الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعاقات العمل الوطني الديمقراطي المشترك

مفيد ديوب

2004 / 4 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


بعد أن شاهدت سورية مؤخرا هامش بسيط من الحريات في التعبير و لوحظ تخفيف
شدة القبضة الأمنية على المجتمع تداعت الشخصيات الوطنية و بقايا أحزاب
المعارضة إلى جلسات الحوار و طرح الأسئلة و من ثم تشكلت المنتديات الثقافية و
السياسية دون حتى أن تحصل على التراخيص كان هناك ما سمي( جوع) إلى ممارسة
السياسة و إلى الحوار و إلى البحث عن إجابات على الأسئلة0 و على القلق
المعرفي لكن الفرحة لم تتم, و حصل ما كان يخشى منه المظلومون في عالمنا
العربي, حيث يتوقعون الكارثة في أشد ساعات فرحهم و في أجمل لحظات ضحكهم,
فسيستكثرون على أنفسهم حتى الضحكات الاستثنائية النادرة و يختمونها بكثير من
الخشية " الله يجيب العواقب سليمة " أو " عسى أن تمضي على خير" 000 و أغلقت
الأندية و اعتقل المثقفون العشرة و حوكموا بمحاكمة استثنائية و جرّموا
بعقوبة شديدة00 لكن ذلك لم يمنع من لاستمرار بأشكال أخرى , و إن تسبب ذلك
الإجراء القمعي بارتكاسات و عودة حذرة 000
هذه الحوارات التي تمّت و تلك المراجعات التي حصلت, و البحث بآليات صحيحة
عبر الحوارات و المحاضرات عن اجابات على المشكلات الكبيرة ساهمت إلى حد
كبير في ارتقاء في الوعي بمختلف المجالات , و ساهمت إلى حد بسيط بفتح زاوية
الرؤية إلى الآخر المختلف, بعد أن كانت الزاوية مغلقة تماما
و كان الوعي السائد متوافقا مع الثقافة المعممة منذ قرون طويلة, و هو
إلغاء الآخر المختلف و تكفيره0
انتقل الجميع بعد أن أوصلهم وعيهم " المفوّت" في جميع الحقول إلى الحائط00
انتقلوا إلى وعي أهمية الحريات و الديموقراطية و إعادة الاعتبار لهما و
إعطائهما الأولوية في المهام السياسية و في الخطاب السياسي و الفكري, مع
الاحتفاظ كل منهم لنفسه ببعض الخصوصيات التي لها جذور في الاتجاهات
الأيديولوجية السابقة القومية - الإسلامية - الماركسية 000
إلا أنه بالرغم من التوافق على أهمية الديموقراطية و إعطائها الأولوية
و توصيفها بالمهمة المفتاحية إلا أنه ما يزال كل من تلك الاتجاهات
المعارضة للنظام الرسمي يقف من الآخر موقف لا يمت بأي صلة إلى هذه التوافقات 00
الحذر الشديد من الآخر 00 تسجيل الملاحظات و المواقف00 ممانعات ليس لها
مبرر تجاه أي دعوات للتعاون و التنسيق أو التحالف, بالرغم من تبني هذه
الدعوات لكن مع اتهام الآخر بالتقصير في هذا المجال مع تحميله مسؤولية الإعاقة و
إعفاء النفس من مسؤولية ذلك, و يصل الأمر أحيانا إلى حد توجيّه الاتهامات
بخصوص هذا الموقف أو الحدث, بحيث يؤدي كل ذلك إلى إعاقة العمل المشترك أو
الوصول به إلى حالة الشلل0
و هنا يندرج السؤال التالي بالحاح :
ما هي الأسباب الفعلية وراء ممانعات العمل المشترك الوطني الديموقراطي
خاصة بعد أن تم الإجماع على المهام المتعلقة بالحقل السياسي ( الديموقراطية )
؟!
أ?- من الملاحظ أن الذين عادوا إلى ممارسة السياسة في ساحة العمل الوطني
الديموقراطي المعارض للنظام الرسمي الحالي هم في سن قارب الخمسينات أو زاد
من العمر0 و إن الجيل الشاب غائب عن هذا الميدان لأسباب كثيرة ليس المجال
هنا لذكرها, و أن هذا الجيل المعمر ما يزال متشبث بموروثة الثقافي القديم
الذي سبق الإشارة إليه و هو منطق إلغاء الآخر المختلف 0 و ليس بالأمر
اليسير و السهل على هذا الجيل ذو الخصوصية الثقافية و التاريخية إجراء قطيعة
معرفيّة مع ذاك الموروث0 و بالوقت ذاته إجراء مصالحة مع الوعي الجديد
بالمهمة الجديدة 0 و هذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الممانعة ستبقى في حقل
الممارسة إلى أن تفرض الأحداث شروطها القاسية على أولئك الساسة بضرورة ممارسة
العمل المشترك
ب?- إن ذاك الجيل من الساسة ينتمي إلى مرحلة العمل السري ذو الطابع المغلق
العصبوي الذي فرضه واقع العنف المطّبق عليه من قبل السلطة, والذي مورس ضده
بأعنف الأشكال, حيث شمل أغلب ذلك الجيل و كواهم بنار السجن الطويل و
عذاباته, مما جعل ذلك الرّهاب يحتل مساحة مهمة من الوعي و الذاكرة, و يرخي
بظلاله الثقيلة على أي موقف أو سلوك يخص مسألة العمل المشترك الديموقراطي ذو
الطابع العلني المكشوف و ما يترتب عليه 00 و ما يعزز ذلك الرهّاب الذي حصلت
تفاصيله في الماضي,هذا الحاضر الذي لم يحمل معه ضمانات بعدم عودته ثانية و
إن بدرجات أقل شدّة مما حصل في المرحلة السابقة0 مع تأكّد احتمال أن هذة
السلطة غير جادة و غير قادرة على إعادة إنتاج نفسها عبر بوابة الإصلاح
السياسي الذي يؤسس الضمانات القانونية لممارسة الحريات و ممارسة السياسة دون
أي مخاوف من العودة إلى الماضي 0
ت?- إن ممارسة السياسة في بلادنا في المراحل السابقة ترافقت بهيمنة مفاهيم
وآليات عمل خاطئة ,وما تزال قائمة إلى اليوم ,وأهم تلك الأخطاء التي أساءت
إلى السياسة وشوّهت سمعتها ,وأفشلت نتائجها وبدّدت الجهود الكبيرة التي
بذلت في هذا الميدان هي :
1 ــ تداخل السياسة مع الأيديولوجيا ,وابتلاع هذه الأخيرة للسياسة مما أدى
على خندقة القوى السياسية في خنادقها الأيديولوجية ,ومن ثم بروز التنافس
والتنازع والصراع في العلاقات فيما بين بعضها البعض ,وغياب تام لأبسط
أشكال التعاون والتنسيق0
2 ــ في الوقت الذي تقتضي الممارسة الصحيحة للسياسة التفتيش على المشتركات
بين الأفراد والمجموعات والأحزاب ,وتوسيع قاعدة هذه المشتركات ,وإقصاء
جانبا المسائل المختلف عليها إلى المراحل اللاحقة التي تلحّ حينها عليها
الحياة والضرورة, على إعادة مناقشتها وممارستها,كان العمل السياسي يتسم بغياب
هذه القاعدة الأساسية ,بل بالعكس كان يتم التفتيش على المختلفات وعناصر
التمايّز عن الآخر والتركيز عليها وتعميقها, والأخذ بها ذريعة للابتعاد عن
الطرف أو الأطراف الأخرى ,واعتماد التمايز عنصرا مبرّرا لشرعية الوجود
والعمل0
3 ــ تقتضي ممارسة السياسة أيضا وضع الأسس الصحيحة لإدارة الاختلاف
,وإدارة الاتفاق أيضا ,وهذا ما لم تعهده ثقافتنا في أي من مراحلها ولم تمارسه
شعوبنا في أي حقبة ,سوى على شكل "ومضات " نادرة ,مم جعل سياسيونا المعاصرون
لا يجيدون وضع هذا المفهوم موضع الاهتمام والتطبيق ,وعلية فهم يجدون
أنفسهم اليوم في غربة متبادلة عن هذه القاعدة ,وعن إيجاد الآليات والسبل التي
تجعلهم شركاء في مهمات متفق عليها0 وبالوقت ذاته يحترمون باقي الاختلافات
الأخرى مع الآخر بصفتها خصوصية من حقه الاحتفاظ بها 0
4 ــ لم تمارس السياسة في بلادنا بوصفها تعبيرا عن حاجة الذات الإنسانية
00 بوصفها وعيا كاملا وتفصيليا بالحقوق, التي تبدأ من حقوق المواطنة
البسيطة وصولا إلى المشاركة بصنع السلطة,بل مورست السياسة بوصفها تنافس بين
مشاريع وأيديولوجيات كبرى ,تنتمي ـ من حيث الدافع ـ بصلة أقوى إلى الإحساس
بالهزائم والانتكاسات ,ووعي بدئي بالتخلف ,وعقدة النقص بالدونية والإحباط
تجاه الغرب المتحضّر ,أكثر ما تنتمي إلى الاحتياجات الحقيقية أو حتى إلى
مضامين الشعارات المطروحة 0
لقد تشّكلت الأحزاب كتعبيرات مباشرة أو غير مباشرة عن تلك الأزمات ولم
تنشأ بصفتها تضم جماعات تعي الحقوق المنقوصة لأفرادها وتسعى لتحقيقها,وبذلك
غابت الشروط الموضوعية والتي هي مشتركة لأغلب أحزاب المعارضة ,وحضرت عوضا
عنها خصوصيات تخص كل مجموعة ونالت الأولوية في الاهتمام والعلاقات ,لذلك
أصبحت هذه الخصوصيات تعيق إلى حد مهم العمل المشترك 0
ونظرا للإعاقات الكثيرة يتوجب على العاملين في الحقل السياسي الوطني
الديمقراطي وضع هذه الإعاقات وغيرها على مشرحة التمحيص والنقد وتجاوزها,
والانتقال إلى ميدان إيجاد المشتركات وتفعيلها ومنحها الأهمية التي تفرضها
الضرورات والتحديات الكبيرة ,قبل أن تصل الرؤوس إلى الحائط 00وربما يكون
اصطدامها به هذه المرّة كفيلا بتحطيمها 0 عندها لن تفيد المناحات على الفرص
الضائعة 000

مفيد ديوب 16/4/2004









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي