الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير

مهدي بندق

2009 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يتصور بعض الكتـّاب ، بنوع محمود من التفاؤل ، أنه بالنون وبالقلم وما يسطرون في قضايا الشأن العام ، لابد واجد طريقه إلى أصحاب القرار ، إذ لولا هذا التصور لما كتب أحد كلمة . والحق أن الإعلام المصري قد برهن في العقود الأخيرة على قدرته في دق الأجراس، وبالتالي لفت الأنظار إلى ما يكتبه أصحاب الأقلام الجادة المخلصة حول القضايا المصيرية للبلاد ، الأمر الذي يشي بأن الهامش الديمقراطي لا يني يتسع يوما بعد يوم ، بما يسمح للشعب ( بطلائعه من الكتـّاب والناشطين في حقل المجتمع المدني ) من مشاركة السلطة السياسية في اتخاذ القرار .
بدا هذا واضحا ً فيما لفت إليه بشدة أصحاب ُ الأقلام حول ضرورة التصرف بالسرعة اللازمة إزاء الخطر المحتمل الناجم عن ظهور ما يسمى بانفلوانزا الخنازير . وهكذا صدرت القرارات فورية ً ناجزة ً باجتثاث مصدر الخطر في مكمنه ، حتى قبل أن تسجل إصابة واحدة ٌ بين تلك الحيوانات التعسة .
ليس غرض هذا المقال التعرض لمتن القرارات – فلقد صدرت وبدأ تنفيذها فعلا ً – بل الغرض
هو التفكير في المنهج الذي بدا غير مألوف بالقياس إلي تجذر النهج البيروقراطي المشهور بالتباطؤ ،
والتراخي . المنهج الجديد هذا إنما يعد بمثابة علامة فارقة ينبغي ألا ندعها ترجع إلي ما قبلها ، بل يجب التقدم بها إلى معالجة القضايا ذات الخطر المحتمل بنفس الأسلوب . ، حيث يرتبط الانتباه إليها بالسعي نحو تجذير الممارسة الديمقراطية ، ولو في البداية بين النخب السياسية والثقافية . أوليس من الأجدى لهذا الوطن ، وللديمقراطية المنتظرة أن ينقل كتابه ومثقفوه جل اهتمامهم إلى استبيان الاحتمالات المستقبلية المصيرية ، وإعداد الملفات " العلمية " بما تتضمنه من حلول واضحة للكوارث والأزمات المفترضة ؟ وبدلا من التراشق بحجارة الأيديولوجيات المسنونة ، يبدأ التنافس بين النخب الحزبية لجذب الأنصار على أساس البرامج التي تحقق الصالح العام ، وتدرأ الكوارث والمخاطر عن الدولة والشعب .

قضية المياه كمثال على ذلك الخطر المحتمل
ــــــــــــــــــــــــ
للدولة في مصر، منذ عصر الرعامسة وحتى الآن ، استراتيجية أمن قومي لا تتغير. أساسها أن الحدود الجغرافية السياسية ليست هي حسب ما يجب أن يُدافع عنها. بل ينبغي أيضاً الدفاع عما أسماه المؤرخ البروسي فون ريليكة بالمجال الحيوي، أي المناطق المتاخمة ، أو المؤثرة في الواقع الحدودي للدولة. ذلك ما يفسر حروب رمسيس في الشام وعلاقات حتشبسوت التجارية والثقافية بالصومال (بلاد بونت وقتها) ثم حروب صلاح الدين وقطز في فلسطين وحلب، ومحمد على في السودان والحجاز حتى آسيا الوسطى، وأخيراً عبد الناصر في حرب اليمن.
ومن نافلة القول الإشارة إلى إصرار مصر علي ربط ملف مياه نهر النيل بقضية الأمن الاستراتيجي ، مما حدا بها إلى إنشاء مجموعة العمل المسماة " الأندوجو " Undogo ومعناها باللغة السواحلية " الأخوة " بين دول حوض النهر لحل المشكلات المتعلقة بالمياه بأسلوب الحوار ، بجانب استعداد قواتها المسلحة للتدخل فيما لو عبث عابث سواء بحصتها في مياه النهر ( 55 مليار متر مكعب ) أو حتى بمخزونها من المياه الجوفية .


تحديث التعليم مسألة حياة أو موت
ـــــــــــــــــ

فإذا كانت المؤسسة العسكرية المصرية لا تغمض العين عما يحدث الآن في غزة ودارفور والقرن الأفريقي ، وبالأخص جنوب السودان فإن الدولة المصرية بعامة مطالبة بتوظيف كل الوسائل الموازية لحماية الأمن الخارجي ، الذي هو مصب الأمن الداخلى في النهاية.
وأول هذه الوسائل تحديث التعليم ، تحديثا ً من شأنه الإعداد لتخريج الضباط الواعين بحقائق الصراع الدولي ، والجنود المؤهلين باستخدام التكنولوجيا المتطورة ، علاوة على المخترعين والمهندسين الفنيين ، ومن وراء هؤلاء جميعاً العلماء ورجال الصناعة والعمال المهرة، والفلاحون منتجو الغذاء.
وبجانب تحديث التعليم، وإدخال مناهج البحث العلمي التجريبي فيه من المدرسة الابتدائية وحتى الجامعة ، تأتي وسيلة العناية بالصحة العامة. فمما لا شك فيه أن القوات المسلحة – لكي تؤدي دورها في حماية الأمن القومي – ينبغي ألا تقبل في صفوفها غير الشباب من المواطنين الأصحاء الخاليين من الأمراض المزمنة والمستوطنة. وبالتوازي فإن وزارة الصحة عليها أن تسهر ليل نهار حتى لا يبقى مواطن واحد بعيدا ً عن الرعاية الصحية الفعالة ، اللائقة بدولة في عراقة مصر .
منذ أعوام قليلة انفجرت( فجأة ) قضية مياه الشرب ، والحق أن كلمة فجأة هذه غير دقيقة ، فلا ريب أن ما حدث وقتها – والخشية أن سوف يتكرر – جاء في هيئة عطش جائح لقرى بأكملها، جنباً إلى جنب أحياء كثيرة في المدن المصرية ، فجرى حبر مدرار من أقلام لا شك في إخلاصها
( وإن تشككنا في قدرتها على الاستبصار المسبق للكارثة ) خلاصة ذاك الحبر أن ما جرى إنما كان حصاد عقود من الإهمال، وانتفاء الصيانة ، والتلكؤ في إحلال المعدات والماكينات المنتهي عمرها الافتراضي ، وقيل : كلها تجليات لاستشراء الفساد، وغياب المراقبة الشعبية و وضعف الرقابة النيابية ...الخ ، وهي أقوال كان سهلا ً تردادها بعد أن وقعت الواقعة ! ولكن كم قلما ً أعاد سبب هذا كله إلي التحوصل على منظومة للتعليم تنفر من الحداثة، وتستعصي على التحديث ( لأسباب محض أيديولوجية ) هنا قد تبقى أزمة مياه الشرب في حد ذاتها إنذارا ً لا غش فيه ، بالأفدح والأخطر . ولكن يظل الإعراض عن تحديث التعليم أول َ الخطوات إلى القبر المفتوح . وآية ذلك أنه وحتى الأمراض التي سوف تنجم عن شرب مياه غير نقية، قد تتحول إلى أوبئة ( لا تقل عن خطر إنفلوانزا الخنازير والطيور ) والتي قد تعصف بشعب مصر جميعاً؛ إنما هي نتاج وعي جمعي متخلف عن شروط العصر ، تلك الشروط المتمثلة في ضرورة إلغاء كل مظاهر التفرقة بين الناس بسبب الدين أو العقيدة أو اللغة أو الجنس ...الخ . فلقد صار واضحا ً لكل ذي عينين أن في إلغاء تلك المظاهر المتخلفة فتحا لفضاء لا حدود له ، يجدد فيه الرجال والنساء ، من كل الأديان والعقائد والمذاهب ، طاقاتهم البشرية ، مستثمرين مواهبهم الطبيعية في إيجاد الحلول الخلاقة لكل أزمة وكل مشكلة .
بغير هذا ، فالكوارث التي تهددنا اليوم بما هي وجود بالإمكان Potential لا ريب ستصبح موجودة بالفعل . وقتها ، إن أزفت الآزفة ، لا قدر الله ، فإن الكلام أيا كان ، سوف يغدو قصائد ندم ، ولات حين! وقتها أيضاً – لا قدر الله – لن تكون ثمة جدوى من لجوء " المثقفين " إلى رشق بعضهم البعض بمياه المجاري ( إن وجدت) بل ولن تجدي حتى محاولات المفكرين " الاستراتيجيين" الربط بين الأمن الخارجي والأمن الداخلى. فالأمن لا يبحث عنه إلا الأحياء.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغارديان تكشف نقاط ضعف في استراتيجية الحرب الإسرائيلية


.. تراجع مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين للمرة الثانية




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح


.. مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام -الع




.. ديفيد كاميرون: بريطانيا لا تعتزم متابعة وقف بيع الأسلحة لإسر