الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاطع من ليماسول- ثانياً

رياض الحبيّب

2009 / 5 / 5
الادب والفن


ألّا باشكوفا
…................

تتحد بساحل ليماسول خلال الصيف جميع القارّات وتلتقي الثقافات
لكنها تتحدث بلغة موحَّدة هي لغة الشمس ذات قواعد أساسها العَراء
نشازها الوحيد هو ستر سائر الأعضاء
لم يكن في شقتنا المتواضعة مكيّف للهواء
بلغت درجة حرارة ذلك الجحيم 39 درجة سيليزية
ليس في الوسع تغيير أيّة قاعدة لتمدد الجو ولا احتمال لشذوذ الطقس عن حالته الدرامية
لا مفرّ عبر فوران ضبابه سوى اقتحام المتوسط
وافتراش الرمل الذي يحظى بترطيب مويجاته المنسابة برفق
تدغدغ الجسم وتدعوه لمحاولة اقتحام ثانية وثالثة وتاسعة
أمّا بعد العاشرة فعثرت على قميص نسائي فور عودتي إلى منشفتي المثبتة بحجار من خمس جهات،
كي لا تلتهمها ألسنة الرياح المشرئبّة بالرمل
يحاول القميص العاثر بأحد الأحجار أن يفرّ ولكن لا جدوى
رفعت عينيّ عن القميص وصرفت النظر
إذا ساقان طويلتان تسندان شجرة نحيفة تتقدّم صوبي
تتدلى من جذعها رمّانتان ثلجيّتان
يتناسب حجمهما مع نحافة الجذع تناسباً عكسيّاً
تكاد تمثلان مركز ثقل الشجرة كلها
أمّا مركز الجاذبية فكان حديث الشجرة
كانت عينا الشجرة الخضراوان (فيما بعد) مستورتين بنظّارتين سوداوين واسعتين لا يخترق الليزر سوادهما
ولا تستطيع قوة أن تقنع الشجرة برفع الغطاء المُحكم عن عينيها
كان اسم الشجرة الأول ألّا-
وهو لفظ اٌسم الجلالة بالعربية منقوصاً منه الحرف الأخير
شرعتْ ألّا بالتقاط القميص مومئة برأسها علامة استئذان
أجبت بابتسامة معتادة: تفضلي (بالروسية) فشكرت مستغربة بارتياح
ثم أردفتْ بكلام لم أفهم معناه فاستغربت أكثر
تنتظر ردّاً بالروسية ولكن ثوب الردّ تغيّر إلى الإنكليزية باعتذار مألوف: آسف، أتكلم بالإنكليزية
وقد بدأ الحوار مع الشجرة التي لا حسن يفوق حسنها
بل لا أظنّ أنّ أيّاً ممّا للحوريّات السبعين اللائي يدُرْنَ في مخيّلة أحد مرضى الصحراء يضاهي بشيء ما مما لهذي الحورية التي تجلس أمامي الآن
تسند حنكها على مشتبك أصابعها لتتحدث بوداعة ورقّة
بهدوء مشوب بحزن وحذر
أفهم سبب الحذر من شكل شرق أوسطي، بيْد أني لا أستوعب سبباً لحُزن زنبقة
حدثتها عن روسيا فحدثتني عن العراق
حدثتها عن الأدب والفن والحرب وعن موسكفا (موسكو) وسانت بيترسبورغ (لينينغراد سابقاً)
فحدثتني عن الجنائن المعلقة ومسلّة حمورابي وحروب الخليج
أخيراً سألتها عن نبرات الحزن فوعدتْ بحديث في مناسبة أخرى
إذ حان وقت انصرافها لتتناول طعاماً وأدوية
عندئذ فقط تذكرت أنّ عليّ أنْ ألبّي دعوات المعدة الفارغة منذ ساعة الصباح الأولى
فعدت وضربت حمّاماً بارداً ثم تناولت كتاباً وفتحت عين الموسيقى فاخترت هذه المرّة شيئاً لتشَيكوفسكي*

يحتمل شاطئ ليماسول في الصيف جميع الإحتمالات والمصادفات
ففي لقاء ثان مع ألّا وثالث عرفت ثلاثة أسرار:

السرّ الأول:
كانت ألّا تعمل في نادٍ ليلي وقد قام أحد الزبائن بضربها ضرباً مبرحاً بسبب رفضها تلبية مطالبه كلّها، حتى انهال باللكمات على عينيها
فحُرمَتْ من عملها وتالياً عليها أن تغادر قبرص والدعوى لا تزال قيد البحث.
فأوكلت دعواها إلى محام لا يأخذ أجره من موكله، بل من الخصم.

قام بإيوائها وقتئذ شبّان عراقيّون على مسؤوليتهم وقد بدأت بعلاقة حب مع أحدهم ثم انتهت بسلام. كانت دارهم لا تخلو من ضيوف؛
قام أحد الضيوف بسرقة المبلغ الذي في حوزة ألّا والمحفوظ في محفظة صغيرة من ضمن حقيبة حاجياتها والمتروكة في إحدى زوايا الغرفة.
استطاع اللص أن يفلت من غضب الأصحاب فترة، حتى ألقت السلطات القبرصية القبض عليه وقد أنفق نصف المبلغ الذي كانت ألّا وفّرتْ لأهلها الفقراء.
عندما علمت ألّا بشأن حجز اللص تنازلت من تلقاء نفسها عن حقها إليه،
من أجْل تخفيف العقوبة عليه وكي يتمّ الإفراج عنه في وقت أسرع

السرّ الثاني:
حدثتني ألّا قائلة؛ أننا منذ زمن التلمذة الأول في المدرسة نتعلم الرقص للمحافظة على الرشاقة،
نمشي برأس مرفوع،
تفتخر المرأة الجميلة عندنا بجمالها من خلال إظهار مفاتنها بأحسن صورة كي تثبت أنها فاتنة.
أمّا المرأة المسكينة التي فيها عيوب وليس لها مفاتن فيعرف الناس أنها تخفي عيباً ما مضطرّة فتتستر ولن يشفع أفخر الثياب في حلّ المشكلة

السرّ الثالث: كانت الأورام تحوم حول عينيها يوم كشفت لي عنهما. وقد أخبرتها بعملي سابقاً في سلك التمريض وأنوي مساعدتها ما أمكن.
فلم أستطع إلّا الصلاة من أجلها.
قالت: أنت أوّل شخص أريه عينيّ بعد الحادث.

لم أتابع قصّة ألّا باشكوفا حتى النهاية لأنّي تركت قبرص باحثاً عن عالم آخر.

….............

Pyotr Ilyich Tchaikovsky * تشَيكوفسكي
Russian: Пётр Ильи́ч Чайко́вский; 1840–1893
مؤلف موسيقى روسي، رومانسي غنيّ عن التعريف،
المزيد من سيرته اللافتة في ويكيبيديا
http://en.wikipedia.org/wiki/Pyotr_Ilyich_Tchaikovsky








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام