الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي حكاية .. الأطفال والنساء والشيوخ ؟

إبراهيم المصري

2004 / 4 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


رفع السيد المنتمي للحركة السلفية الكويتية صورةَ طفل عراقي قتيل وقال : هل هذا الطفل من المقاومة ؟
كان يؤكد ما هو بديهي .. أنَّ الطفل ليس ( مقاوماً ) .. ويؤكد .. وهذا هو الأهم من وجهة نظره أن الجنود الأمريكيين يستهدفون الأطفال في الفلوجة والعراق عموماً .
وحده بالطبع صاحب القلب البارد .. من لا تؤثر فيه صورة طفل قتيل .. والمنافحة أيضا لن تفيد .. كأن نقول أنه لولا ( رجال المقاومة ) لما قتل هذا الطفل أو غيره في الفلوجة .. وليس هذا دفاعاً عن الجنود الأمريكيين ، لكنه تقرير منطق بسيط : لو لم يخض ( رجال المقاومة ) حربهم من داخل الفلوجة لما تهدمت المدينة على رأس من فيها ( أطفالاً ونساءً وشيوخاً ) .. وقد وضعت العبارة الأخيرة بين قوسين لأننا نسمعها دائما حينما يتعلق الأمر بضحايانا .
( إنهم يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ) ويمكن أن نضيف ..... ( ويغتصبون النساء ويبقرون بطون الحوامل ) .. لكن أين ( الرجال ؟ ) ألا يُقتلون أيضاً ؟
في تصوري أن هذه الكلمات ( الأطفال والنساء والشيوخ ) تدل في الأساس على عقلية بدائية تصور الحرب على أنها غزوة ، يخرج فيها الرجال للقتال ويتركون خلفهم ( الأطفال والنساء والشيوخ ) وإن حدث وجاء الأعداء ( إلى مضاربنا ) فلن يجدوا بالطبع غير هؤلاء لقتلهم .
وهذه العقلية البدائية أيضاً .. تصور ( الرجال ) على أنهم أصحاب أرواح للفداء ، فهم الحراس والحامون والمقاتلون والغزاة والمدافعون عن ( الأطفال والنساء والشيوخ ) هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة بعد رحيل ( رجالهم إلى الحرب أو الغزو ) إلا انتظار عودة المنتصرين أو المهزومين أو انتظار الأعداء حتى ( يعملوا فيهم قتلا )
إن الحرب الحديثة .. ليست نزهة سيوف .. وكم كان مضحكاً للغاية أن يصرخ رجل دين في مسجد أم القرى ( الذي لا يزال يحمل على بابه اسم مسجد أم المعارك كما أطلق عليه صدام حسين ) أنْ يصرخ رجل الدين هذا قائلا ( سوف نضرب الأمريكيين على رؤوسهم بالسيوف حتى تعوج ) ولم يكن مفهوماً إلى حد كبير هل ستعوج السيوف أم الرؤوس ، لكن الذي كان مفهوماً وبوضوح بالغ أن صاحبنا ينظر إلى الحرب كنزال بين فرسان البداوة أو القرون الوسطى ، وليست عملاً علمياً معقداً يمكن لطائرة فيه أن تقصف وتعود بدون أن يكون رجل الدين هذا قادراً على ملاحقتها بسيفه ، وحتى إنْ استطاعت ( المقاومة ) إسقاط هذه الطائرة فإنها تسقطها بصاروخ ينتمي إلى حداثة العقل والحرب ، وليس إلى زمن السلاح الأبيض .
هذا لا يعني أنَّ استهداف الأطفال والنساء والشيوخ ليس وارداً ، وإنما يحدث دائماً وقد حدث ، في مدرسة بحر البقر في مصر التي استهدفتها إسرائيل بالقصف وقتلت أطفالاً داخل مدرستهم ، ولا يزال دم شهداء قانا النساء والأطفال شاهداً .. وكلنا يذكر بالطبع الطفل الشهيد محمد الدرة .. وصور أطفال العراق الشهداء مأساة ماثلة .
