الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تكون إنفصاليا حتى النخاع ووحدويا جدا في آن معا ؟

بكر أحمد

2009 / 5 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


نعترف أن ما يحدث الآن في الوطن هو شيء مؤلم للغاية ومحزن جدا ، لأنك حين تشاهد أجمل أحلامك تنهار وبشكل مهين ، فأنك ولا شك ستقف لحظة لتراجع هذه الأحلام وتبحث عن الخطأ الذي بها والذي جعلها أهش من قطعة البسكويت تتشطى أمامك إلى فُتات .
الوحدة اليمنية وتبعاتها من قوانين مدنية ودستورية هي أجمل وأروع ما حققه الإنسان اليمني منذ ما قبل الميلاد وتفرق أيادي سبأ في شتات الأرض ، وكانت نموذج يحتذى بها لو وقعت في أيادي أمينة تمتلك ضميرا متصلا بالوطن وبمستقبله ، إلا أنه وللأسف الشديد هنالك من سعى وبكل قوة وإخلاص لتشويه هذا المنجز ومسخه إلى كائن بشع لا يمكن التعايش معه بأي حال من الأحوال ، فأنت لو قلبت بصرك في خارطة هذا الوطن لوجدت به من الجروح والأحزان والانتكاسات ما لم يمكن إحصائه أو تدوينه في سجل ، فالشق أوسع من الرقعة ، وبات الوطن بين سندان الإصلاح الذي يعني سقوط النظام تلقائيا لأن به ( وما أكثرهم ) متنفذون يعلمون جيدا أن الإصلاح هو شيء ضد مصالحهم وأنهم مستعدون لجر البلاد إلى حروب لا نهاية لها مقابل أن لا تهتز كراسيهم وبطونهم المتكرشة رغم أن فكرة الإصلاح مازالت بعيدة كل البعد عن تفكير النظام الحاكم ، وبين مطرقة الانفصال الخيار الذي يعني أن آخر العلاج هو الكي ، ووطن يقع بين هكذا خيارات هو حتما وطن مأزوم يعاني من حالة موت سريري ينتظر فقط إطلاق رصاصة الرحمة عليه .

بأي حال من الأحوال لا يمكن إطلاقا وصف الحراك الجنوبي بأنهم انفصاليون ( بالمصطلح السلبي ) حتى وأن تنادوا بذلك علانية ورفعوا إعلام الشطر الجنوبي ، فهم _ والجميع يعرف حتى الرئيس نفسه _ أنهم يطالبوا بأدنى حقوقهم ألتي رفضت كل الحكومات المتعاقبة النظر بها بشيء من الجدية في وقت نعرف جيدا أن تلك لحكومات لا تملك صلاحيات البت بمثل هذا الأمر وإنما يظل الأمر معقودا بمزاجية الرئيس وطريقة رؤيته وحكمه على ما يحدث وهي الطريقة التي تعني ترحيل المشاكل أو تجاهلها ونكرانها حتى تتضخم وتصير عصية عن الحل لتضاف إلى سجله من المنجزات المتراكمة والتي أثقلت كاهل هذا الوطن .
والجنوبيون وأن كانوا ينادوا بالانفصال ويطالبوا بإعادة تمزيق الوطن إلى أكثر من واحد ، فهم وحدويون أكثر من أي إنسان يرفض هذا الانفصال بداعي قداسة الوحدة ويقف منافحا عن نظام أسري فاسد يحكم البلاد منذ ثلاثون عاما .

الذي لا يريد البعض أن يفهمه هو أن كرامة الإنسان هي الوطن ، وأن العيش بطريقة معقولة وإعادة الحقوق لأهلها هي الوحدة الحقيقية التي ستمتلك ديمومة الدفاع عن نفسها أمام كل هذه المتغيرات ، وأن الكثير ظل يكتب وينصح لكن لا حياة لمن تنادي حتى تفاقم الأمر إلى شكل غاية في الألم والحسرة .

يعتبر النظام اليمني الحالي بكامل تشكيلاته المدنية والأمنية والعسكرية أضعف ما يمكن أن تكون عليه الدولة العصرية ، فهو لا يملك بسط نفوذه خارج المدن الرئيسية في البلاد ويعاني من حالة ترهل بكامل أجزائه ومفاصله الحيوية والهامة ومع ذلك يستغرب الكثيرون رفضه للنصائح الموجهة إليه والتي قد تساعده على تجاوز الكثير من المشكلات التي لم يقوى عليها لو أنصت ولو لمرة واحدة لصوت العقل وتجرد من الغطرسة الكاذبة ، والجميع يعرف أن دولة ومؤسسة مثل هذه المؤسسة الحالية التي تقود البلاد لن تستطيع إطلاقا إيجاد أي حل للمشاكل الحالية سواء كانت الحوثية أو الحراك الجنوبي وأخيرا حلول تنظيم القاعدة كضيف ثقيل على البلاد ، والجميع أيضا يعرف أن اللجان التي ينوي النظام الحالي تشكيلها للبحث في ما يحدث في الجنوب هي لجان لن تغير من الوضع شيء لأنها جزء لا يتجزأ من ثقافة هذا النظام الذي ظل ينظر إلى الأمور من ذات الثقب الأسود لكل مجريات الحياة في اليمن ، فالأمر صارت عصية وصار الحل في نظر البعض هو البحث عن أقل الخسائر الممكن حدوثها بعد أن كان الحديث عن المحافظة على الوضع الحالي مع السعي لتغيره نجو الأفضل .

لا أحد يسعده تمزيق الوطن ، لكن من جهة نظر أخرى لا أحد يطيق بقاء الوضع الحالي كما هو عليه الآن ، وتحت هذا المفهوم أنت ولا شك تقع في حيرة بين ما كانت تريده لوطنك كمكان موحد وكبير وبين تفهمك لحق شعب بأكمله رفض أن يلغى من الخارطة وأن تٌسخر أراضيه لتنهشها فئة مستقوية تستند إلى مرجعية الدولة أو القبيلة بغير حق سوى أنها ترى أنه من حقها كجهة منتصرة أن تأخذ غنيمتها من أرض مهزومة .
هذا هو المفهوم الذي يجب أن يتغير وأن يضرب بيد من حديد لو أريد فعلا الصلاح لهذه البلاد وأن يكون القانون هو السائد ولا شيء آخر غيره ، لكن لا حياة لمن تنادي فهذا الكلام ومهما ترجمته إلى اللغات البدائية حتى يفهموها لن تجد أذن صاغية ، بل هي نفس العنجهية وذات الغطرسة والتعالي في التعامل مع الأمور وهذا وعبر التاريخ كله أسلوب الدول المحتضرة والفاشلة .

ثمة حل وحيد ولا يوجد غيره لأجل هذا الوطن ، وهو أن يقرر الرئيس مرحلته التاريخية بنفسه وأن يجعل من نفسه رجل قدر المسئولية الملقاة على عاتقه وأن يثبت لنا فعلا أن الوطن الذي يتحدث عنه وعن المحافظة عليه ليل نهار هو فعلا وطن للجميع وليس لفئة دون السواد الأعظم من الشعب ، وأن يفهم جيدا أن القرارات التاريخية لا يستطيع اتخاذها إلا الرجال التاريخيون ، وأنه وفي ظل هذه الأوضاع المتفاقمة والعصية عن الحل أن يتم إعلان تنحيه عن السلطة بصورة اختيارية وأن يقوم بترتيب الأمور إلى يد ثلة من شرفاء هذا الوطن لترتيب مرحلة انتقالية تنتشل هذا الوطن من هذا الوحل الذي صادر النوم من أعيوننا ونحن نرقب وطن طالما وضعناه بين أنياط القلب يوشك على أن يتمزق أشلاء وبعد أن نخرته المذهبية والمناطقية والفساد والترهل الإداري والانحلال الثقافي وبعد أن باتت مفاهيم القيم والشرف مفاهيم غريبة عن شعب الحكمة والإيمان .
إن اتخاذ الرئيس لهذا القرار سيجعله أحد أهم الرؤساء التاريخيين ليس في اليمن وحسب بل على مستوى الوطن العربي وسيبقيه كمرجعية هامه وملاذ فكري وروحي لكل المتعاقبين من بعده على سدة الحكم .

بكل صراحة أتمنى أن يفهم الرئيس أن المشكلة الحقيقة والوحيدة هو استمراره أكثر في حكم بلد يعاني ما يعانيه الآن وأن الوطن في كفة وبقائه في كفة أخرى ، ومن المجحف جدا أن ترجح كفة فرد على كفة وطن بأكمله ...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت