الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك تنمية بشرية حقيقية في دولة الإمارات

أمير ماركوس

2009 / 4 / 30
الادارة و الاقتصاد


بناء على معايشة فعلية لمدة أكثر من ثلاث عقود في دبي ودولة الإمارات يمكننا أن نقول بكل ثقة أن العنصر البشري من أبناء الدولة لم يتطور سوى من حيث الشكل، بمعنى أنه بدلا من الخيمة التي كان يسكن فيها أجداده (وربما والداه) في الصحراء ، أصبح هو الآن يسكن في فيلا وربما في قصر مزود بمارينا (مرسى بحري لليخت الخاص) بسبب الطفرة النفطية، وبدلا من رعي الغنم أو صيد اللؤلؤ التي كانت حرفة الجدود ، أصبح الحفيد الآن يشغل مناصب مرموقة في جهاز حكومي أو شركة حكومية كبرى، وأصبحت هناك ألقاب وظيفية براقة يشغلها أولئك ويتفننون في صياغة مسمياتها من نوع مدير تطوير العمليات التجارية، والنائب الأول للرئيس التنفيذي لشؤون التطوير ... والمساعد الأول لنائب الرئيس التنفيذي لشؤون خدمات العملاء.. إلخ.. من هذه الصيغ الشكلية التي يُسهم في إبتكارها خبراء من العالم الغربي أدركوا بذكائهم ودرايتهم بالأمور النفسية ما يبهر الإنسان الخليجي ويجعله يسدد لهم أتعاباً سخية.

لكن دعونا نغوص قليلا إلى ما تحت السطح البراق، لنجيب على هذا السؤال .. هل وصلت التنمية البشرية الحقيقية إلى المضمون الداخلي وهل تجاوز التطوير الأمور الشكلية والماديات مثل الفيلا والسيارة الفاخرة والعطور الأنيقة .. إلخ؟.

شاءت لنا ظروف العمل أن نتعامل مع العديد من الشركات الحكومية وشبه الحكومية العملاقة في دبي والعاملة في مجال التطوير العقاري، والتي تُعبر أسماؤها عن مفردات من تراث الأجداد وعبارات خلابة مثل اللؤلؤة والنخيل والإعمار وما شابه ذلك. فماذا وجدنا؟ ..

تتكون إدارة كافة هذه الشركات من عدد قليل من مواطني الدولة ممن ولدوا في القصور والفيلات وحصلوا على شهادات أكاديمية من جامعات عالمية، نعلم جميعاً الكيفية التي حصل بها معظمهم عليها، ونعرف شخصياً بعض أساتذة الجامعات في مصر ممن يقومون بكتابة الأوراق العلمية لخليجيين في مقابل أتعاب سخية ، ونعرف جميعا أن شبكة الإنترنت تمتليء بالإعلانات عن شهادات أكاديمية تمنح مقابل مبالغ مالية، هؤلاء يشغلون الوظائف الرئيسية الكبرى في تلك الشركات، ويعتبرون آلهة صغار، لا يمكن الوصول إليهم إلا بالوساطة من خلال الطبقة التي تليهم أسفل البناء الإداري، وهذه الطبقة تتكون في معظم الحالات من جنسيات عربية غير خليجية، وهذه الطبقة هي المنوط بها إنجاز الأعمال اليومية، وتدرك هذه الطبقة جيداً أن السبيل الوحيد والأوحد لبقائها في وظائفها حيث يتقاضى شاغلو هذه الوظائف الإدارية رواتب ومزايا تتجاوز بكثير القدرات الحقيقية لكل منهم، يدرك أولئك أن بقاءهم في وظائفهم مرهون بإستمرار رضا طبقة الآلهة عنهم، كما أنهم تعلموا من تجاربهم أن يكون ولاؤهم لهؤلاء الآلهة وليس للمصلحة العامة للشركة أو المؤسسة، وبالتالي يكون دور شاغلي وظائف الإدارة المتوسطة هو القيام بمهمة الحاجز الخرساني الذي يحجب المشاكل الفعلية عن الآلهة بحيث يمكن لأولئك الكبار الإستمتاع بإهتماماتهم الشخصية التي تتمثل في الظهور الإعلامي في الفضائيات ومتابعة تطورات أسعار الأسهم في البورصات العالمية والمحلية والسفر للخارج في مهام على نفقة الشركة والإهتمام بمتابعة سباقات الخيل والهجن .. إلخ.

ونضرب مثلا يمكن لقارئنا التحقق من مصداقيته .. تأمل معنا يا عزيزي القاريء المواقع الإعلانية لتلك الشركات الكبرى الموجودة على شبكة الإنترنت ، تحت عنوان إتصلوا بنا لن تجد سوى عنوان بريد إلكتروني يسمى معلومات (info) أو خدمة العملاء (customer service) أو مبيعات (sales)، ونتحدى من يجد لنا عنوان البريد الشخصي الإلكتروني للرئيس التنفيذي المسؤول، أو المدير العام ، فعندما تتصرف حضرتك ببراءة وتتصور أن هذه العناوين ستقود رسالتك إلى أي من الآلهة الكبار، تكون واهماً فهذه العناوين المنشورة مُصمّمة بحيث تتلقى على رسالتك رداً إلكترونياً فورياً يفيد بما معناه أننا تسلمنا (التساؤل) (query) الموجه منكم ونشكركم عليه وسنرد عليكم في الوقت المناسب، ولن يصلكم الرد ولا في المشمش (كما يقول المصريون بالعبارة الدارجة) مهما تابعت المراسلة بمزيد من الإستعجالات، ومن الواضح أن هذه الرسائل لا تصل إلى الكبار، بل تنتهي في أحسن الأحوال عند شاغلي طبقة الإدارة المتوسطة ممن يقومون بمهام الحائط الواقي أو السد المانع للتسرب.

وحتى لا يتصور أحد أننا نتحامل عليهم، ندعوكم إلى الدخول إلى المواقع الإلكترونية لشركات مماثلة في العالم الغربي، سنجد أسماء وصور شخصية لكبار المديرين وعناوين بريدهم الإلكتروني، وهم يتعاملون شخصياً مع بريدهم الإلكتروني ولا يتركون هذه المهمة لصغار الموظفين من مساعديهم، ولا مانع من تفويض السكرتيرة بإجراء فرز للبريد، لكن يستلزم الأمر بالضرورة أن يقوم المسؤول من فترة إلى أخرى بإطلاع عشوائي على بريده الإلكتروني فيما يسمى بـ(spot checking) لمراقبة أداء السكرتيرة والتحقق من أنه يتحسس نبض العملاء، ولا مجال لأحد كبار المديرين أن يزعم بأنه مشغول بإتخاذ القرارات الإستراتيجية ولا وقت لديه للإطلاع على البريد الإلكتروني، لأن الإخفاق في هذا الإطلاع يعزل الإدارة عزلا تاماً عن المشاكل الواقعية الموجودة على الطبيعة ، وهذا هو ما يحدث في الشركات الإماراتية العملاقة التي نتحدث عنها، حيث أصبحت طبقة الآلهة معزولة تماماً عن مشاكل الواقع وتعاملات الأعمال اليومية.

مثال عملي آخر .. أصدرت لنا مؤخراً إحدى كبار الموظفات (من طبقة صغار الكبار) بإحدى هذه الشركات العملاقة أمراً محرراً خطياً لتقديم خدمات إدارية، وأرسلنا رداً خطياً بما يفيد إستلامنا للأمر وشروعنا في التنفيذ، لكنها لاحقاً لذلك تابعت الأمر برسالة أخرى تلغي الأمر السابق، بلهجة جافة ودون أي إعتذار ودون أن تعرض تعويضنا عن الوقت والجهد المبذول .. وهي تعلم علم اليقين أن مُزوِّد الخدمة لن يتمكن من عرض شكواه على أي من الآلهة الكبار، وهذا ما حدث بالفعل .. حيث كانت كافة الطرق أمامنا مسدودة، والوثائق لدينا لمن يرغب في الإطلاع، وربما ننشرها كما هي وبأسمائها الحقيقية في موقعنا الإلكتروني بعد إستطلاع رأي مستشارنا القانوني.

