الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيما اونطة هاتوا فلوسنا

رجب الحكيم

2009 / 5 / 4
كتابات ساخرة


هل سمعت من قبل عن مصطلح (الترسو) في قاعات السينما ؟
هل تعرف أن قاعة السينما زمان كانت مقسمة إلى صالة و بلكون وكذلك مقاعد خشبية أمامية رخيصة تسمي ترسو ؟
هل تعرف أن الممثل المصري فريد شوقي كان مشهورا بلقب ملك الترسو لأن معظم جمهوره كانوا من رواد الترسو .

و الترسو عبارة عن مجموعة من الدكك الخشبية مرصوصة وراء بعض وموجودة أمام شاشة العرض مباشرة ، و الدكة الخشبية الواحدة يجلس عليها عدد غير معروف من المشاهدين يتراوح بين 20 و40 مشاهد ودكك الترسو منقسمة إلى مجموعتين ، مجموعة على يمين السينما ومجموعة على اليسار ومن الغريب أنهم كانوا يملئون قسم واحد فقط من الدكك بالمشاهدين ويتركون القسم الاخر خالي انتظارا لفوج جديد من الزبائن وكنا نجلس على الدكة ملتصقين ببعض ومزنوقين للغاية لدرجة يصعب معها التنفس وكانت احدي جلساتي كالتالي :


كان كتفي الأيسر في ذقن الجالس علي يساري و بداخل جنبي الأيمن تجد ركبة الجالس علي يميني ، حتى أننى مرة شاهدت فلمين كاملين دون أشعر انني لم أكن جالسا على الدكة ولكن على الهواء ومزنوق في الجالسين علي يساري ويميني لذلك لم اسقط


ولو دخلت إلى الترسو ستجد كل الجالسين على الدكة مائلين نحو اليسار لسبب مجهول، ولأن رواد الترسو يجلسون أمام شاشة السينما مباشرة فإنهم يضطرون إلى رفع رؤوسهم إلى الأعلى لكى يشاهدوا الشاشة جيدا ، حتى أن من ينظر إليهم يعتقد أنهم يشاهدون عرض جوي.لدرجة ان من يخرج من دار العرض بعد الفيلم يجد صعوبة في انزال رأسه إلى طبيعتها .

كان معظم رواد الترسو من المراهقين الذين يدخلون لاختلاس النظر إلى بعض المشاهد المثيرة في الأفلام الأجنبية ولكن كانت الرقابة المصرية على السينما صارمة فلا يسمح بظهور مشاهد عارية أو ألفاظ خارجة ، ولكن يبدوا أن بعض الأفلام كانت تهرب نسبيا من هذه القيود الصارمة فقد كان هناك فلم اسمه وكر الأفعى لبروس لي (وبروسلي كان نجم الشباك الأول في السينما المصرية )، هذا الفلم كان به مشهد مدته ثواني معدودة لبعض الفتيات الآسيويات اللاتي يجلسن بجوار زعيم العصابة على شاطئ البحر وهن شبه عاريات ورغم أن الصورة بعيدة والمشهد لا يستغرق سوي ثواني معدودة ولكنه كان كفيلا بان يجعل الشباب يتقاتلون على أبواب السينما يوم عرض الفلم وفطن أصحاب السينما لذلك وكانوا يعرضون الفلم على فترات دورية فمثلا تعرض السينما أفلام عادية لمدة أسبوعين ثم تعود لعرض هذا الفلم لمدة أسبوع وهكذا وكأنه منهج دراسي ..

وكنت اسمع كثيرا عن هذا الفلم الذي شاهده زملائي فمنهم من شاهده عشرون مرة وثلاثون مرة حتى حفظوه عن ظهر و بطن قلب ولكن الزحام الشديد كان يمنعني عن مشاهدته دائما ، حتى قررت أنا و أحد زملائي دخول الفلم وكان الزميل يدخل الترسو لأول مرة في حياته وبالطبع جلسنا متراصين ومتزاحمين حتى أننا لا يمكن أن نتنفس في لحظة واحدة فإذا اخذ احدنا نفسه ففي نفس اللحظة يكون زميلة يخرج نفسه وهكذا لا يمكن أن نتنفس سويا حتى لا يضيق المكان ، وقد لاحظ زميلي الجديد الغشيم أن النصف الآخر من الترسو خاليا فقام ليجلس فيه ولكنه فوجئ بضربة خرزانة على رأسه من فتوة السينما البالغ وزنه حوالي 150 كيلو جراما ليعود إلى مكانه مسرعاً ، وأريد أن أضيف أن كل سينما و بالتحديد كل ترسو كان يوجد به فتوة يحمل خرازنة طويلة ليجلس بها المشاهدين ... ورغم المصاعب التى تكبدها صديقي لمشاهدة الفلم فإن اللقطة الشهيرة لم تظهر في الفلم فقد كانت إدارة السينما تضعها مرة وتحذفها مرة خوفا من الجهات الأمنية وتعالت الصفافير والصراخ من الجماهير المتعطشة (سيما اونطة هاتوا فلوسنا ... سيما اونطة هاتوا فلوسنا ) وكادوا أن يكسروا السينما ولكن هيهات ولم يدخل زميلي السينما بعد ذلك ، وبالمناسبة هذا الرجل بعد سنوات أصبح من قيادات الجماعات الإسلامية ...
كان يوجد سور قصير يفصل بين الترسو وبين الصالة وكان بعض رواد الترسو يقفون بجوار هذا السور ليغتنموا الفرصة ليقفزوا للجلوس في الصالة وكانوا ينجحون أحيانا وأحيانا يمسكهم حراس الترسو.
و كنا نزوغ من المدرسة لندخل السينما صغارا في الفترة الصباحية من وراء آبائنا ولكن بعد أن كبرنا قليلا أصبحنا ندخل السينما بمعرفة الأهل ونأخذ ثمن التذاكر منهم وترقي الحال بنا لنجلس في مقاعد الصالة المحترمة والتى كانت أفضل كثيرا فكنت اجلس على الكرسي وحدي ولا اضطر لرفع رأسي ولكن ... كنت اشعر بعدم الراحة وأنا جالس على كرسي الصالة فقد كنت أتململ يمينا ويسارا ويسألني زميلي فيه حاجه ؟ أقول له : لأ مفيش ، وظل الأمر هكذا حتى اكتشفت أن سبب عدم الراحة هو الحنين إلى الترسو وقعدة الدكة ،وفي احدي المرات قررت أن أقوم بعملية عكسية وهي أن اعبر السور من الصالة إلى دكك الترسو واقتربت من السور وعندما أصبحت فى منتصف السور وجدت الحارس يمسكني ويقول : موش عيب لما تبقي كبير كدا وتنط من السور ، يلا بسرعة ارجع على دكتك في الترسو ... فجريت مسرعا نحو الدكك وفمي مفتوح من السعادة ...
للأسف في منتصف الثمانينيات قامت دور السينما بإلغاء الترسو من قاعاتها وانتشر الفكر الأصولي بين المصريين وتضاءلت لحظات السعادة كثيرا










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومصر عندما تغنى-مسير الشمس من تانى
علاء الحداد ( 2009 / 5 / 3 - 19:48 )
تحية للأستاذ رجب على هذا الموضوع الشيق والذى اعادنا الى ذكريات جميلة مضضت اكمل معك الذكريات حيث اننى كنت من هواة الترسو وأتذكر اننا احيانا ما كنا ندفع تذاكر بل بقشيش لعامل الباب ليدخلنا خلسة وبخصوص فيلم بروسلى وكر الافعى فقد شاهدتة عدة مرات وبالفعل ما شدنا للفيلم منظر عدة فتايات يجرون عرايا تماما واللقطة من الامام وأعتقد لم نشاهد مثلها ثانيا بأى فيلم كانت مدينتنا المنصورة بمصر فى السبعينات جميلة وهادئة ومنظر النيل بها على اروع ما يكون وفى مرحلة الشباب كنا نجلس على مقهى واقع على النيل قبل ان يهد
كانت مصر مفعمة بالحيوية و التسامح قبل ان تهب عليها زوابع التشدد و التعصب واصحاب اللحى والوجوة الكئيبة وما يسمى الجماعات الاسلامية

اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا