الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حروب القائد الضرورة والديموقراطية وعراق الغد

ابراهيم الداقوقي

2004 / 4 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كنا قد اكدنا ومنذ العام 1996 ( انظر مقالنا : المبادئ الحاكمة للنفوذ الغربي في الشرق الاوسط ، مجلة " قضايا دولية " العدد المرقم 354 الصادر في 14 / 10/1996 ) على ان استعمار صدام حسين الداخلي للعراق ، قد تفاعل مع المبادئ الدولية للايديولوجيات المسيطرة في منطقة الشرق الاوسط - وفق مبدأ الايقاع بالخصم والدفاع عنه - وهو الذي استدعى الامبريالية الاميركية لغزو العراق ، بعد ان تم تجريب مبدأ الايقاع بالخصم والدفاع عنه ، في العدوان العراقي على دولة الكويت " عندما اراد الغرب تحطيم ارادة الشعب العراقي المناضل الذي وقف ضد الغرب الامبريالي منذ العام 1920 فكان الحصار هو العقاب الذي انزلته الايديولوجيات المسيطرة بهذا الشعب البطل ، بعد ان اشعلت ابريل غلاسبي ( سفيرة واشنطن في بغداد ) الضوء الاخضر لحكام بغداد لاحتلال الكويت ، فكانت الحرب التي حققت لامريكا التوطن في الشرق الاوسط وبيع اسلحتها المتصدئة الى العرب [ الكويتيين] بمبلغ 27 مليار دولار. ووضعت بترول الشرق الاوسط برمته تحت احتكار اميركا وهيأت سبل اذلال العرب باخضاعهم لشروط اسرائيل التعسفية في الحل السلمي الذي ضاعت معالمه بعد انتخاب نتنياهو ( آنذاك ثم شارون اليوم ) رئيسا للوزراء ، وحجزت موارد العراقيين للاجيال الثلاثة القادمة لصالح اصحاب الحجوزات من اخوتنا العرب والاجانب . ان قيام الايديولوجيات المسيطرة بحفر الابار العميقة للايقاع ببعض حكام الشرق الاوسط فيها ، ومن ثم سعي تلك الايديولوجيات للتظاهر بانقاذهم والاخذ بيدهم او حمايتهم ، لا يستر نوايا الايديولوجيات المسيطرة وتظاهرها بمعاداة البعض الاخر من اولئك الحكام الذين هم في الاساس محركو ومنفذو خططها في المنطقة " .
ان مليارات البترو – دولار التي ذهبت هباءا في حروب ( الرئيس القائد ) العبثية ضد جارات العراق ، لمصلحة الاخرين وتحطيما لفكرة الامن القومي العربي ( احتلال دولة الكويت ) بحجة اقامة الوحدة العربية ( بالقوة تشبها ببسمارك الالماني ) فاحرق بذلك – وبعود ثقاب تافه – اكثر من 900 مليار دولار من ثروة العراق وايران والكويت ، اضافة الى القضاء على زهرة شباب الملايين من ابنائهم وانزل ضربة قاصمة بكل خطط التنمية البشرية في الشرق الاوسط الكبير الممتد من نواكشوط غربا الى كابل شرقا . كما انه قام بحل القضية الفلسطينية !!! بعد ان ضرب اسرائيل بعدد من الصواريخ – المحشوة بالزلط ( الحصو الناعم – كما شاهدها الكاتب انيس منصور في تل ابيب واكدها في الاهرام في 28/12/2003 ) - بتلك الصورة المهينة والى صعود شارون للحكم بكل غطرسته وعدوانيته وقتله للشعب الفلسطيني الاعزل الا من الايمان بالدفاع عن الارض والعرض . بل ان صدام حسين حقق لاميركا – بتلك الحروب - ما لم يحققه لها جورج واشنطن – مؤسس اميركا – من المكاسب والاهداف الحيوية في منطقة الشرق الاوسط .
ورغم مرور اكثر من عام على سقوط النظام ، وبعد القاء القبض على الدكتاتور صدام حسين ... خانعا ، ذليلا ومستسلما ، وهو يحتضن اموال الشعب العراقي - التي سرقها – في جحر العنكبوت ... فلا يزال ثمة من يعده من المثقفين والديموقراطيين المنتفعين " بطلا قوميا " او " زعيما عربيا اراد صنع القنبلة النووية لمواجهة اسرائيل " في وقت تؤكد فيه وثائق البنتاغون ، حقائق اخرى حوله وحول نظامه الساقط .
ولقد كان معظم العراقيين يتمنون ان يتم التخلص من الطاغية وجلاوزته ، بايديهم هم – وليس بالغزو الاميركي – فاننا نود ان نؤكد بان العراقيين الاحرار – ليس لان الاحتلال قد حررهم ، وانما – باصالتهم الحضارية وتوقهم للديموقراطية والتقدم ... سيحققون التحول الديموقراطي في العراق بكفاحهم السلمي من جهة وبالكفاح المسلح اذا ما تعنت الاحتلال في رد السيادة للعراقيين ، من جهة اخرى . لايمان العراقيين بان تحقيق الديموقراطية – الامل الذي راود الجميع – هو الضمان الاكيد لاستقلال البلاد ولرحيل الاميركيين واعوانهم من الدكتاتوريين والمستبدين والارهابيين الجدد ، من عراق الانتفاضات والثورات والتوجهات الحرة البعيدة عن المحاصصة الطائفية والتقسيم العنصري والشوفينية المتعصبة ، للانتقال الى عصر الحداثة المعرفية والتصالح الاجتماعي للتعايش السلمي المتحضر . لاسيما بعد ان وضعت وثيقة الاسكندرية الفكري ، اول تعريف للديموقراطية – بالمفهوم العربي – ينص على " أن الديمقراطية "تعني ذلك النظام الذي تكون الحرية فيه هي القيمة العظمى والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطة. وتقوم على احترام كافة الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع، مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بمختلف تنوعاتها الإيديولوجية".
واليوم ، وبعد مرور عام على الاحتلال يشعر العراقيون بالحاجة الماسة الى الامن والاستقرار والامل بحياة فضلى في المستقبل القريب من خلال الحرية التي تمتعوا بها بعد اربعين عاما من القهر والاذلال والاستبداد . غير ان مصالح دول الجوار – كل بحسب ايديولوجيته وموقفه من الآخر العراقي – قد تواءمت مع تطلعات الميليشيات وعصابات السرقة وارهابيي القتل العشوائي والرهائن والاتاوات ، ليسرقوا معا امل العراقيين في الديموقراطية وليحوّلوا امنهم إلي فوضي وليسلّموا امرهم الى منطق أمراء الحرب والسلاح واجهزة المخابرات ، فاوغلوا معا في دماء العراقيين، وهو الامر الذي نزل بردا وسلاما على نفوس المحتلين من الايديولوجيات المسيطرة – او التي تسعى للسيطرة – على مستطيل الشرق الاوسط الكبير الممتد من نواكشوط غربا الى جدار الصين شرقا ومن البحر الاسود شمالا الى اندنوسيا جنوبا .
فاذا كانت الزعامات المفروضة على العراقيين من قبل المحتلين - ومعظمهم يتبوأون مراكز قيادية في مجلس الحكم والدولة - قد عرقلت ظهور زعامات سياسية وطنية مؤهلة لكسب ثقة الجميع وقيادته، وفقا لقاعدة العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، فان بعض القيادات الدينية المخلصة والواعية لما يدور وراء الكواليس في العراق والمنطقة والعالم ...ادركت ابعاد اللعبة السياسية التي تريد الاطراف ذات المنافع المشتركة إسباغ صفة الوطنية والكفاح الوطني على انتهاكات حقوق الانسان العراقي ، من اجل كسب الثقة لبسط سيطرتها واستبدادها مجددا على العراق الجديد .
ولكننا نود ان نؤكد هنا ، بان الادراك هو جزء من الحل ، ولكنه ليس الحل كله . ولذلك نتساءل : كيف يمكن للعراقيين ان يقيموا صرح الديموقراطية الدستورية التوافقية في العراق الجديد ؟
قبل الاجابة على هذا السؤال المهم ، اود ان اؤكد ابتداءا بان العراقيين – في الداخل والخارج – الذين قاسوا من الدكتاتورية والذل والاغتراب طيلة اربعة عقود متوالية ، جديرون اليوم بالتمتع بالحرية وبممارسة الديموقراطية على اوسع نطاق لصمودهم امام هذه العاصفة الهوجاء المدمرة التي هبت على العراق في غفلة من الزمن . لاسيما وان جميع الوان الطيف السياسي العراقي قد اكدوا على ضرورة اقامة دولة المؤسسات الدستورية الديموقراطية في البلاد ، من خلال وضع الدستور الدائم للجمهورية العراقية الفيدرالية والاعتراف بالاخر من خلال تداول السلطة سلميا في انتخابات حرة ونزيهة والتمسك بعروة الوحدة الوطنية ، مع الاحتكام الى محكمة الدستور كقيد دستوري على حرية المشرّع وجهة الفصل في الخلاف . لان الاسس الرئيسية للنظام الديموقراطي تقوم على مبادئ متعارف عليها دستوريا : الشعب مصدر السلطات ولا سيادة لفرد او مجموعة من الافراد على الشعب ، والمساواة السياسية والقانونية بين المواطنين دون تمييز ، مع منح المواطن حق الاعلام وممارسته من خلال حرية الاعلام بعد خصخصة وسائل الاعلام بالاخذ بالنظام الاذاعي المختلط في اطار نظرية الاعلام الاجتماعي وعدم وضع الرقابة المسبقة على الاعلام المنشور ، ومبدأ الفصل بين السلطات مع سيطرة احكام القانون وشمول القضاء كل ما تطاله اوجه الاختلاف والاعتراف بالتعددية وبتداول السلطة سلميا في انتخابات دورية حرة ونزيهة ، شرط ان يتعلم الحاكمون كيفية الاعتذار للشعب عند ارتكاب الاخطاء .
ونود ان نتساءل – مرة اخرى - من يستطيع انقاذ العراق والشعب العراقي ، من مأزقه القائم اليوم ، ويمسح من جبينه آثار المحنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طحنته اربعين عاما ؟!! .
لا ..أحد يستطيع ذلك ، غير الشعب العراقي نفسه المعروف بوطنيته وقدرته على التسامح - مع عدم التسامح مع المتورطين بالجرائم او القمع الداخلي – وبشموخه وتعاليه على جراحاته بالتمسك بالوحدة وبخيار الديموقراطية لاسترداد السيادة والوطن معا . وذلك باجتماع المخلصين على كلمة واحدة لتحقيق عراق موحد خال من كل اشكال الارهاب والعنصرية والطائفية والاحكام المسبقة حول الاخر ، من اجل بناء بلد ديموقراطي جديد لعصر جديد من خلال قيادة وطنية معتدلة وحكيمة ، لا تتلقى اوامرها من قواد الاحتلال وترفض تحكم المليشيات والتطرف والطائفية وتجار الاسلحة وامراء الحروب بمصير العراق... قيادة عراقية - فردية او جماعية- ذات برنامج سياسي وطني واضح ، لحل المشاكل ولوضع حد للفوضى وانفلات الامن والاستقرار .
نود ان نؤكد مرة اخرى- وكما كتبنا سابقا – بان تطبيق مضمون التعريف العربي الجديد للديموقراطية يستدعي – اولا – وضع آليات التقدم وشروطه التي تتمثل في :
1 – توفير السلام الاجتماعي والاستقرار لتهيئة المناخ لنشوء الطبقة الوسطى التي تعد الركيزة الاساسية للديموقراطية في بلادنا .
2 – ممارسة الديموقراطية الشفافة والنقد الرؤوم بين الحكّـام والمحكومين بعيدا عن الثورية الغوغائية والكيل بمكيالين، وجعل النسبية الف باء الديموقراطية التي يجب ان تمارس بمرونة ووفق متطلبات الواقع .
3 – تحقيق التنمية الحضارية ( البشرية ) بالاعتماد على القدرة الذاتية وتراكم الخبرات والموارد المتوفرة .
4 – لا يمكن تحقيق الديموقراطية الا اذا توفرت الممارسة الديموقراطية من خلال ايمان السياسيين وقادة المجتمع المدني بأهمية الديموقراطية – ليس كعلاج ناجع لكل المشاكل وانما – كاسلوب في الحياة وفي النظرة الى الآخر .
5 – وضع الانسان المناسب في الموقع المناسب بعيدا عن العلاقات الشخصية او الطائفية او الدينية او السياسية مع تمثيل جميع الاطياف السياسية في مجلس الحكم – الان - ولكن ليس على اساس طائفي او عرقي او ديني ، توطئة لاجراء الانتخابات العامة بعد حل المجلس المذكور ، بعد نقل السيادة للعراقيين .
6 – وضع الاطار القانوني – الاجتماعي لقيام مؤسسات المجتمع المدني ( النقابات والاتحادات والجمعيات والروابط والوقفيات ) لممارسة مختلف الصيغ الديموقراطية لخلق التراكم الحضاري وللتفاعل مع الاخر بروح المودة والتقدير والحوار المتميز لحل كافة القضايا الشائكة والخلافية .
7 – ترسيخ قواعد الشفافية من خلال النقد والمحاسبة والمساءلة في الشؤون العامة التي تهم المواطنين .
8 – يشكل اسقاط النظام ، فرصة ثمينة للعراقيين لوضع قيم حضارية جديدة لعراق الغد تحترم الذات والآخر وتقدس العمل ومصداقية التعامل والعلاقات والمعاملات التي تلتقي عليها الاكثرية ويضفي عليها المجتمع رعايته.
ان سكوت حكماء العرب – كعهدنا بهم في عهد الدكتاتور الساقط – المريب وغير المبرر ، حول المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها عراق اليوم ، يستدعي التحرك السريع لانقاذ الموقف بالدعوة الى تشكيل قوة سلام عربية – دولية ، ضمن خطة محددة للامم المتحدة بانسحاب قوات التحالف من المدن توطئة لانسحابها الكلي من العراق في فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات ، و قبل ان يقود مأزق الصدر ، العراق الى مآزق اكثر خطورة فتخرج مشكلة العراق عن السيطرة ، لتتحول ساحة العراق الى ارض لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية من جهة ، ولتنفيذ البقية الباقية من خطط الايديولوجيات المسيطرة في منطقة الشرق الاوسط ، من جهة اخرى .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يلقي مناشير في معسكر جباليا تطالب السكان بالإخلاء ا


.. مظاهرة في العاصمة الإسبانية مدريد تطالب الدول الأوروبية بالا




.. لحظة استهداف إسرائيلي بمنطقة جباليا في غزة أثناء تغطية صحفيي


.. مظاهرة لعشرات الإسرائيليين بالجليل تطالب بتنحي الحكومة لتخلي




.. أمريكا تعرض على إسرائيل معلومات استخباراتية لتحديد موقع قادة