تأكيداً لوجهة نظرنا، نشير إلى حقيقة أخرى وهي أن النظام القضائي المُطبق في تلك الدول ليس فيه ما هو موجود بأمريكا مثلا (رغم أنهم إستوردوا منها كل شيء)، وهو ما يسمى بالمحكمة الصغيرة (small court) التي يحكم فيها القاضي في جلسة واحدة، ويمثل أمامه المدعي والمدعى عليه شخصياً دون محامين، وهي تتعلق بالمطالبات الصغيرة، وهو ما نشاهده على قنوات التلفاز الأمريكية عندما يطالب أحدهم بتعويضه ببضع مئات من الدولارات عن مخالفة وقعت من الطرف الآخر..

إن عدم وجود نظام قضائي موازي ومماثل لفكرة "المحكمة الصغيرة" في تلك الدول الخليجية، يجعل من المستحيل على من تعرض لظلم (على سبيل المثال) في أمر توريد منخفض القيمة (أي ما يعادل بضع مئات من الدولارات) أن يلجأ للقضاء التقليدي، حيث يحتاج إلى أن يسدد مقدماً رسوم المحكمة وأتعاب المحامي ثم الإنتظار لمدة سنين في المحاكم، وهذا عامل آخر يدفع طبقة صغار كبار المديرين إلى التوحش في التعامل مع المُوردين ومُزودي الخدمات، لأن طريق الشكوى أمامهم مسدود .. مسدود يا ولدي (كما يقول شاعرنا العظيم نزار قباني في الأغنية التي يغنيها عبد الحليم حافظ).. سواء داخل الشركة أو خارجها من خلال القضاء العادي.

نعود إلى السؤال موضوع المقال .. مجرد تأمل للتركيبة السكانية في دولة الإمارات يحدد لنا المؤشر الهام الذي يلقي الضوء على الأسباب التي أدت إلى الظاهرة الحالية.. فتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة عدد مواطني دولة الإمارات يدور حول (17 – 18%) من مجموع المقيمين على أرض الدولة، ويعمل نظام العبودية المُسمّى بنظام الكفيل على أن تشكل هذه الأقلية بشكل تلقائي طبقة الأسياد وأن يُصبح الباقون هم العبيد بأشكال مختلفة، ثم هناك العوامل المساعدة على ترسيخ نمط السادة والعبيد.. وهي سلوكيات طبقة صغار كبار المسؤولين من المنتفعين بهذا الوضع والعاملين على ترسيخه ، ممن يقومون بدور الحاجز المانع.

ربما نكون قد أجبنا بشكل غير مباشر على أسباب إنهيار البناء الهش، رغم مظهره البراق، بمجرد أن بدأت الأزمة المالية العالمية، فليست هناك تنمية بشرية حقيقية من أي نوع لمواكني الدولة، بل أن النظام الإجتماعي السائد يجعل من المواطن الخليجي إنساناً جشعاً باحثاً عن رخائه المادي الشكلي على حساب كافة القيم .. فليس هناك إماراتي واحد يعمل بمهنة يدوية مثل ميكانيكي سيارات أو حرفي في مهن البناء المختلفة أو جزار (لحام) أو ممرض أو حتى سائق سيارة خاصة لدى مواطن آخر أو ما شابه ذلك، فهذه المهن متروكة للعبيد.. ويمتد هذا الوضع إلى داخل قصورهم وفيلاتهم، فيلزم أن يكون لدى كل منهم عدد من الخدم والخادمات والمربيات والسائقين الخصوصيين .. ولا أمل في أي تغيير لهذه الأوضاع في المستقبل المرئي.

المراجع:
شركة إماراتية عملاقة في التطوير العقاري
http://www.dubaipearl.com
إتصلوا بنا
http://www.dubaipearl.com/Contact.aspx

شركة إماراتية أخرى
http://www.nakheel.com/en

شركة إماراتية ثالثة
http://www.emaar.com/index.aspx?page=home
إتصلوا بنا
http://www.emaar.com/index.aspx?page=contact

للمقارنة (شركة عالمية في مجال الإستثمار العقاري)
http://www.inlandgroup.com/
أسماء وصور كبار المسؤولين فيها
http://www.inlandgroup.com/about/bios.htm

شركة عالمية أخرى في نفس المجال
http://www.haymancompany.com/home.cfm
أسماء وصور كبار المسؤولين فيها
http://www.haymancompany.com/profiles_hayman.cfm

المحكمة الصغيرة (في أمريكا)
http://www.jud.state.ct.us/faq/smallclaims.html
http://www.courts.state.va.us/pamphlets/small_claims.html













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نظام الكفيل هو الضمانة لابناء الوطن الاصليين
ابو سليمان ( 2009 / 4 / 30 - 11:24 )
ان نظام الكفيل المتبع في الامارات الشقيقة هو خير ضمانة لابناء الوطن الاصليين من منافسة او تدافع قد يحصل مستقبلا و يعرض التركيبة السكانية للخطر . واكبر مثال على ذلك هو ما حدث في الاردن . لقد استضاف الاردن شعبا باكمله كما تعلمون ومنحهم الجنسية وعاملهم كما يعامل ابناؤه وساواهم بالحقوق والواجبات . فماذا كانت النتيجة ؟ لقد استاثروا بخيرات البلد كاملة كما ورد مؤخرا في مجلة فوربس حيث ان عددهم من اثرياء الاردن تجاوز نسبة 90% بسيطرة اقتصادية كاسحة وولاء معدوم للدولة وعنصرية شديدة تجاه ابناء البلد ((جلس في حضني ونتف ذقني )) . حيث انهم يرفضون العودة الى بلادهم الاصلية فيما لو تغيرت الظروف السياسية هناك هذا اذا اتفقوا ((في المشمش )). فنصيحتي الى ابناء الامارات لا تخطؤوا خطانا ولا تاخذكم باحد شفقة ولا تنصتوا الى اي حالة انسانية فالانسان يبدا مسكينا وعندما يتمكن ينقلب الى وحش لئيم .


2 - تعليق على التعليق
أمير ماركوس ( 2009 / 4 / 30 - 13:40 )
الأستاذ أبو سليمان المحترم
نشكركم على تعليقكم لكننا نتصور أن بالإمكان معالجة هذا الأمر من خلال منح تأشيرة العمل أي يمكن لحكومة الإمارات أن تضع شروطا لمنح تأشيرة إقامة للعمل في الإمارات دون أن يكون الأمر مفتوحا لكن تأملوا أثر نظام الكفيل على مواطن الإمارات نفسه
لقد أتاح له هذا النظام أن يحصل على إتاوة دون أي جهد فلماذا يهتم بأن يكون منتجا
نتصور من واقع الخبرة أن الآثار السلبية لنظام الكفيل أكثر كثيرا من مزاياه التي تشيرون إليها
شكرا لكم

اخر الافلام

.. عامر الشوبكي: أسعار النفط تأخذ مؤشراتها من تطور المفاوضات بي


.. ولي العهد رئيس الوزراء يلتقي الوفود المشاركة في الاجتماعات ا




.. كلمة وزير المالية والاقتصاد الوطني خلال ترأس أعمال المجلس ال


.. ماذا تعني الهجمات الأوكرانية على المصافي الروسية بالنسبة لصا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 12 مايو 2024 بالصاغة