الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدونيس يبحث عن العراق.. ثلاث لقطات من مشهد كبير وواسع

سعدون محسن ضمد

2009 / 5 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أخبرني الزميل العزيز أحمد عبدالحسين بأن الصباح أوفدته مع الزميلين ماجد موجد وكريم شغيدل للقاء أدونيس في إقليم كردستان، ودعاني على هذا الأساس لمرافقتهم ترددت أول الأمر وشككت إن كان ذهابي سيكون مربكاً لعملهم وهم يمثلون الصباح ويتحدثون باسمها ربما.. لكن أهمية أن ألتقي أدونيس جعلتني اتجاهل مخاوفي وأقبل دعوة أحمد الرائعة والكريمة.. وهكذا حزمت امتعتي سريعاً وقبل ساعات قليلة من الانطلاق باتجاه السليمانية.

لقطة أولى
حضر أدونيس إلى العراق بعد انقطاع دام ما يقارب الأربعين سنة.. وبعد هذه المدة من المقاطعة التي رفض خلالها هذا المفكر العربي الكبير، وكما لـمَّح هو، الاشتراك بمحافل وفعاليات النظام السياسي الاستبدادي البائد، استجاب لدعوة إقليم كردستان وحضر إلى العراق الجديد، العراق المنفتح، العراق الذي يفترض به أن يكون نابضاً بالحياة الثقافية والفكرية، خاصَّة بعد أن ارتفعت عن كاهله جميع التابوات والممنوعات.
حضر أدونيس ولم تحاصره وسائل الإعلام العراقية، ولم تزدحم على طريقه كاميرات الصحافيين ولا ميكروفونات المراسلين التلفزيونيين، حضر أدونيس ولم تتحلق حوله جموع من المثقفين والفنانين والشعراء والمسؤولين (أقصد العراقيين العرب). دخل أدونيس العراق وخرج كما يدخل أي عابر سبيل لا يعول على دخوله ولا يرجى من وراء مروره أي شيء.
عار على الثقافة العراقية بأفرادها ومؤسساتها أنها لا تكترث لمثل هذا الرجل.. بل عار عليها أنها تتجاهله. وسَيُسْأل أدونيس حتماً عمَّن احتفى به من مثقفي العراق وعمَّن التقاه.. وياللسخرية إذا قال بأنه لم ير أحداً، وأن أياً من المثقفين العراقيين لم يكلف نفسه عناء الحضور لاستقباله وتحيته. سيقول بأنه لم يلتق من العرب العراقيين إلا أربعة من الشباب فقط، وأن مؤسسة إعلامية واحدة أوفدت هؤلاء الأربعة لمحاورته، هي جريدة الصباح. أما وزارة الثقافة أما شبكة الإعلام العراقية أما بقية الفضائيات أما اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، أما منتديات ومجاميع وبيوت الشعر، أما بقية المؤسسات الثقافية الكثيرة، فقد غابت عن يوم من أهم أيامها الموعودة، تجاهلت ساعة مهمة من ساعات حشرها حيث يجب عليها أن تُحاسَب وتُحاسِب.
الغريب أن أدونيس رفض أن يجيب على أسئلتنا التي أعددناها له قبل أن نجيبه نحن على سؤال يبدو أنه حمله معه منذ وقت طويل هو: أين المثقف العراقي من عصف الأحداث الذي تعرض، ويتعرض، له باستمرار.. ماذا انتج هذا المثقف مما يوازي الأحداث التي لم يتعرض له شعب أو مجتمع كما تعرض لها هو؟
إذن كان السؤال الذي جاء أدونيس ليبحث عن جوابه هو: أين المثقف العراقي؟ ويبدو أنه وجد الجواب أخيراً.. أظنه سيقول لمن يسأله وبثقة عالية: لا يوجد مثقف عراقي، وليست هناك بوادر نهضة عراقية واعدة.

لقطة ثانية
كان سؤال أدونيس الذي باغتنا به هو: "لا شك أن هناك مرحلة سياسية جديدة في العراق.. لكن هل نستطيع أن نقول؛ أن هناك مرحلة ثقافية جديدة ستبدأ بشكل عام ومرحلة شعرية وفنية ستبدأ أيضاً بشكل خاص. وكيف تتصورون سمات هذه المرحلة الجديدة على المستويين العام الثقافي والخاص الشعري؟.
نعم أيها الشاعر الكبير، هناك عصف ثقافي يوازي العصف السياسي، وهناك تجديد في مفاهيم وأنساق ولغة الثقافة العراقية، ستوازي، عما قريب، بل وتتفوق على حجم وعمق التغيير السياسي الذي حدث ويحدث في العراق. لكن هل يمكن الكشف عن هذا التغيير الثقافي الآن؟ بالأحرى هل يمكن اكتشافه الآن؟ بالتأكيد لا؛ لأنه يمر بمخاضه حتى اللحظة، ولأنه إلى الآن لم ينفصل عن رحمه، لم يولد ولادته الكاملة. لم تتبلور إلى الآن رؤية ثقافية تتجاوز، في توحدها، الشتات الذي تغرق فيه الثقافة في العراق.. لكن هذه الرؤية في سبيلها إلى التبلور. وأنا لا أقول ذلك تفاؤلاً بل إقرار لواقع اتحسسه عن قرب، وأشارك بأكثر أحداثه اضطراباً وأهمية. هناك مثقفون عراقيون أخذت تتضح لديهم مشاريع فكرية واعدة جداً.. وهناك مثقفون عراقيون أخذوا يطرحون رؤى تغييرية متماسكة ودقيقة ويبدو عليها أنها ستكون أكثر أهمية من جميع رؤى التغيير التي فشلت في العالمين الإسلامي والعربي.
أهم ما يجب أن يتوفر عليه مجتمع يحاول بناء دولة حديثة هو أن يكون لديه خط ثقافي قوي يوازي بمسيرته خطه السياسي. يرصد أخطاءه ويطرح رؤاه المتعلقة بإصلاحه. وهذه التركيبة موجودة في العراق الآن. لكن ما يعيقها، أو بالأحرى ما يجعلها غير واضحة المعالم، أن الـمُتَّجِه السياسي أكثر حضوراً من الـمُتَّجِه الثقافي أو الفكري، وهذا الأمر طبيعي بسبب طبيعة التغيير الذي حصل في العراق، والذي هو تغيير عسكري أولاً وسياسي ثانياً. الأمر الذي جعل المثقف مُباغَتا ومأخوذا على حين غرة.
لكن مع ذلك وإذا أراد راصد محترف أن يقرأ الحدث الثقافي الموازي للحدثين العسكري والفكري، فسيجد سريعاً أن المثقف شرع بالسير تجاه استعادة زمام الأمور، وقد استطاع إلى الآن من أن يفرض الكثير من الرؤى والأفكار وبالتالي التوجهات على السياسي، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك تغييراً عاصفاً يحدث داخل أنساق المؤسسات السياسية العراقية، وصحيح أن جزءاً من هذا التغيير يعود لطبيعة الجدل الأمريكي الإقليمي العراقي، لكن الجزء الأكبر منه ناشئ من حضور المثقف العراقي في ميدان الصراع واستخدامه الجريء لجميع أدوات النقد المتاحة لديه في توجيه الرؤى السياسية والتحكم بمسارات بناء الثقافة العراقية بجميع أنساقها وبناها الارتكازية.

لقطة ثالثة
في إحدى الجلسات التي جمعتنا نحن الأربعة بأدونيس طرحنا عليه سؤالاً يتعلق بالسر الذي جعل العقل العربي خصوصاً والشرقي عموماً ينزاح تجاه النبوات، بينما ينزاح العقل الغربي تجاه الفلسفات. قلنا له:
لماذا يعمل العقل الغربي من خلال الاستنباط والاستقراء، ويعمل العقل الشرقي من خلال الاستلهام. لماذا يفحص الأول الواقع، ولماذا يحاول الثاني أن يتخيله؟
أدونيس (شاعراً) نظر لغير الزاوية النقدية التي نظرنا من خلالها للعقل العربي، ولذلك دافع عن صفة الغنوص فيه، معتبراً أن التصوف ـ وباعتباره منجز العقل (الاستلهامي) ـ أهم ما أنتجه العرب فكرياً. لكننا أردنا منه رؤية تفسر ذهاب عقلنا بعيداً وراء أسئلة تتعلق بالماوراء، مهملاً بالنتيجة الأسئلة الأكثر أهمية والتي تتعلق بالواقع.
ما أردناه من سؤالنا هو:
أن النبي الشرقي سأل عن سر الخالق وغايته، وهذا سؤال يتعلق بما لا يمكن فحصه ودراسته، ما أسس للمعارف الاستلهامية الخيالية الفيضية.. وسأل الفيلسوف الغربي عن العقل وكيفية عمله.. وهذا سؤال يتعلق بما يمكن فحصه، ما أسس للرؤية التجريبية الواقعية الحسية. لهذا السبب وليس لغيره انتج نبينا كتاباً يتحدث عن المقدس ويشدنا إلى الماوراء.. وأنتج فيلسوفهم كتاباً يتحدث عن المنطق، ويشدهم إلى الواقع. كنا نريد من أدونيس أن يناقش معنا الأسباب التي زحفت بعقلنا العربي والشرقي اتجاه الوحي، لنجعل منه أهم مصدر نمول من خلاله معارفنا التي بقيت عرجاء بسبب انحباسها خلف قضبان الخيال والاسطورة والخرافة.. كنا نريد من أدونيس ذلك لكن طبيعة الجلسة وخوفنا من أن نتعبه ونحن نعلم كيف أن جدوله كان مزدحماً لأبعد الحدود حالا بيننا وبين إيضاح حقيقة السؤال وكامل أبعاده.
في النهاية أريد أن أتوجه بكلمة شكر لجريدة الصباح التي استطاعت أن تكون حاضرة بمشهد غاب فيه الجميع، وأريد أن أتوجه بعلامة استفهام مفتوحة الشهية لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين الذي تجاهل ـ وربما عتَّم على ـ دعوة أُرسلت إليه بوقت مبكر من قبل إقليم كردستان لحضور الفعاليات المقامة على شرف استقبال أدونيس الشاعر والمفكر الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للاسف
ايار ( 2009 / 5 / 1 - 10:48 )
نعم واكررها الاف المرات للاسف المفارقه ان مدعي الثقافه العراقيه يهربون خارج العراق وبكل فزع والاصدقاء يدخلون اليه مستبشرين انها لمفارقه عظيمه .
اخي العزيز وبصراحه اقول لك لوكانت الزمان ورجالاتها من اللذين كانوا حتى الامس يتحسسون مؤخراتهم عند سماعهم كلمة ثقافه اقول لو كانت هذهالمؤسسه المشبوهة الغايات والتوجهات وراء هذا الحدث الكبير لرايت اشكالا من التطنيب والتزمير مايعجز عنها التصور والوصف لكن وللاسف المثقفين اليوم اصبحوا ياتمرون باوامر مؤسسات اعلاميه مشبوهه هل تعرف لماذا ياصديقي؟لان وزير ثقافتنا يستنكف من حضور المربد ولان البعض من مثقفينا يستنكف حتى زيارة كردستان خوفا من غضب سلطان الزمان.


2 - Did he visit Iraq?
Issam ( 2009 / 5 / 1 - 13:58 )
This is the question I have to you, does Adonis visit Iraq to be sourraond by iraqi intelectuels?. or he visit an semi-indipendent country so-called Kurdistan?.

اخر الافلام

.. كمين رفح يكشف انتقادات قادة الاحتياط الإسرائيلي لإدارة نتنيا


.. حزب الله وإسرائيل: هل تتحول المواجهات إلى حرب شاملة؟ نقطة ح




.. نشرة الرابعة | الحجاج يرمون اليوم جمرة العقبة الكبرى.. ولا ح


.. تقويم.. ماهو موسم تويبع؟




.. غرف مراقبة للتأكد من التزام بعثات الحج بالجداول الزمنية لرمي