غير أن الحقيقة تبقى وهي ببساطة أن من يموتون في الحروب الحديثة ومن مات في حروب العراق من ( الرجال والشباب ) أكثر بما لا يقاس من الأطفال والنساء والشيوخ وهذا يعني أنه في عطالة حضارية كالتي نحن فيها تحتقر النساء بإلقائهن في البيوت انتظاراً للموت أو القتل أو الزوج ولا تقيم وزناً للأطفال ولا تهتم بكبار السن ، فإن اعتمادنا في الأساس كي نحيا ونعمل ونتطور ونبني سيكون على ( الرجال والشباب ) وهؤلاء من الأولى حفظهم وحفظ أرواحهم بعدم زجها في قتال غير متكافئ .. كما يحدث في الفلوجة التي تتقوض بيوتها يوما بعد يوم لأن فيها ( مقاومين أشاوس ) قرروا بالاتكال على الله وعلى أسلحتهم البدائية أن يحاربوا أمريكا حتى تحرير العراق وإقامة الدولة الإسلامية التي ترتفع شعاراتها على جدران بيوت الفلوجة وإن كان على شكل شعارات جهادية للتحرير .
وحينما تقع المصيبة ويرد الجنود الأمريكيون بحق أو بدون حق على مصادر استهدافهم .. نصرخ نحن ( إنهم يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ) ، فهل وصلت بنا الحرب إلى حد أن نحتمي بالنساء إن كنا لا نزال على تلك العقلية التي تضع المرأة في موقع أدنى .
إن كان الأمر كذلك فالأولى بكل من يريد أن ( يقاتل ويقاوم ) أن يخرج من المدن ويواجه ( كرجل ) لا أن يختبئ بين البيوت التي تستهدفها طائرات الأباتشي وإف 16 وتحولها إلى ركام .
إن على قوات التحالف بوصفها قوات احتلال أن تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية التي تنص على حماية المدنيين أثناء الحروب .. وفي المقابل على ( المقاومين ) أن يلتزموا هم أيضاً ولا يحولوا المدن إلى ساحات حرب .. يُقتل فيها ( الأطفال والنساء والشيوخ ) ، ثم يصرخ من يرى في نفسه شهامة لنصرة أخيه في الدين إنهم يقتلون ( الأطفال والنساء والشيوخ )
إن الروح الإنسانية في كرامتها لها مقياس واحد لا يفرق بين رجل أو امرأة أو طفل أو شيخ أو شاب ، فالجميع بشر على قدم المساواة في الحياة وضرورة حفظها ، وهذه التفرقة البغيضة حتى في القتل تدل على عقلية لا تريد أبدا أن تبارح مكانها وهي بذلك تزيد مصائبنا وقتلانا من جميع الأعمار بدون أن تقدم طريقا للنجاة غير كبرياء زائفة كانت ترفع السيوف كما شاهدنا في العراق أخيراً .. حيث يجرب الأمريكيون .. روبوت .. بحجم سيارة لعبة .. وهذا الروبوت قادر على التفجير وعلى القيام بمهام الجندي العادي .. ثمة عقل هنا مدمر بالتكنولوجيا .. وثمة عقلية في حكاية ( الأطفال والنساء والشيوخ ) مدمرة كذلك بجرفنا خارج العصر الذي نعيش فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يحاول تحقيق استراتيجية -النصر الشامل- ضد حم


.. شكري حذر خلال اتصال مع نظيره الأميركي من -مخاطر جسيمة- لهجوم




.. بلينكن: واشنطن تعارض معركة كبرى في رفح | #رادار


.. الجيش الإسرائيلي: طائرتان مسيّرتان أطلِقتا من لبنان تسقطان ف




.. حرب غزة.. مصدر فلسطيني مسؤول: السلطة الفلسطينية لن تدير معبر