الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة رجال الأعمال تكشف أنيابها في زمن الأزمة

رمضان متولي

2009 / 5 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قامت الحكومة المصرية بتخفيض العلاوة الاجتماعية للعاملين بالدولة والقطاع العام إلى 5% من 30% في موازنة العام المقبل، وفقا لما نشرته جريدة "المصري اليوم" يوم الخميس الماضي، وعزت قرارها إلى تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري، وانخفاض حصيلة الضرائب وإيرادات قناة السويس، وزيادة العجز في الموازنة العامة.

هكذا تبجحت الحكومة بالأزمة العالمية، وانتهزت الفرصة للهجوم على مستحقات العمال والموظفين الفقراء، وتحججت برغبتها في عدم زيادة عجز الموازنة في العام المقبل عن 100 مليار جنيه لتقوم بتخفيض الإنفاق على العلاوة الاجتماعية التي يحصل عليها أشد الناس فقرا في مصر، بدلا من زيادة إيرادات الموازنة عن طريق تخفيض المزايا الضريبية والجمركية التي يحصل عليها أكثر الناس ثراءا في البلاد.

هذا الموقف في حد ذاته يعتبر تكذيبا صريحا وقويا لادعاءات رئيس الوزراء السابقة عندما قال إن حكومته ليست حكومة لرجال الأعمال. فالحكومة التي يرأسها هي نفسها الحكومة التي قامت بتخفيض الضرائب على الأغنياء ورجال الأعمال إلى 20% كحد أقصى من أجل زيادة أرباحهم وتعظيم ثروتهم، وهي نفسها الحكومة التي تقوم حاليا بتخفيض العلاوة الاجتماعية على الأجور الزهيدة والتافهة التي يحصل عليها الفقراء من الموظفين والعمال بهذه النسبة الكبيرة بحجة انخفاض إيرادات الموازنة العامة وزيادة العجز.


بل إن حكومة نظيف في هذا الموقف كانت أشد وحشية وقسوة من حكومات دول رأسمالية عتيدة في تبنيها لاقتصاد السوق وحماية رجال الأعمال، وكانت أشد تبجحا في هجومها على الفقراء من مجموعة كبيرة من الدول تشمل دولا متقدمة وأخرى نامية في أنحاء العالم. فقد أعلنت بريطانيا أنها ستقوم بزيادة الحد الأعلى لضريبة الدخل إلى 50% على الشريحة التي يتجاوز دخلها السنوي 150 ألف جنيه استرليني بداية من العام المالي الجديد الذي يبدأ في أبريل 2010، وإلغاء جميع الإعفاءات الضريبية للأشخاص الذين يتجاوز دخلهم 100 ألف جنيه سنويا.

موقف بريطانيا لم يكن فريدا من نوعه، حيث يصل الحد الأعلى للضريبة على الدخل في ألمانيا حاليا إلى 45% ويطالب السياسيون هناك بزيادة هذا الحد إلى 47% في الموازنة الجديدة. وفي فرنسا يصل الحد الأعلى للضريبة إلى 50% ولم تتوقف المطالب السياسية عن زيادته من أجل تمويل الإنفاق العام لتجاوز الأزمة الاقتصادية. نفس الضغوط نحو زيادة الضرائب على الأثرياء تتزايد في الولايات المتحدة، وأيرلندا والدنمارك والمجر.

إن تمويل برامج الإنفاق العام التي تهدف إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية لابد أن يوجه إلى الشرائح الاجتماعية التي يرجح أن تقوم بإنفاق دخولها لتنشيط الطلب الكلي في الاقتصاد وليس نحو الشرائح التي يرجح قيامها بتحويل الأموال للخارج أو اختزان هذه الأموال في عقارات أو سندات أو سبائك ذهبية، خاصة وأن بلادنا لديها تاريخ حافل في تهريب رجال الأعمال للأموال خارج الحدود.

وعلاوة على المبررات الاقتصادية القوية لزيادة دخول الفقراء وزيادة الضرائب على الأغنياء من أجل تنشيط الطلب في الاقتصاد وتمويل برامج الإنفاق العام على مشروعات البنية الأساسية، هناك مبررات أخلاقية لعدم تحميل الفقراء عبء الأزمة أكثر مما تحملوا وزيادة الأعباء الضريبية على الأغنياء لتحقيق درجة ولو بسيطة من العدالة الاجتماعية.

في ظل هذه الحكومة وبسبب سياساتها المنحازة للأغنياء، كانت نتائج فترة الرخاء الاقتصادي القصيرة ظهور عدد محدود من رجال الأعمال يملكون المليارات من الجنيهات بينما تزايدت معدلات الفقر وانهارت الخدمات العامة لأن الفقراء لم يستفيدوا من الانتعاش الذي صب كل فوائضه في جيوب الأغنياء وأدى إلى زيادة أسعار السلع الأساسية التي يستهلكها الفقراء مما ترتب عليه تدهور مستوى معيشتهم.


ليس من العدل ولا الحكمة تخفيض العلاوة الاجتماعية، بينما تنخفض معدلات الضرائب على الأغنياء في مصر إلى مستويات قياسية مقارنة بدول العالم الأخرى. وليس من العدل ولا الحكمة أن تخصص الحكومة أموالا للإنفاق العام توجه إلى فتح فرص للأثرياء وأصحاب الشركات لتعظيم أرباحهم بينما تقوم بتخفيض أجور العمال وعلاواتهم بدعوى الحفاظ على التوظيف – الذي توقفت عنه بالفعل منذ سنوات وكل ما تردده بشأنه مجرد أكاذيب – وبدعوى عجز الموازنة الناتج أساسا عن المزايا التي تقدمها لرجال الأعمال. وليس من العدل أن يتحمل الفقراء ضغوط الزيادة في معدلات التضخم وأسعار السلع الأساسية في أوقات رخاء الأغنياء، ثم يتحملوا تكلفة الأعباء الحكومية المخصصة لخروج هؤلاء الأغنياء والحكومة من الأزمة التي صنعوها، ولا يتحمل الأغنياء خصم مليم واحد من أرباح كدسوها قبل ذلك من مزايا لا حق لهم فيها.


هذا الانحياز الصارخ لرجال الأعمال يصاحبه انحياز أشد قسوة وأكثر دناءة من قبل الحكومة المصرية لأصدقائها الأجانب، وخاصة إسرائيل، التي تصر الحكومة على تصدير الغاز الطبيعي إليها بأسعار أقل من أسعاره العالمية، متجاهلة بذلك موقف الشعب المصري الرافض لتصدير هذه السلعة إلى الكيان الصهيوني ومعاناة هذا الشعب من نقص موارده بسبب الأزمة العالمية.

وأخيرا، لا ينبغي علينا أن نشكوا إلى الحكومة همنا ومعاناتنا من ظلمها، بل ينبغي علينا أن نواجه هذا الظلم، وأن نطالب بحقوقنا المنهوبة، وليتحملوا هم تكلفة الأزمات التي صنعوها بسياساتهم المعادية لأغلبية الشعب المصري، وهذه المواجهة ليست ممكنة فحسب وإنما أيضا ضرورية لينتهي عصر حكومات "الشلل" والفساد ومراكز القوى.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي