الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها دعوة وأمل أو أمنية

رمضان متولي

2009 / 5 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


خطوة جريئة بالتأكيد، خطوة لا بديل عنها لتحريك المياه الراكدة التي استقرت على سطحها عفونة عشرات السنين، ولو قدر لها النجاح سوف تصبح هذه الخطوة الجريئة قفزة نوعية نحو بناء مؤسسات حقيقية لمجتمع حي قادر على تصحيح أخطائه وتعظيم كفاءته.

هذه الخطوة الجريئة نحو تأسيس رابطة جديدة للصحفيين المصريين تعلمها الصحفيون من موظفي الضرائب العقارية الذين يحاصرهم حاليا الاتحاد العام لنقابات العمال مطالبا وزارة التضامن الاجتماعي بعدم الاعتراف بنقابتهم الوليدة، رغم عنفوانها وحيويتها، ورغم أنها ولدت من رحم التجربة الحية لنضال هؤلاء الموظفين أثناء اعتصامهم وإضرابهم مطالبة لحقوق تخلى النظام النقابي الرسمي عن التضامن معهم من أجل تحقيقها.

ولعل الرابطة الجديدة تكون قادرة على أن تبث الحياة من جديد في تنظيم نقابي مات وشاخ منذ زمن بعيد، بل ربما ولد ميتا وشائخا، في متاهة لا يعرف أصحابها ملامح محددة لهذه النقابة العتيدة – هل هي نقابة حقيقية تمثل العاملين بالمهنة أمام الجهات الإدارية وأصحاب العمل؟ هل هي جهة إدارية تصدر تراخيص مزاولة المهنة وتعاقب بالحبس من يزاولونها بدون ترخيص منها، وتحاصر أبناء مهنة الصحافة بتنظيم نقابي زائف (شبه نقابة) حتى لا يتمكنوا من تشكيل تنظيم نقابي حقيقي يدافع عن مصالحهم ويوحدهم في مواجهة الاعتداءات المتكررة سواء من قبل المؤسسات التي يعملون بها أو من قبل السلطة التنفيذية؟ أم هي جمعية خدمية تشرف فقط على إدارة وتوزيع الهبات والمزايا وتنظيم شبكة ضمان اجتماعي لجماعة صحفية عاجزة عن الضغط على أصحاب العمل لتحسين أوضاعها وصيانة كرامتها؟

نقابة الصحفيين بوضعها الحالي لا شكل لها ولا ملامح. إنها خليط هجيني مشوه يجمع في آن واحد بين خصائص لجهة إدارية، وأخرى لنقابة هشة وضعيفة، وثالثة لجمعية خدمية تدير شبكة الضمان الاجتماعي للصحفيين.

ومن هنا نستطيع التأكيد على أن الصحفيين المصريين ليس لهم نقابة بالمعنى والمفهوم الحقيقي للنقابة كما توجد في كل أرجاء العالم المتحضر، حتى الزملاء الذين يحملون بطاقة عضويتها في واقع الأمر "صحفيون بلا نقابة". فقد عجزت هذه المؤسسة الهجينة عن الدفاع عن صحفيات انتهكت أعراضهن أمام مبناها المهيب أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية منذ بضعة أعوام، وعجزت وما زالت عاجزة عن حماية حتى رؤساء تحرير الصحف من قضايا أشبه بالحسبة السياسية، وعجزت عن توفير المقومات الأساسية التي يعتمد عليها عمل الصحفي في أي مكان في العالم، وعلى رأسها حقه في الحصول على معلومة موثقة، عجزت عن حماية الرأي، ومصدر المعلومة وحق التعبير – ناهيك عن حقوق الصحفي داخل المؤسسة التي يعمل بها. بل عجزت عن قبول صحفيين عاملين في عضويتها لاعتبارات تتعلق بشكل ملكية الصحف وترخيصها، وهي أمور لا شأن للصحفيين بها.

لكل ذلك، ما أن طرحت فكرة الرابطة الجديدة للصحفيين في "جريدة المال" حتى سارع العديد من الزملاء لطلب الانضمام إليها، منهم النقابيون ومنهم من رفضت النقابة الرسمية الاعتراف بهم، ولكل ذلك أيضا، أضم صوتي إلى الزملاء الذي سعوا واجتهدوا من أجل تأسيس الرابطة الواعدة وأدعو جميع الزملاء الصحفيين "الحقيقيين" إلى دعم وتأييد الرابطة والانضمام إليها من أجل ضمان نجاحها في تحقيق أهدافها. كما أدعو في نفس الوقت الزملاء الناشطين في نقابة الصحفيين والقائمين على شئونها إلى الترحيب بالرابطة الجديدة والمبادرة بدفع المؤسسة الهجينة الحالية ( نقابة الصحفيين) نحو التحول إلى نقابة حقيقية – ولا بأس أن يمثل الصحفيين في مصر أكثر من هيئة وأكثر من نقابة وأكثر من رابطة.

تعدد الهيئات النقابية لجماعة مهنية واحدة لن يخل أبدا بمزايا توحيد الجهود. لأن الجهود تتحد وتلتقي إذا التقت الأهداف، وليس لأن الجماعة المهنية تستظل بمظلة تنظيمية واحدة لا تمثل أفرادها تمثيلا حقيقيا. وخير مثال على ذلك هو الصراع الدائر بين الاتحاد العام لنقابات العمال والنقابة المستقلة لموظفي الضرائب العقارية. فالاتحاد لا تعنيه مصالح الأعضاء ولا مطالبهم، والنقابة الوليدة وضعت هدفها الرئيسي وربما الوحيد في الدفاع عن مصالح ومطالب هؤلاء الأعضاء، ولذلك فإن هؤلاء الأعضاء لا يعنيهم، ولا ينبغي أن يعنيهم، الانضمام إلى جهة لا تمثلهم ولا تأبه لمطالبهم ومصالحهم.

الميزة الثانية في التشكيل الجديد اكتشفها أيضا موظفو الضرائب العقارية من تجربة الصراع، حيث كشفت تجربتهم عمليا ما لم تستطع آلاف المقالات في الصحف كشفه من سلطوية وزيف التنظيم النقابي في مصر أمام اتحادات ومؤسسات إقليمية ودولية، خاصة بعد أن لجأوا لمنظمة العمل الدولية للاعتراف بكيانهم الجديد في مواجهة مطالبة الاتحاد العام بعدم الاعتداد بنقابتهم في وزارة التضامن الاجتماعي.

إنها معركة حقيقية طرحت نفسها أمام الصحفيين المصريين كما طرحت نفسها على موظفي الضرائب العقارية، معركة لإقرار الحق في التنظيم النقابي المستقل عن الإدارة، معركة لكسب شرعية النضال النقابي الحقيقي أمام أهرامات الاستبداد والبيروقراطية والتسلط ، معركة لخلخلة هذا النسق الهجيني المشوه وخلق مؤسسات جديدة لمجتمع مدني حقيقي يساهم في تحطيم أغلال تمتد جذورها في عقود الموات والقبضة الخانقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية