الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رائحة ضفائر أمي

البتول المحجوب

2009 / 5 / 6
الادب والفن


من خلف أبواب حديدية موصدة،يتذكرويحلم بصوت مرتفع:
..كلماشعرت بشبح البرد يزحف متسللا من بين ثنايا الجدران الصماء أحن لوبرخيامنا السود،سوادها مازال عالقا بالذاكرة،وصوت أمي آت من وراء الخيام،تدندن بنغم شجي الكلمات.ضفائرها مسترسلة وأناملها تغزل الوبر دون كلل،لإعداد بيت الشعر الجديد.فالشتاء على الأبواب..ووجه أمي الطيب يكاد يختفي وراء كومة كبيرة من الوبر.فرائحة ضفائرها موغلة بذاكرتي كلما حاولت هاته الجدران الصماء وصرير أبوابها الموصدة حجب تقاسيم وجهها.تطل من جديد من ثقب الذاكرة..جميلة ضفائرك أمي،سود سواد ليل الصحراء..أتذكر حنينك دوما لوجه الصحراء الحزين.حنين كحنين العيس إلى نجد.ذاكرتي المتعبة ورثت عنك عشق المجهول وسحر الصحراء.من رائحة ضفائرك السود،حلمت بليالها المقمرة،ليال الحكي الجميل،ليال السمر وكؤوس الشاي المعتق ورائحة الحطب المشتعل منبعثة من أمام الخيام.لرائحة اشتعال الحطب ذكرى بذاكرة طفلك الصغير المختبئ دوما وراء كومة حطب.
تتسلل خيوط الشمس من شق الباب الحديدي..باب يحمل مرة رقم واحد، مرة اثنان،مرة ثالثة ومرة ثمانية.أبواب حديدية خنقت أنفاسي وأرقامها المشؤومة حاصرتني بعيدا عنك يا صحراء.حلمت بدفء قبلة من ثغر شمسك على جبيني،بأرض لاحدود لها لاجدران باردة ولا أبواب موصدة..تبا لصرير الأبواب الحديدية.كلما أصغت السمع أشعر بصداع يكاد يفتت دماغي المثقل بالغياب.أهرب بحثا عن أمي ورائحة ضفائرها المخضبة بالقرنفل.فلرائحة الأمهات رائحة الأوطان البعيدة.
تجلس على كرسي متحرك.تغرق في بحر انتظار طويل.تتذكر يوم ابتلعك الغياب في جمعة عاصف.لم يبق من ذكراك إلا ملامح وجه لفحت الشمس قسماته.لم يبق لذاكرتها المهمومة إلا نظراتك الدافئة،نظرات طالما كانت أنيس وحدتها..تمسح دمعة منسكبة على خدها الشاحب.
وتتذكر عشقك الجارف للصحراء،لغموضها ولسحرها الذي لا يقاوم..تشعر بحرقة الغياب من جديد.تحرك الكرسي يمينا وشمالا،ثم تردد في صمت:
-خطفتك الأبواب الموصدة والجدران الباردة ذات يوم عاصف،حرمتك دفء الرمال الذهبية وحلم العيش بين دفء أحضان كثبان الصحراء ولهيب شمسها الحارقة ورياحها العاصفة.
همت بالارض السمراء عشقا ولم تبال بقساوة طبيعتها يوما.
..تنفث يمينا وشمالا،تبلسم خوفا من هواجس مرعبة تنتابها كل مساء.وتسأل المجهول عنك بصوت متردد خائف:
أتراه مازال حيا يرزق..أأحلم بشم رائحته يوما ما..؟
يتمدد رغم ضيق المكان،يتلذذ باغماض عينيه،يرى نفسه حرا طليقا كطائرمحلق بصحراء بعيدة الحلم.
تتراء له دروب العتمة يبتلعها المجهول وصرير الأبواب الحديدية يتلاشى.يتيه في الصحاري الشاسعة،عله يشفى،أو ينسى حلكة أيام الغياب،ينظر لمعصم يديه قد يندمل الجرح يوما.يبتسم ساخرا من نفسه،وجرح القلب ماذا عنه..؟ أيندمل هو الأخر مع الأيام..؟يأتيه صدى الصوت من بعيد ويغرق في حزن مسائي.
يحل المساء الحزين وهي مازالت جالسة على ذاك الكرسي المتحرك،تصارع من اجل البقاء.
طال انتظارها.سنوات عمرها تساقطت كأوراق خريف ذابل.
تنتحب في صمت من هزمته الأيام وحرقة انتظار عودة غائب لايعود.أو انتظار بزوغ الفجر الجديد.بعيدا عن دروب معتمة وأبواب موصدة وجدران باردة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روعة ودهشة
حسن تويج ( 2009 / 5 / 6 - 08:04 )
الرائعة البتول المحجوب
لقد وقفت مندهشا لهذا النص الرائع الذي يحكي قصة الكثير من العوائل العراقية دمتي سيدتي ودام تالقكِ تقبلي مروري سيدتي


2 - شكرا جميلا
البتول المحجوب ( 2009 / 5 / 6 - 16:10 )
الاخ الكريم حسن
سعيدة انا بتفاعلك الجميل مع النص
يبدو فعلا ان عالمنا العربي من مشرقه الى مغربه
يتوحد فقط في الاحزان والسجون والعذابات
والغياهب المظلمة
محبتي وتقديري لك حسن

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل