الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة الى مواسم الرعب .... قصص قصيرة

أحمد الجنديل

2009 / 5 / 2
الادب والفن



لا أحد يستطيع أن يغتال الشمس في داخلك ، وليس هناك قوّة تستطيع اعتقال خيالك ، وخرافة تلك التي تقول أنّ صحارى تحاصركَ لتقطع عنكَ طريق الإبحار صوب الشواطئ الدافئة .
لا تنتظرْ وحياً يهبط عليك فيملي ما تريد أن تقوله ، ابدأ بالمحاورة مع رأسكَ ليشرّع لكَ أبوابه بصمت ، ومارسْ المناورة مع لسانكَ ليغلق منافذه بحياء ، واعلمْ أنّ ما يدور في رأسكَ وعلى صفحة لسانكَ يتغذى أحدهما على الآخر ، فاعقدْ القِرانَ على الرأس ، وأعلن الطلاق من اللسان ، وتقدّمْ ، قاتلْ بضراوة من أجل أن تخلع كلماتكَ كلّ ثيابها التي منحها الوهم لها ، وعندما تنتصر ستجد كلماتكَ عارية ، مترعة بالصدق ، نازفة بالبهجة ، متوجّة بالكبرياء ، ملتهبة بالإحساس . وتقدّمْ ، وسّعْ خطواتكَ إلى الأمام ، احذرْ الوهن ، وعندما تنام لتستريح يكون رأسك قد أفرغ من داخله كـلّ ما يـريد أن يقـول ، قلْ كلمتكَ وارحلْ .
كان كلبي يحدثني بحرارة ، ولم أشعر وأنا استمع إليه ، أنّ العاصفة قد ثارت ودمّرت وهربت نحو المجهول ، ضحكنا أنا وإياّه من هروب العاصفة ، وعندما أتعبنا الضحك ، بدأ كلبي يسرد لي حكاياته ، وأنا لا أملك غير الإصغاء إليه .

فن القتال :

أثناء المبارزة ، كان قلب الفهد يهتزّ بين أضلاعه ، وكلمّا سددّ الخصم لولده ضربة قوّية شعر بألمها في داخله ، ولم يمض الوقت المحدد للمبارزة حتى سقط ابن الفهد على الأرض مضرجا بدمائه ، وجسده مثخن بالجراح ممّا جعل الأب يقفز حاجز المتفرجين ويسرع نحو ولده ، وعيناه تمطران أسىً ولوعة ، وقلبه يهدر بغضب شديد ، وعندما لامسَ رأسَ ولده ، وشاهد الدماء الغزيرة تسيل من جسده ، لم يتمالك نفسه ، فصرخَ به :
لماذا لا تحسن فن القتال ؟ لقد بذلتُ كلّ ما بوسعي ومنحتكَ كلّ ما أعرفه لكي تكون مقاتلاً باسلاً ، فما الذي دهاك ؟وما الذي أوصلكَ إلى هذه النهاية ؟ لقد ألحقتَ بي العار الذي ما بعده عار ، وجعلتني سخرية أمام حيوانات الغابة إلى الحد الذي لم يعد بمقدوري النظر إلى أحد منهم ، فما الذي جعلك تنهزم بهذه الطريقة المشينة ، بعدما علمتك أسرار اللعبة داخل البيت وبعيدا عن أنظار الجميع ، وقضيت معك وقتا طويلا تدربتَ من خلاله على ما يلزمك من الفوز على أعدائك ؟ .
كان الأب في ثورته عندما فتح ابنه عينيه ، والألم يهزّ كيانه ، والدماء تتدفق من جروحه ، وبصعوبة بالغة ردّ على أبيه :
إنّ ما قلته عين الصواب ، ولكنـّي أضع مصير أخوتي أمانة في عنقكَ ، فمَنْ يتعلم مثلما تريد لا يحصد إلا ما هو أمامك ، ومن ينشد الفوز عليه أن يتعلم في ساحات القتال المكشوفة وليس في الأوكار المظلمة !!
أغمض الابن عينيه ، وتوقف النزف ، ولم يعدْ هناك ألم ولا حركة .

الانتقام :

سماء الغابة لم تكن صافية بفعل تراكم الغيوم السوداء التي عكست شعورا مليئا بالكآبة والضجر في نفوس حيوانات الغابة . في هذا الجو الذي كان النعاس والسأم يسيطران على الغابة ، خرج الثعلب من بيته مسرعا متجها نحو منازل الحمير المتناثرة على الأطراف الجنوبية للغابة ، وبهمّة عالية بدأ ينقل مشاهدته للقط الذي أراد استباحة ابنة الملك ، وكيف رآها تصفعه بقوّة وتزمجر في وجهه بعنف ، وتهدده بالقتل لأنه عديم المروءة والأخلاق . كان الثعلب يتحدث إليهم بهمس ، ويرجوهم كتم هذا الخبر ، ثمّ يوّدعهم لينتقل إلى بيت آخر ليعيد الخبر ذاته وبالطريقة ذاتها ، حتى إذا بدأ الليل بالانسلاخ ، أدرك أنّ مهمته وصلت إلى ما يريد ، فأسرع إلى بيته وراح يراقب ما يحدث .
في الساعات الأولى من الصباح، خرجت بعض الحيوانات واتجهت صوب مركز الغابة ، وبدأت تلتحم مع بعضها مكوّنة تجمعا ضخما ، أبرز ما يميزه بريق الانتقام المتدفق من العيون وارتجاف الشوارب من شدّة الغضب الذي يعصف بهم .وأخيرا اعتلى الحمار المرتفع ، وتحدث بصوت مشروخ عن أهمية الشرف ، وطمأن الحضور بقوله : سوف تبقى غابتنا مثالا يحتذى به لكل المتطلعين لغد مزدهر ، وسنبقى نموذجا لكل من أراد أن يكون شريفا .
وأراد الحمار الخطيب أن يستمر في حديثه إلا أنّ جموع المحتشدين قد استبد بهم غضب عارم ، فهتفوا للانتقام وهرعوا إلى بيت القط الفاسق ، وما أن وصلوا إليه حتى بدأ الهجوم الصاعق ، وما هي إلا لحظات وإذا بجسد القط قد تحوّل إلى قطع متناثرة ، وخرج الجمع مزهوّا بما فعل ، وقد رفع كلّ منهم يديه الملطختين بالدماء كنياشين بطولة وشهادة على غسل العار الذي لحق بالغابة .
وعلى ضوء توجيهات الحمار الخطيب ، اتجّه الحشد إلى بيت صاحبة الرفعة ، ليزّف له بشرى معاقبة القط الفاسق ، وليقدّم التهاني إلى ابنته باعتبارها رمز العفـّة والشرف والفضيلة .
ومع مرور الأيام أصبح مقام صاحبة العفـّة مزارا لفتيان الغابة ، باستثناء الأرنب الصغير الذي اعتاد على الذهاب مع حلول الظلام إلى بيت القط المقتول ليذرف دموعه ، ويبكي بحرقة ، لأنه كان معه في تلك الليلة التي أتهم فيها ، وكانا معا إلى جانب السنجاب الذي يعاني من سكرات الموت ، وبقيا عنده حتى الخيوط الأولى من الفجر .

الرأس العنيد :

بعد مكوثه عدة سنوات في سجن الغابة الانفرادي ، خرج الذئب وفي نظراته خوف ورعب ، وعلى ملامحه ذل وانكسار ، وفي خطواته تعثر وارتعاش ، يسحب جسده بجهد واضح ، وأفكاره لا تستقر على حال ، وعند اجتيازه الطريق المؤدي إلى أشجار الصنوبر، التقاه صديقه الدب الذي لاحظ علامات الانهيار عليه ، فصاح به مستغربا :
ما الذي دهاك ياصديقي الذئب الشجاع ؟ وأنت صاحب الرأس العنيد والرأي السديد ، وأين ذهب كل ذاك العناد المليء به رأسك ؟
نظر الذئب إليه برعب ، واقترب منه أكثر حتى لاصق فمه أذن صاحبه ، وهمس مرتبكا :
إنهم لم يضربوا رأسي ، لكنهم ضربوا معدتي ، فسقط رأسي دون جهد .

الوصيّة :

الغابة تزهو ، تتألق ، تغفو في أحضان الحلم ، تبحر في اشراقات الآتي ، تَرضع من ثدي مثقل بثمار الشمس ، تتوحم في بيادر الفجر ، تتوضأ بنور الله ، تتهجد بخشوع في محرابه ، تنتصر على الحياة فتختطف من فمها رغيف الخبز كي تستمر ، وتيمّم شطرها نحو سواقي الحكمة فتنهل منها كي ترتقي ، كانت تعيش على الخبز والحرية فلم تقترب الشيخوخة إليها رغم كثرة الخفافيش التي تغادرها في الظلام وتعود إليها في الظلام ، فالأقلام التي تملكها الغابة كانت المرصد الكبير والمجهر الدقيق الذي يكتشف ويتابع ما يجري ، فعاشت الغابة تحت ضلال أقلامها ، تتوحد فتزداد إشراقا ، وتختلف فتزداد إبداعا حتى ارتقت منبر السيادة باقتدار .
وجاء عصر العواصف ، وموسم البراكين ، وزمن الجنون ، وصمدت الغابة رغم سماع رفيف أجنحة الوطاويط في الليل ، ونهيق الحمير في النهار ، وحفيف الأفاعي عند الظهيرة . ومع استمرار فصول المواجهة ، عرفت الغابات سرّ القوّة التي تملكها الغابة ، فأصبح القلم الهدف الذي تتسابق إليه السهام ، والدائرة التي تتطاير نحوها الرماح ، فألجمت أقلام بقيود الخوف ، واحترق بعضها بنيران القوّة ، وعقدت صفقات لشراء ما تبقى منها ، عند ذاك لم تعد الغابة قادرة على خلق الأمن والأمان ، ولم يكن بوسعها صنع الانتصار ، فرحلت من أحضان الحوار إلى حظيرة الصراع ، ارتوت أرضها بدماء ساكنيها ، وتقافزت الرؤوس بين وديانها وطرقها المتشعبة ، وتعفنت أجساد بين أدغالها دون أن يلتفت إليها أحد . ولم يبق في الغابة من الأقلام غير نمر هدّه المرض ، وأقعده الجوع ، وأكلت الآلام رغبة الحياة فيه ، وعندما أزفت ساعة رحيله ، اجتمع كبار القوم من الثعالب والقردة والخنازير وحشد من الحمير ليسمعوا وصيته الأخيرة باعتباره القلم الأخير المتبقي في الغابة .
عند الفجر فاضت روح النمر دون أن يسمعوا منه وصيته الأخيرة ، إلا أنّ النسر العجوز وقع نظره على ورقة راقدة جنب رأس النمر ، أسرع إلى اختطافها وطار نحو شجرة السنديان الكبيرة ، وقف عليها وأبصار القوم شاخصة إليه ، وبصوت حزين ، قرأ النسر وصية النمر :
أعلنوا الحداد على مستقبل الغابة ، وليقرأ كلّ منكم الفاتحة عليها كلّ صباح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام


.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس




.. خالد النبوي: فيلم أهل الكهف يستحق الوقت الذي استغرقه بسبب ال