الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساعدات لباكستان .. مقابل ماذا؟

عبدالله المدني

2009 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


من مهازل الاحداث الدولية مؤخرا، أنه في الوقت الذي كانت فيه السلطات الباكستانية تعقد صفقة مع ما يسمى بحركة طالبان/ باكستان تتنازل بموجبها لها عن السيادة في منطقة وادي سوات الجبلية الوعرة ( على بعد 100 كيلومتر من العاصمة) كي يطبقوا فيها احكام الشريعة الاسلامية بحسب امزجتهم وعلومهم الشرعية القاصرة، وفي الوقت الذي كانت فيه هذه السلطات نفسها تفرج بعد يوم واحد من الحدث المشار اليه عن رجل الدين المتشدد "مولانا عبدالعزيز" الموالي لحركة طالبان الأفغانية وامام المسجد الاحمر سابقا والذي تسبب بغلوه وتطرفه في عام يوليو/تموز من عام 2007 في مقتل اكثر من مائة شخص من الشباب والنساء في العاصمة اسلام آباد في اصدمات ما بين اتباعه وقوات الكوماندوس الباكستانية، قبل ان يلقى القبض عليه وهو يحاول الهرب مرتديا برقعا وملابس نسائية .. في هذا الوقت كان ممثلو 27 دولة و16 منظمة يعقدون مؤتمرا في طوكيو تحت رعاية اليابان والبنك الدولي لجمع المساعدات والهبات والقروض لهذه الدولة بهدف اسناد اقتصادها المتصدع والحيلولة دون تفاقم مشاكلها الكثيرة التي جعلت مراقبين كثر يصفونها في الأشهر الأخيرة بالدولة الآيلة للسقوط عاجلا ام آجلا، خصوصا وان قرضا طارئا حصلت عليه في نوفمبر 2008 لم يساعدها في الحد من ازماتها.

وبطبيعة الحال فان اولى الدول التي سارعت الى تقديم العون كانت، كما في كل مرة، الولايات المتحدة الامريكية التي صارت مثل "العومة أي مأكولة ومذمومة"، بمعنى انها اذا اقترحت على الباكستانيين اتباع نهج ما او الكف عن تصرف ما صاحوا معا: هذا تدخل سافر في شئوننا الداخلية، لكنها اذا قدمت لهم مساعدات أخذوها صامتين و من دون تعليق! والشيء نفسه يمكن قوله عن اليابان التي جاءت بعد الولايات المتحدة في حجم المساعدات (تبرعت الدولتان بحوالي نصف اجمالي المبلغ المتجمع وهو خمسة بلايين دولار) تلتهما دولة لا تقل اهمية منذ زمن طويل في برامج المساعدات الخارجية للباكستان وهي المملكة العربية السعودية التي قدمت سبعمائة وخمسين مليون دولار فدولة الامارات العربية المتحدة التي تعهدت بتقديم 300 مليون دولار.

ورغم ان الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الذي مثل بلاده في مؤتمر المانحين هذا، بدا مسرورا ومنشرح الصدر – ربما لأنه لم يكن يتوقع تخطي المبالغ المتجمعة حاجز الخمسة بلايين دولار، او ربما لأن المانحين (باستثناء واشنطون التي كان رئيسها باراك اوباما قد نقل عنه بأن صرف المزيد من المساعدات لباكستان يعتمد على كيفية تعامل الاخيرة مع الارهاب) لم يتشددوا في شروط الانفاق كثيرا مثلما كان متوقعا، فان الرجل (أي زرداري) ينتظره حال عودته الى بلاده عملا كبيرا: اولا لاثبات ان الاموال التي ضخها المجتمع الدولي في الخزينة الباكستانية لن تمس في غير اغراضها، بمعنى عدم تسربها الى حسابات شخصية سرية كما جرت العادة في ظل زعماء باكستان السابقين، خصوصا وان الرئيس زرداري نفسه – كما قالت الصحافة الباكستانية في الايام الاخيرة – لا يزال محورا لقصص الفساد المالي والسياسي والابتزاز والرشى التي يغذيها خصومه وعلى رأسهم رئيس الحكومة الأسبق نواز شريف.

أما العمل الكبير الثاني فهو تقديم خطة شاملة و مفصلة حول كيفية استغلال ما تم تدبيره من اموال وما ستدفعه الدول المانحة لاحقا (عشرة بلايين دولار) في مساعدة الفقراء وزيادة الانتاجية واصلاح الاحوال الضريبية من اجل تعزيز ايرادات الدولة وخفض اعتمادها على المساعدات الاجنبية.

لقد عرف آصف زرداري كيف يلوي ذراع المجتمع الدولي للحصول على ما تمناه من مساعدات بليونية، فركز حديثه على اهمية باكستان مستقرة في نطاقها الاقليمي واهمية وجود قدراتها و لاسيما النووية منها في ايدي حكومة مركزية قوية، كيلا تصبح مصدر ازعاج او توتر او صداع للآخرين وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في المنطقة. وبهذا تمكن الزعيم الباكستاني من تخطي أي استجواب حول قراراته المتعلقة باقليم سوات او باطلاق سراح الملا المتطرف عبدالعزيز، وهي قرارات تضعف بلا شك كل ما يقوم به الحلفاء في افغانستان من جهود من اجل استقرار الاخيرة. لقد وقف زرداري امام ممثلي الدول المانحة ليقول : " لقد قبلت التحدي بصفتي رئيسا لباكستان .. لقيادة بلادي نحو الخروج من هذه الاوقات العصيبة.. اذا خسرنا خسرتم، واذا خسرنا خسر العالم!" لكنه لم يقل كيف؟ كما أن احدا لم يسأله عن مبررات صفقة سوات واطلاق الملا عبدالعزيز ان كان جادا في القضاء على الارهاب. والرجل الأخير ليست شخصية عادية حتى لا يثير اطلاقها اية تساؤلات. فهو تسبب في مصائب كثيرة لبلده وشعبه، بل كان السبب في اطلاق شرارة انتفاضة الشبكة الاصولية المعروفة بطالبان باكستان، ولا يزال يتحدى النظام ويدعو الى استخدام القوة والانتحاريين لتطبيق الشريعة في بلاده وفي غيرها من البلاد الاسلامية، بل ويتبجح بالقول أن الحكومة برهنت على ضعف ارادتها. وهذا تحديدا ما قال به ايضا الكثيرون من المراقبين ممن وجدوا في صفقة سوات تعزيزا لنفوذ المتشددين والطالبانيين، وبرهانا على خضوع الحكومة للاملاءات من اجل الاحتفاظ برأسها.

والأمر المثير الآخر هو أنه في الوقت الذي كان فيه الرئيس زرداري يدافع عن صفقة وادي سوات ويقول أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على نتائجها، كان مقاتلو حركة طالبان/ باكستان يخوضون معركة مع القوات الحكومية للسيطرة على وديان "درة أعظم" التي تشتهر بصناعة الأسلحة وتقع على الطريق الموصل ما بين بيشاور و كوهات في الجنوب. علاوة على ما سبق كان الناطق باسم حركة طالبان/ باكستان يؤكد ان حركته لن تلقي السلاح في وادي سوات بل ستنقل كفاحها الى مناطق جديدة، مضيفا: "أنه من الكفر ومخالفة الشريعة التخلي عن السلاح اذا ما واصلت حكومتا اسلام آباد وكابول سياساتهما المناهضة للمسلمين وتحالفاتهما مع دول الكفر. والحدث الآخر الذي يمكن ايراده ضمن السياق نفسه هو العملية الارهابية التي وقعت في يوم الخامس عشر من ابريل في شمال غرب باكستان، حينما اصطدمت شاحنة مفخخة يقودها انتحاري من اتباع طالبان/باكستان بحاجز أمني، الأمر الذي ادى الى سقوط العشرات من عناصر الجيش والشرطة.

واذا كان زرداري ورئيس حكومته يوسف رضا جيلاني لا يوجد لديهما ما يبرران به اطلاق الملا عبدالعزيز سوى القول بتخفيف الاحتقان الداخلي وصولا الى المصالحة الوطنية بين فئة مارقة لا تعترف بالوطن وفئات اخرى حريصة على امنها واستقرارها، فان تبريرهما لصفقة سوات هي الأخرى غير مقنعة. ذلك أن اية اتفاقية سلام في هذه المنطقة المعزولة لن يكتب لها النجاح الا باجماع القبائل التي تسكنها على تقديم هويتها الوطنية على هويتها الدينية. غير أن هذا مستبعد وبعيد المنال في ظل الامية والعقلية المتحجرة التي تسيطر على سكان تلك المناطق. وللتدليل على صحة ما نقول نورد في ما يلي سلسلة الاحداث المتتابعة منذ ظهور حركة المطالبة بتطبيق الشريعة في اقليم قلمند التي يقع ضمنها وادي سوات:

جاء اول طلب لتطبيق الشريعة في وادي سوات في عام 1995، وذلك حينما تقدم رجل الدين الراديكالي مولانا صوفي محمد خان زعيم حركة تطبيق الشريعة المحمدية بتقديم طلب بهذا الخصوص الى سلطات الاقليم الحدودي الشمالي الغربي. لكن الاخيرة تجاهلت الطلب مما ادى الى وقوع اعمال عنف بتحريض من صوفي، سقط خلالها 13 مسلحا.

وفي محاولة من سلطات الاقليم الحدودي الشمالي الغربي لاحتواء الموقف المتوتر، وافقت على تطبيق الشريعة جزئيا مقابل اتفاقية للسلام، فتم استبدال المحاكم العادية بمحاكم اسلامية. لكن هذا لم يرق للكثيرين من غير اتباع مولانا صوفي، الأمر الذي ادى الى اندلاع اعمال عنف متفرقة، وكشف عن خلافات في وجهات النظر ما بين قبائل المنطقة.

في عام 2001 قام مولانا صوفي بعملية استهدفت مناصرة حركة طالبان ضد القوات الامريكية، فجمع قوة قوامها نحو عشرة آلاف عنصر من سوات والمناطق المجاورة وتوجه بهم عبر الحدود نحو افغانستان تحت راية الجهاد، ليلقى ثلاثة آلاف من هؤلاء مصرعهم في غارات المقاتلات الامريكية، وليسجن الباقون في افغانستان كأسرى، او يعادون الى باكستان مخفورين – كما حدث لمولانا صوفي نفسه.

في يناير/ كانون الثاني عام 2003 قام رجل الدين المتطرف والداعم بقوة للطالبانيين الافغان مولانا فضل الله وهو صهر مولانا صوفي بانشاء مقر قيادة له في بلدة " امام ديهري"، مدشنا جهوده لتطبيق الشريعة الاسلامية بالقوة والرد على كل من يعارض افكاره بالقتل. وكانت حادثة القتل الاولى على يد جماعة فضل الله هي من نصيب الكاتب الافغاني فضل الوهاب الذي اشتهر بانتقاداته الللاذعة لاسامة بن لادن والملا محمد عمر آخوندزاده زعيمي القاعدة وطالبان على التوالي.

وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2007 قام فضل الله بتأسيس ما لا يقل عن 30 محطة اذاعية غير قانونية بقصد الترويج لافكاره الحمقاء ونشر التهديدات وتخويف الابرياء. وفي الوقت نفسه قام بانشاء محاكم اسلامية في سوات لمعاقبة اصحاب مراكز الفيديو ومحلات الموسيقى وصالونات الحلاقة النسائية واولياء امور الطالبات الذين يبعثون ببناتهم الى المدارس. هذا ، ناهيك عن قيامه هو واتباعه بعمليات كر وفر ضد قوات الجيش والشرطة ومهاجمة مباني ومقار الدولة، مما حدا برئيس البلاد وقتذاك الجنرال برويز مشرف الى اصدار اوامره الى سلاح الجو بدك اماكن تواجد فضل الله ومريديه، وهو ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من المواطنين نحو افغانستان او نحو الداخل الباكستاني وتحديدا العاصمة القديمة كراتشي التي تحولت، من بعد ان كانت هي مع اختها بومباي في زمن الهند البريطانية جوهرتين من جواهر تاج الراج، الى عاصمة للارهاب والتطرف والجماعات المافيوية وساحة تسودها المطاردات والتصفيات ما بين متشددين قبليين نزحوا من اقليم وزيرستان وسوات بقصد السلب والنهب وابتزاز التجار ورجال الاعمال بغية جمع اكبر قدر من الاموال لصالح حركة طالبان الافغانية،

و طبقا لأحد شهود العيان ويدعى بادشاه دين محسود ابن غول خدين محسود، فان عناصر من الأمن الباكستاني متورطة في تقديم الحماية و العلاج واماكن الأختباء ونقل الاموال متى ما دعت الحاجة. اذ تعتبر هذه العناصر ان هذا اقل ما تقدمه لأخوتها في الدين وان كان ذلك على حساب سلامة واستقرار وطنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني