الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قومجة وأمركة ومقاومة

منير شحود

2004 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


كيف استحالت القومية العربية إلى قومجية؟ إنه السؤال الذي نحاول مقاربته. فاستمرار النظر إلى الحركة القومية العربية, كما كان في الخمسينات والستينات, هو ما ندعوه قومجية؛ وذلك بعد أن فشل هذا المشروع العاطفي لسبب موضوعي هو عدم وجود الطبقة البرجوازية - حاملة الفكرة القومية وقوة تجسيدها, أو ضعفها الشديد, فأصبح الفكر القومي مجرد كاريكاتير, مقارنة بتحققه الواقعي في أوربا القرن التاسع عشر. هذا ما حدث بالفعل عندما تسلمت الأحزاب القومية زمام الأمور والسلطات, واستغلت الشعارات القومية أيما استغلال, أما الأحزاب والقوى التي لم تصل إلى الحكم, فقد تمسكت بالفكرة القومية أخلاقيا وأوهاميا, وآمنت بها إيمانا.
ولم يبق لحاملي الفكر القومجي سوى اتهام كل من يقترب من مقاماتهم بالتآمر والتأمرك! اتساقا مع نظرية التخوين, وذلك عن سذاجة عند البعض, أو مصلحة عند البعض الآخر. وحتى من يحزن على سفك الدماء العراقية يكون, بنظر هؤلاء, متأمركاً؟. ولكن, هل "نحن" مولعون بسفك الدماء إلى هذا الحد؟ وهل ذلك هو التعبير الأنجع عن رجولتنا؟ مع العلم أن معظم هذه الدماء المسفوكة, تسفك بأيدينا, وهي دماؤنا؟!. لماذا لا نفكر إلا بالمقاومة المسلحة؟ وهل أخطأ الشعب الياباني عندما تحول من اعتماد أسلوب الكاميكاز إلى ولوج باب الاقتصاد الرائد؟ أليس ذلك تعبيرا متطورا عن الرجولة, مقارنة برجولة الخصى, وتعويضا عن المراوحة في المكان, والفشل في بناء اقتصاد عصري أو بحث علمي أو سلطة ديمقراطية أو آداب وموسيقا وفنون رفيعة؟.
إنه الفكر السياسي القومجي؛ أي الفكر القومي الذي لم ولن يتجسد واقعيا, عربيا كان أم غير عربي, إلا كمكوِّن ثقافي, في عصر العولمة تحديدا. وليس من الحكمة والتجاوز الركض وراء الأوهام؛ فقد انهارت "الاشتراكية" لأنها لم تكن سوى غطاء أيدلوجي لنظام استبداد سياسي, أي لنفس السبب الذي جعل فكرة القومية العربية, الناصرية والبعثية, تنهار أو تتأرجح, ومحاولة إحيائها على المنوال نفسه هو ما ندعوه, أيضا, قومجية.
إننا أحوج إلى نوع من الإبداع الطفولي, لتفكيك مسلماتنا وثوابتنا, وبعثرتها من جديد, بهدف إعادة ترتيبها؛ ذلك لأننا مدفوعين جميعا بواجب تشخيص المأزق الذي نحن فيه, وهو واجب وطني وإنساني. وإن من العار أن نبيع أقلامنا وأفكارنا لأي كان, كما أنه من العار أن لا نقول ما نعتقده, أصبنا أم لم نصب.
إن الرغبة في جلاء المحتل عن أرض العراق ليست حكرا على السيد مقتدى الصدر وأمثاله, فالذين يعملون على رحيل المحتل كثر في العراق, بيد أن حكمتهم السياسية قد لا يحوزها لا السيد الصدر ولا كتاب بعض البيانات؛ لأنه من السذاجة عدم التفكير بالآتي, الذي سنتقاسمه سوية, وهو مفتوح للاحتمالات التي نرى مقدماتها بأم العين, وليس أخطرها الاحتلال, الذي سيخرج في المدى المنظور, لأنه احتلال أولا, وتجري مقاومته بأشكال شتى ثانيا. إن مقاومة المحتل نفسها, ثمرة من ثمار زوال الاستبداد, حري أن يتنعم بها الشعب العراقي, دون أن تكون حكرا على القوى الاقصائية القروسطية, القادمة من داخل العراق أو خارجه.
وتتباكى الأنظمة العربية المستبدة كلها على الشعب العراقي؟ هي التي لا تريد لهذا الشعب أن يخرج بالفعل من محنته؛ لتتحول أنظار العالم إليها. ويجرى تحفيز الجماهير العروبية على قدم وساق, فتلتمس هذه الجماهير الجهاد والمقاومة, حتى لو كانت هذه المقاومة على طريقة "القاعدة", التي تفتك متفجراتها بكل الكائنات الحية من نوع الإنسان. أليس ذلك نذير شؤم, ويتطلب جهدا تنويريا هائلا, مقرونا بالنضال من أجل تأمين حقوق الإنسان الأساسية في العمل والأمن و..., بدل أن ندفع بأبنائنا إلى محارق, يتقن فيها أعداؤنا فن القتل والتدمير بما لا يقارن؟!.
ويتعبد بعض العروبيين الخارطة القومية, وقد ورثوا حدودها عن السيدين سايكس و بيكو, بحيث يندهشون ويستنكرون, مثلا, رغبة أهل جنوب السودان بالحصول على بعض من الاستقلال الذاتي, أو مطالب الأكراد بالغناء والكلام بلغتهم الأم!.
وبين الفينة والأخرى, ينهال علينا مغتربون في بقاع الأرض بالنقد واللوم والتخوين. ونحن إذ نحترم آرائهم, فإننا نتمنى أن لا يكونوا مجرد أشباح لا تعلن عن أسمائها, أو خفافيش في كهوف الاستبداد. وندعو هؤلاء بهذه المناسبة إلى العودة إلى "جنة الأوطان", والأرحام القومية الدافئة, لنقاوم سوية الغاصبين والمغتصبين كلهم, فهل يستجيبوا؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميناء غزة العائم يثير بوجوده المزيد من التساؤلات | الأخبار


.. نتنياهو واليمين يرفضون عودة السلطة إلى القطاع خوفا من قيام د




.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة ويزيد حدة التوتر في إسرائيل | #مر


.. دفن حيا وبقي 4 أيام في القبر.. شرطة #مولدوفا تنقذ رجلا مسنا




.. البنتاغون يعلن بدء تشغيل الرصيف البحري لنقل المساعدات إلى قط