الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توازن قلق

عبدالوهاب عزاوي

2009 / 5 / 8
الادب والفن



وسط الزحام.. كذبٌ باهتٌ، وعيونٌ ضيقة.. غائمة.. يائسة.. مترقبة، عنفٌ متجذرٌ في الهواء والمسام، عنفٌ موروثٌ وآخر بطلاءٍ حداثي. وسط هذا الجنون تبدأ الروح بالدفاع والصراخ كدمعةٍ تخترق المطرقة.. فوضى عارمة ثوانٍ معدودةً.. وخيار وحيدٌ للنهاية.
يتكرر الصراع مراتٍ عدة حتى تصل الأمور إلى توازنٍ مؤقت.. ككل الكائنات.. هدنةٌ بأقل خسارةٍ ممكنة، وعالمٌ داخلي يتورم، يحتاج الكثير من الجهد لتعريته وكشفه، وتتولد عدة آليات دفاع داخلية مادام المجتمع مكبل والحراك فيه محاصر.

إحدى أقدم آلياتي في الدفاع هي الاستيقاظ فجراً قبل خروجي للعمل محملاً بالنعاس وبقايا الأرق، أعد كوب قهوة، ولا أفعل أي شيءٍ غير سماع الموسيقى، والصحو على مهلٍ وأنا أتشربها.. أحاول أن أصغي إلى كل آلة على حدة.. ولصق قدر المستطاع منها في الروح، وبهذا أضمن أني سأمتلك ساعةً ونصف من الإنسانية أواسي نفسي بها في بقية النهار الرديء.

من الآليات اللاحقة.. تطوير مقدرتي على التقاط الجمال وأقصد هنا الجمال باعتباره طاقةً حسيةً كامنةً نعيد إنتاجها ولا نقف عند حدود التأثر بها فقط، وبهذا المعنى قد يكون الجمال مؤلماً.. مراً.. لاسعاً.. ساخراً.. وآسراً وليس جمالاً تقليدياً فقط، ولعل الأمر يحتاج لتدريبٍ طويل نسبياً، ومن ذلك النباتات والإشنيات في بقايا بردى.. الغربان الكالحة فوق متحف دمشق تتحرك كالوشم.. لمعة العيون القلقة.. ضوءٌ يتسرب من نافذة السرفيس والغبار يطفو كروحٍ ما.. المكياج الفاقع لامرأةٍ في أواخر الأربعينات.. الحياة بتفاصيلَ صغيرةٍ فيها أتمنى أن ألتقط لها صوراً فوتوغرافية لتوثيقها.

وأحدث آليات الدفاع هذه اعتباري للأشخاص والأحداث المزعجة التي أعيشها يومياً مجرد ذكريات.. ذكرياتٍ قادمة أراها الآن ولي أن أفردها بعد سنوات قليلة وأنتقي أو أرمي منها ما أشاء. قد تبدو الفكرة غبيةً ومؤلمةً للوهلة الأولى، لكن لو تأملناها قليلاً لوجدنا أنها تمنح الأشياء والأشخاص أبعاداً وقيماً مختلفةً، كما تتحول الذاكرة هنا لكائنٍ فاعلٍ وغير موضوعي قد يجعل من تفصيلٍ صغيرٍ شيئاً عظيماً بغض النظر عن أهميته أو تأثيره في الحياة، وبالتالي يتغير ميزان قوى الأشياء لتصبح الذاكرة نوعاً من الفعل المقاوم، طريقة أخرى للدفاع عن عالمك الداخلي وبقايا إنسانيتك واللعبة تستمر.. صراعاتٌ قديمةٌ وجديدةٌ على أساس إعادة إنتاج القمع والسلطة ضمن هرمٍ فاسدٍ فساداً منظماً تشكل فيه كفردٍ مجرد حجرٍ صغيٍر، ورغم طاقتك الفردية العالية على الصدام والمقاومة فهي تخسر تدريجياً خاصة أنك تدرك أن الأمر يحتاج عملاً مؤسسياً أو بالحد الأدنى تقاليد عملٍ جماعي حرٍّ.. وللأسف هذا ضعيف جداً في وعي المجتمع، وبالتالي تعود المرارة تحت الأضراس والكآبة المقنعة وآليات التأقلم بانتظار شرطٍ أفضل لتتخذ أشكالاً أخرى.
شاعر سوري

عن مجلة من وإلى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقد قران الفنانة جميلة عوض على المونتير ا?حمد حافظ


.. -تعالوا واكتشفوا الجزائر-.. خطة لتطوير المواقع التاريخية وال




.. نصيحة من الفنان العراقي علي جاسم لشذى حسّون... -وشو بتريد أن


.. الفنان محيي إسماعيل يقدم نصيحة لمذيعة صباح العربية




.. أسباب ابتعاد الفنان محيي إسماعيل عن التمثيل المسرح