الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن الحقيبة الضائعة

حيدر الحيدر

2009 / 5 / 1
الادب والفن



كان الوقت قد تجاوزالغروب بقليل ، حين دخل المكتبة الواقعة اسفل بناية مرتفعة تناطح السحاب ، في شارع تتلألأ على جانبيه الانوار .
كانت المكتبة تزدحم برفوف ملونة ، تصطف على أظهرها أحمالاَ من الكتب والمجلدات الضخمة وبمختلف اللغات والخطوط .
فتح حقيبته ورتب في داخلها خمس مجلدات بألوان براقة ، احكم غلقها وتأبطها وانتقل بخطوات حذرة من ذلك الشارع بأتجاه بناية اخرى تبدو وكأنها قاعة اجتماعات في متحف كبير.
وجد الناس يدخلون ويخرجون منها فرادى دون ان ينتبه احدهم للآخر او يعيره ادنى اهتمام يذكر ظاهراَ .الا ان خلف نظاراتهم السوداء او تحت قبعاتهم التي بلونها اموراَ تبعث الشك والريبة في النفس.
توجس امراَ ما ،...... توقف مرتبكاَ أمام لوحة اعلانات مخملية خضراء مؤطرة ومزججة بشكل هندسي دقيق ،علقت في الجدارالمجاور لتلك البناية ...
ازاح اللوحة قليلاَ واخفى حقيبته في مخبأ أعد سلفاَ في الجدار،اهتدى اليه بحدس مفاجئ ،...
أعاد اللوحةالمخملية الى مكانها بسرعة قبل ان يراه أحد ...
دخل القاعة وجلس بين الحضور لعله يستفيد من المتحدثين ،فما استطاع ان يفهم حرفا مما ينطقون به ،َ
تأمل جاهداَ في معرفة الغاية او الهدف من عقد ذلك الاجتماع فباءت محاولته بالفشل .
خرج من القاعة وتوجه لأخذ حقيبته فلم يجد للجدار او اللوحة المخملية من اثر !
استفسر من العجائز المعينات عن حقيبته فسخرن منه .
رجع خائباَ الى الشارع فوجد الطرقات قد خلت من الناس ، وارخى الليل سدوله ، وبدى القمر بدراَ يشع في فضاء يغلفه الهدوء .
سار وحيداَ في طريق مغروس الجانبين بأشجارملتفة الاغصان ،
فكر ان ينادي لعل احداَ يسمعه من وراء الأيك ،
فصاح بأعلى صوته بحثاَ عن حقيبته ،عكر بذلك سكون الليل فلم يسمع سوى غمغمة في ثنايا حفيف الاشجار ،سألها عن السبب ؟
اجابت : ان ارواحاَ تسامرجذورنا الممتدة في اعماق الارض منذ اقدم العصور .
قلَّب صفحات الكتب التي استعرتها هذا المساء لتعرف كل شئ .
ـ لكن الكتب داخل الحقيبة وقد ضاعت .
ـ لا يمكن ان تضيع ، ربما سرقت : اجهد نفسك في البحث عنها وحافظ على ما بين سطورها .
ونادى من جديد .
سمع غمغمة الاشجار وقد امتزجت بصفير هادر دوى في ذلك الطريق الهادئ .
سما ببصره واذا بطائرتين مقاتلتين تخترقان السماء الزرقاء وتغرسان انفيهما في بحر متلاطم الامواج وتتحولان لسمكتين كبيرتين تحاولان ابتلاع بعضهما .
وبين زبد الموج وهيجان البحر تظهر غابة خضراء تتصاعد منها السنة اللهب .
وقردة ترقص فوق اشجارها المحترقة ..... طيورغريبة في فضائها .
طائر ابيض يهوي ويحترق ، يتبعه طائر اسود لنفس
المصير. تختلط الاصوات بالالوان .
وتتوالى الانفجارات وتنطلق صافرات الانذار في كل اتجاه ......
النيران تغلق عليه مفارق الطرقات ....
صارت الغابة هشيماَ محترقاَ ،
وتحول صوته الى دخان يتصاعد في الفضاء وهو ينادي بحثاَ عن حقيبته الضائـعـه ....!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر ــ 17 / 8 / 1981
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات احلامي )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال