الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاطع من ليماسول- أوّلاً

رياض الحبيّب

2009 / 5 / 3
الادب والفن


إيفان
شاء القدر أن أتعارف مع إيفان في حديقة ليماسول*
المطلّة على المتوسط بظلال رومانسية
وأشجار يقضي الأطفال بينها أوقات لعب ومرح خلال عطلة المدارس الصيفية
حتى يحين دور الشباب في المساء ليمارسوا ضروباً مختلفة من العشق كلّاً بطريقته
كان إيفان وهو في العشرينيات من العمر يبحث عن مستأجر يناصفه إيجار شقته الغالي نسبيّاً
فاختارني من بين الذين استجابوا لعرضه
لم أكن أعرف سوى أحد أقربائه في العراق ممّن لهم في نفسي أثر طيّب
كان يتصيّد في مستنقعات العشق بائعات هوىً من جنسيّات مختلفة
لا يمضي أسبوع من دون رؤيته مختلياً في شقتنا مع إحداهنّ
على رغم تمسّكه بعلاقة حميمية مع صديقة له كانت تداوم على لقائه بانتظام-
يومَي عطلة نهاية الأسبوع
كانت مخلصة له وحبّها عميق
تعتني بالشقة عنايتها بمنزلها
تطبخ أشهى المأكولات ومنها الطعام الصيني الذي تذوقتُ المرّة الأولى من صنع يديها
لو أخبَرَها أحد بتصرّفاته وهي تدير ظهرها عائدة إلى محلّ عملها وإقامتها لما صدّقتْ ولو كان المُخبر من الملائكة
كانت الحديقة تعج بالمارّة ومنهم من يمارسون رياضة المشي
ومن بين آذان الشباب والصبايا تنبعث أصداء الموسيقى الهادئة منها والصاخبة
مرّ بنا أحد الشباب ماشياً بسرعة متسابقي الماراثون وهو عارٍ تقريباً
سلّم الشاب على إيفان برمشة عين
وقد لاحظ إيفان علامة دهشة في عينيّ فلم يستطع السيطرة على حاسّة الضحك
سألته ما الذي يُضحكك؟
قال وهو يرفع حاجبيَه مومئاً صوب الشاب: حلو!
قلت: لِمَ لا، لا يقتصر الجَمال على جنس ولاجنسيّة ولا طائفة
قال بصراحة ما معناه: مارستُ معه مرّة
قلت: أما كفتك النساء؟ قال: بلى، لكنّ الشاب استهواني أيضاً وهو يبحث عن فحول مثلي ومثل غيري
قلت: هل تشعر بنقص ما إمّا عدلت عن الممارسة معه؟ قال: لا أدري ولكنها نوبات
مرّت أسابيع أخَر فإذا بي أرى صديقته في أمسية ليست من أماسي يومَي العُطلة
تبكي بصوت عالٍ متهدّج،
ما أثار تنبّه نفر من المارّة لدرجة الإستغراب
كانت تشكو لي قرار إيفان بالتخلّي عنها
تحاول نزع اعتراف ما منّي حول شخصيّته ومسالكه وعبثيّته
لم أعترف لها بشيء،
لاحترام أواصر الثقة والأمانة ما بيني وبينه
حاولتُ من جهة أخرى تعزيتها
وألمحتُ بأنّ في رحم المستقبل ما هو خيرٌ من الماضي
كي أخفف من شقائها ومن جموح عواطفها
جلسَتْ خلفي في ذلك المساء وأنا أقود درّاجة ناريّة
أوصلتُها بصمت إلى شارع قريب من محلّ سُكناها
ودّعتها ثمّ عدتُ إلى شقتنا التي خيّم عليها منظر البؤس
إذ غادرتْها سحابة الوفاء وألق الإلتزام العاطفي
لم أخبر إيفان عمّا حدث
استجابة لطلبها وقد اعتبرتُها صديقة لا أكثر من هذا ولا أقلّ
أمّا إيفان فقد حال تركي قبرص دون تلقيّ خبراً من جهته
ولا سيّما بعد التمدد الحاصل في جسد الغربة
وامتداد إحداثيّات العبث
واتساع زمن المعاناة
وكم تمنيت أن أعرف محلّ إقامته اليوم
لكي أقوم بواجب بسيط تجاهه
أخبره في الأقلّ عن مشاعري إزاء عدوى الإرهاب المُدان منه وغير المُدان
المنتقل خصوصاً إلى العراق
سواءٌ من إيران أو من أفغانستان
طالت العدوى مثليّي الجنس الآمنين من غابر الزمان
وما أدرى صديقي ما جرائم الشرف
يقوم بها رجال لا ضمير فيهم ولا شرف
منهم من تستر على جريمته ومنهم من اعترف
تلك العدوى لم تقتصر على الإنسان
فقد طالت الحيوان
وقد بُدئ بممارسة الإرهاب ضدّه
سواءٌ أكان مُصاباً بداء الإنفلونزا أم بغيره
إنّ المجنيّ عليه هذه المرّة هو الخنزير
يستفيد الناس من لحومه وشحومه الكثير
ومن غدّة البنكرياس عنده يُستخرَج الإنسولين لعلاج داء السكري الخطير
هذا زمنٌ يقضي الإنسان المستكلب (أو المستذئب) فيه على طبيبه
وعلى معلّمه بل على أعزّ المقرّبين إليه
ويُلقي في القمامة (أو الشارع) بدوائه وبأغلى ما عنده

..............

* ليماسول أو ليماصول: Limassol or Lemesos, Greek: Λεμεσός
المدينة الثانية في قبرص بعد العاصمة نيقوسيا
بيت التكنولوجيا القبرصيّة
مركز ثقافي وحضاري وتراثي
أكبر مرفأ تجاري في المتوسط ومن أهمّ مرافقه السياحيّة
المزيد عنها في ويكيبيديا:
http://en.wikipedia.org/wiki/Limassol








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال شيق
قاسم الجلبي ( 2009 / 5 / 3 - 15:07 )
من بين سطورك تعود بنا الذاكره الى حوادث مشابهه نرجو المزيد لشحن ذاكرتنا بعد ان اصابها بعض العطب

اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو