الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ديالكتيك الاخلاق

بارق الطائي

2009 / 5 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


منذ بداية الانسان على الارض وهو كائن اجتماعي يعيش افراده سوية بقطعان تسكن مع بعضها البعض وتتشارك في حملات صيد يساند احدها الأخر و يتقاسمون صيدهم مع بعضهم البعض .

هذه التشاركية نوع من علاقات تبادل المنفعة بين افراد القطيع البشري فرضتها ظروف العيش في ذلك الوقت لاسباب متعددة منها واهمها التعاون لمواجهة ظروف البيئة المحيطة ومخاطرها من حيوانات متوحشة وظروف بيئية وغيرها .

هذا النوع من التعايش الاقتصادي الاجتماعي هو مايدعى بالمشاع . كل شيء مشاع للجميع فلم تكن هناك ملكية خاصة لأنه لم يكن هناك مايمكن تملكه وما يستحق أن يتم تملكه اللهم ربما أداة صنعها او قطعه جلد وضعها على جسمه تقيه البرد . هذا حسب التركيبة النفسية والاجتماعية البشرية بشكلها الحيواني البدائي في تلك العصور ولتصور هذه الفكرة يكفي مراقبة بعض أنواع الحيوانات ومراقبة شعورها المعدوم بالملكية الخاصة .

هذا النظام يحتاج الى ضوابط تربطه وتسيطر عليه يلتزم الجميع بها بدون اعتراض او تذمر . هذه الضوابط هي قانون ذلك الزمن البدائي وهي قانون كقوانين الزمن الحالي سوى انها ليست مكتوبة ولا تسيطر عليها اجهزة ومؤسسات . هذه الضوابط هي مايدعى اليوم بالاخلاق العامة او قوانين العيب والتي وضعها الانسان تبعا لنوعيه مجتمعه والعلاقات بين افراده سواء كانت اقتصادية ام اجتماعية وقد قدمنا الاقتصادية على الاجتماعية لان الاولى هي السبب والثانية هي النتيجة وليس العكس .

بتغير العلاقات الاقتصادية صار الإنسان يحور أخلاقه الاجتماعية العامة وفقا لهذه التغيرات جيلا بعد جيل ومرحلة بعد اخرى من مراحل تغير المجتمع . وبما ان هذه الاخلاق كانت غير مكتوبة ولامؤسسات تحميها فقد تناقلتها الاجيال اكتسابا كعرف يورث من جيل لجيل .

لضمان تطبيقها من قبل الكل وتصعيب المهمة على من يروم الخروج عليها فانها قد غلفت في معظم المرات ان لم يكن كلها بغلاف قدسي , تارة الهي وتارة على شكل عرف من العيب تجاوزه وتارة ربما ممزوج بالقوة والخوف حين لا يطبق .

وبما ان الملكية كما قلنا لم تكن قد اخترعت بعد فان هذه الاخلاق كانت بدائية وغير معقدة وتتركز ربما بحقوق كل فرد من الغذاء وواجباته سواء المشاركة في حملات الصيد او الاعمال التشاركية الاخرى .

حينما توصل الانسان في بلاد سومر الى انجاز واحدة من اعظم انتقالاته وطفراته الحضارية وهي الاستيطان , كان قد وضع اللبنة الاولى لاستنباط الملكية الخاصة والتي اطلقت العنان فيما بعد عندما تعقد المجتمع اكثر واكثر لسلسلة التغيرات التي ستتابع على وسائل الانتاج وعلى علاقات الانتاج والعلاقات الاقتصادية بصورة عامة وسببت هزة قوية في أعراف ذلك الزمن وأخلاقه .

تحت ضغط قلة الغذاء ربما وبتطور الذكاء البشري وتراكم بعض الخبرات , تعلم الإنسان أن يزرع فاضطر أن يسكن قرب حقله الصغير البعيد عن كهفه الذي اعتاد أن يسكنه فبنى بيته الذي أوى إليه . هنا صار للإنسان حقله الخاص وبيته الخاص اللذين لم يجدهما بل هو من بناهما.

كل هذه المستجدات , الأرض التي يعتني بها طوال العام والنباتات التي تعب عليها والبيت الذي بناه بنفسه ولنفسه , كل هذه الأمور جعلته يتعلم معنى الملكية الخاصة بأبسط معانيها واقلها تعقيدا حيث لم تعد تنفع القوانين التشاركية التي كانت سائدة في زمن الصيد , فمن البديهي أن حقله الذي زرعه وبيته الذي بناه لم يكونا يكفيان لقطيع كامل من البشر ولم يعد يقبل أن يشاركه احد في منتوج تعب وحده به ولا يكفي إلا له .

كان لابد من ظهور نوعية جديدة من الأخلاق تسيطر وتحافظ على هذه الملكية وتمنع التنازع عليها والاعتداء عليها وتنظمها وتنظم حتى توارثها. لعلها المرة الأولى التي يظهر فيها تحريم السرقة والاعتراف بملكية الآخرين كونها شيء مسلم به لا يختلف عليه اثنان. هذه الجزئية دخلت لاحقا في الأديان جميعا كمسلم من المسلمات حفاظا على ملكية المالك.

هذه التغيرات ونشوء الملكية الخاصة كانت هي أساس التحول العقدي في الأخلاق العامة التي صارت تتغير تغيرا انعكاسيا تبعا للتغيرات النوعية للعلاقات الاقتصادية في المجتمع.
ليس هذا فحسب بل إن ملكيته الخاصة لبيته وحقله وواجباته الجديدة التي تعلم أن يقوم بها والتطور النفسي العاطفي له , جعله يخترع شيئا جديدا مذهلا غير نوعيه مجتمعه تماما وهو العائلة .





العائلة هنا هو عقد ضمني غير مكتوب بين رجل وامرأة على التشارك في أعمال الحقل والبيت يتضمن إنجاب أطفال والعناية بهم ويتضمن ملكية خاصة جديدة ومن نوع مختلف قليلا وهي ملكية الرجل للمرأة وملكية المرأة للرجل وكذلك ملكيتهم للأطفال وهذا مما ادخل عاملا جديدا إضافيا في أخلاق المجتمع العامة ووضع قواعدا عامة صارت تتطور منذ ذلك الزمن قليلا قليلا إلى أن وصلت شكلها العام المتطور .

ظلت القيم التي تشكلت في بدايات ألزراعه تتطور تطورا نسبيا لم يحيد بها كثيرا عن أساسياتها ولم يكن هناك تغيرا مفاجئا شديدا إلا حين بدأت العلاقات الاقتصادية للمجتمع تنحى منحا اخر هو حين تحولت الملكية الخاصة إلى ملكية تنتج أكثر من حاجة المالك فكان هناك فائض يباع بالمقايضة ابتداء وكان هناك أيدي عاملة تستأجر للإنتاج فكان هناك بداية مايدعى بالبرجوازية بأشكالها البدائية البسيطة .

سيطرت الطبقة البرجوازية على المجتمع في معظم فترات تواجدها إن لم تكن كلها وكانت هذه السيطرة على عدة أشكال منها سيطرة سياسية حيث قادت الحكومات وأنتجت الحكام وحركتهم , ومنها سيطرة مالية اقتصادية حيث كانت تحتكر جريان المال بين مختلف روافده احتكارا شبه كامل , وسيطرة اجتماعية وأخلاقية فقد وضعت هذه الطبقة القيم التي سارت عليها المجتمعات التي قادتها ووضعت الأخلاق العامة فيها . كانت هذه الطبقة تقود المجتمع بكليته الغالبة قيادة دكتاتورية لم يعكر صفوها إلا بعض الثورات هنا وهناك في مرات وتداخل سلمي مع طبقة الكادحين مرات أخرى.


التغير الذي حدث هنا وظهور فوارق طبقية وتمايز طبقتين أحداهما تملك وهي أقلية وأخرى تعمل لها وهي أكثرية جعل من تطور الأخلاق المجتمعية في منعطف جديد غير منها او دفعها للتغير نحو اتجاه اخر جديد . اتجاه الاختلاف في المعايير بين المالك وبين العامل .

المنعطف الأخر القوي الذي لم يعادله في تأثيره إلا التغيرات التي حدثت حين اختراع الزراعة والعائلة هو الذي حدث بسبب ظهور وسائل الإنتاج الكبير. وسائل الإنتاج الكبير والمعامل الضخمة وسعت أولا الهوة بين المالك وهو الأقلية القوية وبين العامل وهو الأغلبية الضعيفة وغيرت نمط العيش للعامل ثانيا وجعلت حياته تتقولب بقالب عملي أكثر إذا صحت التسمية لتكييف معتقداته وأعرافه تبعا لنمط عمله وظروفه المعيشية .
كما إن المجتمع القروي كان قد ولد من رحم مجتمع الصيد ولكنه ارتد وقضى عليه وان مجتمع الملكية ولد من مجتمع المشاع وارتد وقضى عليه كما تقضي الأم الشريرة على أولادها فقد ولدت الرأسمالية من رحم البرجوازية وصارت تنتزع منها سيطرتها على قيادة المجتمع في معظم نواحيها . المقصود بالرأسمالية هنا هو بعدما تطورا لنظام الرأسمالي وتعقد وازدادت الفوارق الطبقية بين الطبقات ووصل تراكم رأس المال إلى ماوصل إليه الآن او قليل قبله .

أميركا كمثال وبعد تراكم رأس المال لدى برجوازييها سواء صناعيين كانوا ام زراعيين وعلى مدى عقود طويلة بدأت تنتج لديها طبقة رأسمالية نشأت مع نشوء شركاتها الكبرى ونتيجة له , وصارت تقوى وتحكم سيطرتها كلما زادت هذه الشركات أفقيا وعموديا , قوة وعددا . وبمساعدة نظام سياسي وضعته أصلا أنظمة برجوازية وفلسفات برجوازية صار الاستيلاء على مكان ومواقع الطبقة البرجوازية سهلا وسلميا في معظم الأحوال إن لم يكن في جميعها.

الطبقة البرجوازية وضعت أخلاق ومعايير القرون السابقة التي لازالت تأثيراتها قوية حتى في مواقع قمة العالم الرأسمالي لكنها بالتأكيد صارت تتنازل قليلا قليلا لاخلاق عالم الراسمال الذي لايرحم حيث مصائر الناس ومصدر رزقهم يوجد في أيدي الشركات الكبرى ومع ارتفاع نسب البطالة في مجتمع استهلاكي شرس صار الغالب على الجميع التوجه نحو البراجماتية وتغيرت الاوليات وبدأت أخلاق البرجواز تعد أيامها الأخيرة إن استمرت سيطرة الرأسمال على مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية .

من هنا يظهر لنا إن الأعراف والأخلاق هي متغير تابع وليس أصيل تنعكس تبعا لمتغيرات أخرى هي اقتصادية بالدرجة الأولى وهي - أي الأخلاق - نتيجة قبل أن تكون سببا وهي متحركة كأي شي في الكون وإنها ستستمر في التغير إن شئنا ام أبينا رغم كل المثبتات الوقتية التي تعيق حركتها. وان الثبات النوعي لأخلاق مجتمع ما هو إلا ثبات نسبي لايعود إلا جزئيا لرسوخ الإيمان بالمطلق في هذا المجتمع لكنه يعود لعدم وجود هذه المتغيرات الاقتصادية الدراماتيكية او بطئها وعدم وجود ما يمكن اعتباره صراع طبقات جدي وقوي يمكن أن يؤدي إلى تغيرات سريعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
احمد فرحان ( 2009 / 5 / 1 - 21:42 )
تشكر على هذه المواضيع التي تكتبها سيد بارق
فالمواضيع بانواعها الختلفة مفيدة وقيمة، فالى الامام

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية