الربع الأخير من القرن الماضي، واعني بذلك انتقال قواعد وتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي إلى الجبال في نهاية السبعينات بعد فشل تجربة التحالف مع الحزب الحاكم ببغداد وما صاحب ذلك من معاناة وشهداء. في دعوته لفتح ملف الأنصار يعرض الناصري أفكاره على جهتين متقاربتين إلى حد التداخل هما استعادة الحوادث ومعاناتها وشهداءها وظروفها من جهة، ومن جهة أخرى مناقشة التجربة واستخلاص الدروس منها. ومحاولة الناصري التي تتداخل فيها المشاعر بالأفكار والمواقف استعانت بأكثر من مائتي سؤال تمددت على عقدين من مسيرة ونضال الحزب الشيوعي العراقي، كل سؤال منها يحتاج بتقديري إلى وقفة، مقالة للإجابة عنه بل أن بعضها "مجزرة بشت آشان مثلا" تم مناقشته بعشرات المقالات والندوات والكتب من دون الوصول إلى موقف موحد متفق عليه. ولو فكر أحدنا، خصوصا الناصري، بالإجابة عن الأسئلة كلها فسوف تكون ببساطة شهادة أو كتاب عن مرحلة محتدمة ومؤلمة من تاريخ العراق الحديث لم ينته السجال حولها بعد.
قبل التعقيب نود الإشارة إلى أن الصديق أحمد الناصري من أكثرنا استذكارا للشهداء وكثيرا ما نقرأ له مقالات وصور ومواقف عن شهداء الحزب الشيوعي إن كانوا في الجبال أو في تنظيمات الداخل، نجده كذلك في مقدمة محاولته التأسيسية التي نحن بصددها وهو يهديها للشهداء (منتصر، سامي، وجميع الشهداء) ولكن هذا الاستذكار الدائم والإخلاص لقضية الشهداء لا يخفي حقيقة أن الناصري غالبا ما يستخدم ذلك مدخلا لأفكاره وصراعاته ومواجهاته الدائمة مع الحزب الشيوعي العراقي وسياساته وقياداته "اليمينية" كما يسميها الكاتب وهو ما يدفعني للقول بأن هذه المحاولة التأسيسية لإعادة فتح ملف حركة الأنصار وعلى الرغم من الجهد الواضح في صياغتها وتبوبيها، وبسبب الهوة المتسعة بين الناصري وبين الحرس القديم سوف لن تحظى بالدعم والمناقشة المرجوين.
لا يوجد ما يؤكد أن الحوادث العادية تُنسى أو تُضيّع بعد أعوام على وقوعها فكيف بالحوادث المؤلمة والمفصلية في تاريخ الجماعات والأحزاب. الحادثة بعد عقود من وقوعها غالبا ما يتم استدعاءها بعد أن تكون المصلحة المباشرة في استعادتها قد تراجعت وحل محلها البحث والتمحيص والتوثيق لصالح الحادثة أولا، وللصالح العام ثانيا. إلا أننا نجد الحوادث عند الناصري، خصوصا تلك التي ارتبطت بالشهداء ودماء الأبرياء، لم تزل حاضرة وحارة ولا تسقط بالتقادم وهو ما يفسر المثابرة والوضوح والمباشرة في طروحات الناصري حتى بعد ربع قرن على وقوع الحوادث. إن تناول الحوادث المؤلمة بمفردات الحزن والوعي والوفاء والثأر أحيانا ليس حكرا على اليساريين بل نجدها شائعة عند ضحايا الديكتاتورية المقبورة نتلمسها في فكرة المظلومية عند الأحزاب الشيعية وطقوس الاستذكار وفي تأسيس المنضمات والمؤسسات التي تعنى بأسر الشهداء وتتابع حقوقهم، وعند الأكراد متمثلة بإقامة النصب والشوارع والاحتفالات بضحايا الأنفال والسلاح الكيمياوي، وبدأت بالظهور مؤخرا عند البعثيين الذين تحولوا بفضل الاحتلال الأمريكي للعراق من جلادين وقتلة إلى ضحايا ومناضلين لهم حوادثهم المأساوية وشهداءهم؛ بكلام آخر ففي بلد انشغل نصف قرن بالحروب والصراعات كالعراق ولا يخلو فيه شارع من شهيد أو مفقود أو معوق فأن كل أحزابه أحزابا للشهداء، بل هو وطن للشهداء، ولكننا لو تمهلنا قليلا نجد أن الكثير من الحوادث المأساوية لو جردناها من المقدس، الديني واليساري والقومي، وخففنا قليلا من الانحياز والحزن والمبالغة فسوف نجدها طبيعية وجزء من حالة البلد المحتدمة لا يجدي نفعا الوقوف دهرا على أطلالها واجترارها واستدعاءها بمناسبة ومن دون مناسبة ومن ثم والتعامل معها على أنها حادثة الحوادث. صحيح أن كردستان وتجربة كردستان ليست مكانا عابرا أو تجربة عابرة كما يقول الناصري، ولكننا كذلك لا نريد لها أن تكون تجربتنا الوحيدة وأيقونتا المقدسة التي قد تشغلنا عن وطن يُذبح كل يوم بين الاحتلال وبين الطائفية، ولا نريد لمجزرة بشت آشان أن تكون طف كربلاء، بل نريد من كردستان ومعاركها وشهداءها ومعاناتها أن تكون حاضرة في ذاكرتنا وضمائرنا كجزء من تجربتنا نستند إليها لغرض الاستمرار والعطاء والإبداع، فالحياة أوسع من فكرة وأوسع من حزب وأوسع من معركة ولابد لنا من المساهمة في استمرار الحياة وبناء مستقبلها المشرق. نرى أن الوقت قد حان لفتح حدود تجربة الأنصار الشيوعيين ودفعها من خانة "الكفاح المسلح" لمجموعة من المناضلين في زمان ومكان معينين إلى خانة الثقافة والتاريخ والمجتمع لكي تأخذ حقها في الانتشار والوصول إلى مفاصل الحياة. صحيح أن هذا القول لا يرضي بعض الأنصار الذين دفعوا من حياتهم ودماءهم ولا يريدون أن تشيع وتميع وتتوزع تجربتهم على من هب ودب، لكن الواقع المتحرك له متطلباته وشروطه وإذا لم نتحرك معه ونبقى نجتر معاناتنا وأفكارنا أشبه بطائفة معزولة، فهذا يعني الإفلاس بعينه.
إن الأسئلة الكثيرة والمتنوعة التي أوردها الناصري والتي تدعو إلى فتح ملف الحزب الشيوعي العراقي في الربع الأخير من القرن الماضي بكل ما يتضمنه من مؤتمرات وتحالفات وانتكاسات ومعارك ومواقف وخيانات وشهداء، وهي لعمري مهمة عظيمة وكبيرة، تحتاج إلى جهد ووقت وحياد ومسؤولية غير قادر عليها لا الناصري وحده ولا أنا، ولكننا قادرين على الإدلاء برأي وموقف وشهادة تساهم في بلورة الموضوع. والمتتبع للأعلام اليساري، الحزبي والجماهيري، في ربع قرن سيجد الكثير من البحوث والدراسات والمؤتمرات والمذكرات التي تناقش تجربة الحزب الشيوعي العراقي في تلك الفترة، وهي عملية لم تتوقف حتى الآن ولم تُغلق حتى نطالب بفتح ملفها وهو ما يدلل على حيوية التجربة وعلاقتها المباشرة بتاريخ العراق الحديث، ولكن الذي لم يقله لنا الناصري في دعوته لـ"إعادة فتح ملف الأنصار" هو كيفية أو ضرورة فتح الملف وماذا نفعل بهذا التراث المتنوع بعد ربع قرن من التراكم هل نلقيه على جنب ونبدأ من جديد وبرؤية جديدة؟. فعلى سبيل المثال نجد الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمراته واجتماعاته الدورية قد ناقش المفاصل المهمة في حياته السياسية كالتحالف الفاشل مع حزب البعث ومجزرة بشت آشان وتجربة الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق ووضح وانتقد سياسته في أكثر من موقف وموقع، قد نتفق أو نختلف مع النتائج التي خرج بها الحزب ولكنه على العموم فعلها، فهل نأخذ بتلك الجهود والمؤتمرات أم نركنها على جنب بسبب الطابع اليميني لقيادات الحزب في تلك الفترة؟ . لنترك إلى حين الحزب الشيوعي العراقي ومؤتمراته فلسنا أبواقا أو كتابا أو أعضاء في مؤسسته ودعنا ندير الحوار إلى صوب الأنصار الشيوعيين الذين توجه إليهم الناصري بمحاولته التأسيسية لفتح ملف الأنصار. وبما أننا لا نستطيع الحديث عن أفراد متناثرين على جهات الأرض الأربع فسنتوقف عند المؤسسات الإعلامية والتنظيمية التي تجمعهم وتمثلهم كموقع "ينابيع العراق" المعبر عن نشاط ملتقى رابطة الأنصار الشيوعيين. فليس مصادفة أن نجد الكثير من المثقفين والمعنيين بتاريخ العراق، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وقد دخلوا إلى موقع "ينابيع العراق" وتصفحوا أقسامه للإطلاع على شهادات الأنصار المكتوبة ومواقفهم المدعومة بالصوت والصورة. فمن عاش تجربة الجبل يعرف جيدا أن الحزب الشيوعي العراقي يومها واجه وقاتل ديكتاتورية البعث بقاعدته الحزبية لا بجماهيره، وهي قاعدة حزبية منظمة ومليئة بالكوادر العلمية والسياسية والثقافية لا تخلو حقائبهم من كتاب وورقة وقلم، ولا تخلو رؤوسهم من فكرة وحلم. وعندما كتب هؤلاء الأنصار تجربتهم وعززوها بالصور والأرقام والتواريخ والقصائد واللوحات تحول كل ذلك بمرور الأعوام إلى وثيقة تاريخية لا يمكن التشكيك بها والتقليل من أهميتها من دون سند أو قصد. صحيح أن كثير من كتابات الأنصار الشيوعيين في الجبل ينقصها التخصص والدربة ومشحونة بالعواطف والإصرار الأخلاقي على عدم النسيان، ولكن الأكثر صحة من ذلك هو أنها كتبت من داخل الحوادث والمعاناة وأن شاهدا واحدا على وقوع الأمر أو دورا صغيرا لمقاتل في صناعة الحادثة لهو أكثر تأثيرا وفائدة للتاريخ من تلك التحليلات والشروحات التي تتم عن بُعد وبنوايا مسبقة تلوي عنق الحوادث والحقائق لتنسجم مع الأفكار المسبقة والجاهزة. مرة أخرى لم يقل لنا الناصري الذي وجه "محاولته" للأنصار الشيوعيين ماذا نفعل بتلك الشهادات والصور والوثائق التي تركها الأنصار لنا؟ هل نعمد إلى ترتيبها ونوسع مضامينها أم نعيد كتابتها بما ينسجم مع المستجدات؟ وهل فعلا هنالك مستجدات في الشارع العراقي تتطلب منا إعادة فتح ملف الأنصار؟ ثم ألا يلهينا ذلك عن المتغيرات السريعة الحاصلة في الشارع العراقي؟ وهل أن فتح ملف الأنصار أو النيل من هذا الحزب أو ذاك يساعد في تعميق الوطنية العراقية ويسرع في ظهور اليسار الوطني المرتقب؟ .
لا أريد التوسع في جهود الأنصار الشيوعيين في توثيق تجربتهم فهي موجودة في موقع ينابيع العراق وموقع الطريق وموقع بشت آشان ومواقع أخرى، ولا أريد التوقف عند الأمسيات التي تنظمها "غرفة الينابيع" في كثير من المناسبات لاستذكار الشهداء والمعارك والتحاور واللقاء بين الأنصار وهي على العموم جهود لا يمكن لمنصف أن يتجاهلها، ولكني أود أن أشير إلى الكثير من المذكرات والسيّر والشهادات التي كتبها أشخاص لهم تاريخهم الطويل في قيادة الحزب الشيوعي العراقي أو في قيادات الأحزاب الوطنية الأخرى وعاشوا فترتي التحالف مع البعث والكفاح المسلح في كردستان من مثل زكي خيري وباقر إبراهيم وقادر رشيد وغيرهم كثيرون يجد فيها القارئ والباحث الكثير من الأسرار والمواقف والأحداث التي جرت تفاصيلها في قيادة الحزب تلك الفترة، والسؤال هو إلا تساعد هذه المذكرات والسيّر والشهادات في إضاءة التجربة التي يطالب الناصري في إعادة فتح ملفها. إن اعتزاز المناضلين بتاريخهم وشهداءهم، وطموحهم في إبراز ذلك على أفضل المستويات شيء عظيم وكبير على إلا يتحول ذلك إلى طوق يحد من حركتنا أو كابوس يخنقنا، وإذا كانت تجربة الأنصار الشيوعيين، على الرغم من كل ما كتب فيها وعنها، منسية ومهملة فماذا يقترح الناصري من منهج أو أسلوب عمل لإعادة كتابة التجربة الأنصارية في جبال كردستان العراق. هل نروي التجربة من جديد كما وقعت تاركين للتاريخ وضعها في مكانها الحقيقي، أم نروي التجربة معززة بمواقفنا ورؤيتنا ونساهم بوضعها في المكان الذي نجده يخدم قضية الأنصار والشهداء، أم نعيد كتابتها كلما ظهرت حقائق جديدة وظروف ومستجدات؟ أم نستعملها كرافعة للتهويم والإقصاء وإحراج الآخرين بمناسبة أو من دون مناسبة، متناسين أننا صعدنا إلى الجبال نقاتل للدفاع عن أنفسنا وأفكارنا وقناعاتنا، ولسنا أصحاب فضل على أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Historical events are eternally interpretable
Talal Alrubaie ( 2009 / 4 / 29 - 00:49 )
If you find it suitable for you to see things in a closed fashion, rather than in an open-ended fashion, then this is your privilege. However, others, you must agree, are free to see things differently, that is, to see historical events as eternally and permanently interpretable as long as there are people on this earth who (re)narrate events. Just the mere act of narration or re-narration, as we all know, changes perspectives, casts a new light on things and creates new insights.
Regards


2 - أدير ألعين ما عندي حبايب
جيفارا ( 2009 / 4 / 29 - 17:57 )
أخوتي بألحوار المتمدن(رجعتلكم انا بينكم )ما عندي تعليق بس قلت أخاف ظل بالكم علية لأن صار فترة منقطع عنكم يرجي وضع أسمي في خدمة ألتعليق -----شكرآ

اخر الافلام

.. أكثر من 1000 وفاة في الحج .. والسعودية تؤكد أنها لم تقصر • ف


.. الحوثي يكشف عن سلاح جديد.. والقوة الأوروبية في البحر الأحمر




.. النووي الروسي.. سلاح بوتين ضد الغرب | #التاسعة


.. مخاوف من انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي يمتد بين البحرين الأ




.. نشرة إيجاز - استقالة أعلى مسؤول أمريكي مكلف بملف غزة