الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاسع من نيسان، لحظة الانهدام الشامل

احمد صحن
كاتب وباحث

(Ahmed Sahan)

2009 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ما إن مضت سويعات قليلة على بزوغ فجر التاسع من نيسان 2003، حتى أضحى في العراق كل شيء مهدما، كل شيء، البناءات السياسية العمودية والبناءات الاجتماعية الأفقية، البناءات التحتية والفوقية، وقد يقال بلفظ سطحي من ان الغزو اسقط الدولة، إن سطحية ذلك التوصيف تكمن في إننا لم نرَ دولة في التاريخ الحديث تسقط بعميلة عسكرية سريعة بدأت تشق طريقها بسلاسة وسهولة من صحراء الجنوب دون ان تواجه جيشا يذكر يعترض مسيرها المتجه نحو العاصمة، لم يطل الأمر كثيرا، تسعة عشر يوما فقط انهار كل شيء، حتى أن قادة الجيوش الزاحفة نحو بغداد ذاتهم لم يصدقوا ما حصل، سارت دبابات الابرامز في ارض العراق وطائرات الشبح في أجواءه دون إن تعترضها أية مانعة عسكرية او مدنية، تلك الممانعات التي غيبتها سياسة القتل والذبح والإقصاء والحروب العبثية .
ان الزلزال الذي أطاح بصنم ساحة الفردوس كانت له تداعياته الكبيرة، لا تمحى من الذاكرة العراقية، اذ كان مشهدا لم يصدقه احد، وشعورا جماهيريا مضطربا.. وما ان صرخ احد المواطنين الحاضرين لمشهد ساحة الفردوس وسط بغداد معبرا عن احتجاجه ضد الجندي الأمريكي حينما وضع علم بلاده على راس التمثال، حتى بدأت رحلة العراق الصعبة مع "المخّلص" الامريكي، رحلة سارت على طريق صعبة ووعرة ومليئة بالمتفجرات والاجساد المفخخة، ان مشهد رفض الجمهور الذي اعترض على وضع العلم الامريكي على وجه التمثال كان يعبر وبشكل تلقائي عن الروح العراقية التي لا ترغب بالاستسلام الكامل مع عِلم الجميع بمفردات اسقاط الصنم امريكية بأمتياز بدأً من آلة الانقاذ المدرعة التي سحبت التمثال وانتهاء بالجندي الامريكي.
ترى: ما أسباب انهيار دولتنا العتيدة بهذه السرعة؟ ببساطة انهارت لأنها لم تكن دولة، وما كان قائما قبل التاسع من نيسان هو احد الأنساق التي أنتجها الفكر القومي "العروبي" للعراق او تجربة من تجارب ساسته المعتوهين، لقد جاء الغزو ليسقط تجربة، لا دولة، لم تسقط بفعل زحف جنود المارينز، بل أنها تجربة لجمهورية ذبحت نفسها بنفسها ونخرت جسدها بيدها، لقد جاء الغزو ليوقف رحلة سياسية تائهة سارت بالعراق منذ العام 1963 فقدت بوصلتها مما اجبر القوى العظمى ـ انسجاما مع مصالحهاـ في ضرورة إيقافها واجتثاث قادتها، يوم التاسع من نيسان هو يوم الكشف عن عورتنا السياسية التي لم نعرفها الا بعد إحداث سنوات الدم التي تلت..
ان رزمة الإحداث التي دونتها عقارب الساعة في سجل الذاكرة عبر السنوات الست الماضية والتي سميت خطأ بفترة ما بعد التغيير، إذ لم تكن تغييرا، إنها فترة التدحرج والهبوط للدولة ، فتاريخ التاسع من نيسان لا يختلف كثيرا عن أية انعطافة سياسية في مسير العراق السياسي كالذي حصل في تموز1958، فتلك الفترة أفرزت الروح العراقية المشتتة قرابة الأربعة عقود. روح لم تهيأ نفسها ليوم التغيير، بل إنها لم تتوقعه وعلى أساس ذلك تخبطت في عملية بناء الدولة وهذا التخبط بحد ذاته انعكاس طبيعي لتعدد المسميات السياسية ليوم التاسع من نيسان كونه مازال يحمل أكثر من اسم؛ يوم سقوط بغداد في نظر البعض؛ ويوم التحرير جاءت في تسمية أطلقها البعض الأخر؛ وذكرى الغزو في تسمية يوصفها الكثير.
إن تعدد رؤية العراقيين لهذا اليوم تعكس وبشكل طبيعي انقساماتهم، فالبعض يرى انه يوم الخلاص من أشد رحلة استبداد والبعض الآخر يرى انه اليوم الذي ذبح فيه العراق. وبلا شك انعكس هذا التوصيف على سير العملية السياسية بناءا على المواقف التي اتخذها السياسيون من يوم التغيير، وبصرف النظر عن تعدد التسميات فالمؤكد ان يوم "الأربعاء الفاصل" هو لحظة انهيار الدولة وتداعي كل مؤسساتها وهو اليوم الذي كشف عن الأزمات الحقيقة، أزمة مجتمع، أزمة وعي، أزمة تسامح ، أزمة مواطنة ، وكل تلك الأزمات شكلت لنا خريطة سياسية للعراق رُسمت معظم خطوطها بدم أجساد لم يكن لها ذنب باستثناء عراقيتهم .
إن لحياة الأمم ضرورات، ولبناء الدول لوازم وشروط لا بد من التقيد بها، فرحلة الاستبداد الصدامي الطويلة التي عاشها العراقيون حتى لحظة السقوط المدوي لا بد وان تعطينا دروسا في بناء نظام سياسي يستند على ركائز الثبات في لحظة الأزمات، نظام يبدأ من حيث انتهت الأمم في كل المجالات وأهمها إن يصنع عراقا ينتج عراقيته وان لا يبدأ التعلم من المرحلة الابتدائية، وان يعمل على تقوية روح المواطنة وان يجعل الهوية الوطنية فوق الهويات الفرعية/ الطائفية / العرقية، ولا مناص من الابتعاد عن المغامرات السياسية فالعراق اليوم ورغم كل ما حصل له من كبوات وإرهاصات فان قاطرته بدأت تسير على السكة، ومن لا يروق له هذا الشكل الجديد للعراق فعليه ان يجري مسحا تاريخيا للانهدامات والانزلاقات السياسية التي مر بها العراق فحينها سيرى ضرورة العمل على تقوية روح المواطنة لانها السبيل الوحيد الذي ينتج عراقا موحدا قادرا على تطوير مؤسساته السياسية وتشذيبها من بصمات المحتلين، وان يشخص سبب الالتهاب الذي ضرب الهويات الفرعية وجعل حامليها يركلون المواطنة والوطن الام بأقدامهم حتى وصل البلد حافة الفوضى الشاملة في السنوات 2005،2006،2007
يقول الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز "ان حالة الفوضى هي الحالة الطبيعية للانسان وان المجتمع المنظم هو صنيعة انسانية بحتة"، على اساس ذلك فأن عدم قدرة العراقيين في انجاح تجربة جديدة تصنع عراقا منظما في زمن متطور بكل ما تحمل الكلمة من معنى فأنه يشكل بذلك خيبة امل للامة العراقية التي تعول كثيرا على انجاح تجربتها الحالية كما يجب العمل بكل اصرار على توفير السراة المناسبة لكي تنير مشاغل وورش اعداد العراق وانتاجه من جديد ولا ينبغي ان يسود الجاهل ويقيد حركة العاقل استنادا لمقولة الشاعر الجاهلي الافوه الاودي " لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة اذا جهالهم سادوا ..

البصرة – نيسان 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هو محمد عمرة -الذبابة- الهارب من السجن في فرنسا؟


.. رغم الخلافات إدارة بايدن تخصص حزمة أسلحة جديدة لإسرائيل




.. تفاعلكم | العثور على جزائري مفقود من 26 عاما في منزل جاره!


.. مواطنون يجمعون السولار في -الجرادل- بعد تسريب ضرب أحد الخطوط




.. ساعة حوار | ما هدف الصين من تحركاتها في مختلف القارات؟