الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حل الدولتين مفتاح السلم ام مفتاح الحرب؟

فاطمه قاسم

2009 / 5 / 9
القضية الفلسطينية


مفاوضات كامب ديفيد الثانية، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي كانت ترعاها الإدارة الأميركية الديمقراطية برئاسة بل كلينتون، كان محورها الرئيسي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، دولة متصلة جغرافياً في الضفة الغربية، في حدود الرابع من حزيران عام 1967، مع تعديلات طفيفة جداً في الحدود، تعديلات متكافئة، وكان تركيزها الأصلي على زيادة مساحة قطاع غزة بما يضاعف مساحته الحالية أو أكثر قليلاً بأراضي من النقب الغربي، وبترتيبات لممرات آمنة مع الضفة الغربية تحت إشراف دولي.
مفاوضات كامب ديفيد الثانية، كانت امتداد لمفاوضات إعلان المبادئ المشهور باسم اتفاق أوسلو، وقد شارك في تلك المفاوضات ثلاث إدارات إسرائيلية، واحدة برئاسة الجنرال اسحق رابين الذي قتل في مطلع شهر نوفمبر عام 1995، وكان ذلك بداية انهيار العملية السلمية، لأن اليمين الإسرائيلي فعلها وقام بقتل شريك الفلسطينيين الذي وقع معهم اتفاق أوسلو " اتفاق إعلان المبادئ" الذي قامت بموجبه أول سلطة وطنية فلسطينية فوق ارض فلسطين، ثم تواصلت المفاوضات مع شمعون بيريز " الرئيس الإسرائيلي الحالي" الذي هرب إلى التصعيد في جنوب لبنان فوقعت مجزرة قانا، ثم جاء نتنياهو وكانت عملية السلام قد انهارت بشكل كبير، ولم يستطع الرئيس كلينتون وقتها أن يعيد عملية السلام، فاكتفى مساعدوه بتوجيه اللوم إلى الرئيس عرفات الذي حاول أن يواجه الجنرال شارون الذي كان يندفع بقوة هائلة لاستلام السلطة في إسرائيل،فوقعت أحداث الأقصى، وجرى إعادة احتلال الضفة الغربية، وحوصر الرئيس عرفات حتى الموت أو القتل بالسم، واستمرت القطيعة الفلسطينية الإسرائيلية بدعوى أنه لا يوجد شريك فلسطيني إلى أن جاءت الإدارة الأمريكية الجمهورية برئاسة جورج بوش، وكانت ولايتها الأولى منهمكة بالكامل بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وذهبت بجيوشها على أفغانستان والعراق دون أن تفهم مركزية القضية الفلسطينية في هذه المنطقة، ثم عادت في ولايتها الثانية لتعترف بمركزية القضية الفلسطينية، وتطرح فكرة الدولتين من جديد، وهذه هي التركة التي تسلمها الرئيس باراك أوباما على رأس إدارته الديمقراطية الجديدة، تركة رؤية الدولتين والأزمة المالية الطاحنة، وحروب لا تنتهي في العراق وأفغانستان، وانجراف خطير في الوضع الداخلي الباكستاني، و بانوراما مقلقة جداً في الوضع الفلسطيني وما حوله في المنطقة، وسمعة سيئة جداً لأميركا بأنها الوسيط غير النزيه المحاط بأكبر قدر من الكراهية.
وهنا يطرأ سؤال:
هل حل الدولتين ممكن؟
هل من الممكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام على جانب دولة إسرائيل؟
يخيل إلي شخصياً أن كثرة الحديث عن موضوع معين من قبل الجميع لا يجعله أمراً سهلاً، تماما مثلما يتحدث الجميع عن عالم خال من الأسلحة النووية فيزداد التنافس على امتلاك هذه الأسلحة، أو يتحدث الجميع عن حوار الحضارات فنرى تصادماً مأساويا يصل ذروته، أو تحقيق الديمقراطية، أو توسيع مساحة حقوق الإنسان، فنرى العكس هو الذي يتحقق بأشكال محزنة ومؤلمة.
والسبب وراء هذه الفجوة المخيفة بين القول والفعل، أن النفاق في العلاقات الدولية هو عنصر أساسي مستمر، وأن مفردات المجتمع الدولي تريد في معظم الأحيان المشاركة الشكلية في مشاكل العالم ولكن دون مسؤولية محددة، بل إن المجتمع الدولي وقواه المتنفذة تدير حملات علاقات عامة ولا تنتبه إلى تراكمات الواقع وأين تسير هذه التراكمات فعلا إذا حدث أن تراكمات الواقع أصبحت تشكل خطراً عليها.
لنأخذ مثلاً على ذلك:
اتفاق أوسلو، اتفاق إعلان المبادئ، الذي جرى التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول عام 1993، في احتفالية دعي إليها الجميع، احتفالية مبهرة أكثر كثيراً من احتفالات توزيع جوائز الأوسكار في السينما العالمية.
المسألة الجوهرية في ذلك الاتفاق التاريخي، هو الأرض، مساحة الأرض التي سينشأ فوقها الكيان الفلسطيني، الأرض بمساحتها أولاً، بوحدتها الجغرافية ثانياً، بمياهها ومصادرها الطبيعية ثالثاً، بحدودها رابعاً، بمجالها الاقتصادي خامساً، وأمنها المتبادل مع جيرانها سادساً، بمفهوم التعايش والتطور بينها وبين الدولة المجاورة لها أي إسرائيل، وهل هذا التعايش قائم على مفهوم القبول النهائي أم المراوغة؟
وحين نراقب ماحدث:
فإننا نرى أن الأرض، مساحة الأرض، المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية الوليدة الجديدة، تفقد ثباتها الجيوسياسي ولو بالحد الأدنى، مساحة الأرض هذه، هي الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، والتي خضعت منذ البداية لثلاث أشكال قانونية، المنطقة A ، المنطقة B ، المنطقة C ، وليس هذا فقط بل إن مساحة الأرض هذه أديرت الحياة فيها من قبل الإسرائيليين لجعلها تبدو مثل الجزر الغريبة في حكايات الأساطير، ، مهددة بين وقت وآخر بالزوال ،أما القوى داخل إسرائيل التي وقعت معنا الاتفاق فقد تصرفت وكأنها نادمة أو غير قادرة عن الدفاع عن هذا الاتفاق، والدولة الكبرى والقطب الكبير الراعية لهذا الاتفاق وهي الولايات المتحدة تبدو وكأنها سحبت يدها أو عاجزة عن رعاية هذا الاتفاق.
كما أنه تحت سقف التمهيد لولادة الدولة الفلسطينية، نضاعف الاستيطان بنسبة أعلى من كل ما تذكره حتى التقارير غير المتفائلة، وتطورت بنية إسرائيل الداخلية إلى الحد أن هؤلاء المستوطنين أصبحوا القوة رقم واحد في إسرائيل وأن الجيش الإسرائيلي هو جيشهم وليس جيش دولة إسرائيل، وهذا التعبير ليس من عندي ولكنه من عند مراكز أبحاث إسرائيلية ليست صديقة للفلسطينيين، بل إن الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي الهش جداً، تم التعامل معه إسرائيليا ضمن مفهوم المراوغة والتصيد، أي انتظار أية فرصة مناسبة لتقويضه أو تفسيره بمنطق معاكس، فبينما كنا نتحدث عن عودة عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على مدنهم وقراهم وأرضهم التي طردوا منها داخل الخط الأخضر، أصبحنا أمام وقائع يومية بطرد آلاف المقدسيين من أرضهم، وتهديدات بطرد المليون ونصف المليون فلسطيني من مواطني إسرائيل، وأصبح الجدل يدور في علم السياسة الإسرائيلية عن معنى الدولة اليهودية، هل تعني دولة تستمر قوانينها حول أحادية القومية بحقوق اقل للآخرين أم تطهير هذه الدولة نهائياً من غير اليهود؟
ما أريد الوصول إليه من هذا السرد المسهب والممل بعض الشيء، أن النشيد الآن للعودة على حل الدولتين لا قيمة له على الإطلاق إذا جرى بنفس الإيقاع السابق، أي حديث متكرر ومطول عن حل الدولتينن، بينما القاعدة الرئيسية لهذا الحل، أي الأرض ، تتآكل بشكل نهائي.
لهذا لا بد من نريد تحديد نقطة البدء، من أين نبدأ، من جغرافيا محددة بشكل نهائي، وأن هذه المساحة من الأرض لن نجدها منقوصة ومقطعة الأوصال في صباح اليوم التالي، مثل وقف الاستيطان، وقف قرارات هدم البيوت، وطرد المقدسيين، وتوسيع مساحة القدس إلى ما لا نهاية، ووقف الاجتياحات، وعمليات التدمير المستمرة سواء للبيوت أو للأرض عبر تجريفها، الحل ونقيضه لا يمكن أن يسيرا معاً، ما هي حدود الامن الإسرائيلي؟، ما هي حدود الأمن الفلسطيني؟، وهذا ما يجب أن يقوم به الوسيط الامريكي،لأنه حتى الوسيط في القضاء العشائري يطلب من الطرفين في مهلة محددة عدم الاعتداء على بعضهما، أما القول بأن على الطرفين أن يبادرا إلى هذا وذلك فهو قول مثير للسخرية، لأن أحد الطرفين قوي ومعربد، وهو الذي يملك تمرير الأمور، لا بد من نقطة بداية جديدة، ليس على طريقة انابوليس، فنحن في انابوليس ناقشنا كل شيء،بصراحة متناهية، ولكن الأشياء التي ناقشناها بإجادة أصبحت الآن في خبر كان، تناقشنا، وتفاوضنا، ثم وجدنا أن حي البستان في سلواد قد هدم، والمئات من أهل القدس فقدوا هوياتهم، والخطة الأمنية في جنين التي نفذتها السلطة الوطنية بإتقان عدلها الإسرائيليون على طريقتهم.
نريد انطلاقة جديدة، على خارطة محددة، ثم نتقدم كل يوم إلى الأمام بشكل محدد، برعاية أمريكية حقيقية، تشرف على التفاصيل، وتحمي هذه الاتفاقية، ومجتمع دولي يقوم بخطوات محددة، لأنه إذا بقيت إسرائيل مستثناة من كل شيء، فقد نجد أنفسنا بعد سنة أو سنتين نتفاوض على حل الدولتين ولكن خارج حدود فلسطين التاريخية.
هذا ما يجب أن يقال، لأن السياسة الدولية مثل الغابة، إذا لم يكن معك الدليل، فقد تتوه إلى الأبد، وانظروا مثلاً، كنا نتفاوض على ممرات آمنة بيننا وبين الإسرائيليين، ونحن نتفاوض الآن بطريقة مثيرة للحزن والضحك على ممرات آمنة فلسطينياً بين شطري الوطن الفلسطيني.
ومن يعلم ؟ هل نبقى بهذه الحالة إذا استمرت الأمور تتم بهذه الطريقة.
من حق الفلسطينيين الترحيب والتمسك بكل فرصة ،وبكل أمل ،ورؤية جميلة ،ولكن عليهم الحذر من أن يتحولوا إلى مجرد صكوك براءة للآخرين إن كانوا عربا أو مسلمين و حتى المجتمع الإقليمي والدولي ،الذين تثقل ضمائرهم الخطيئة التي ارتكبها بعضهم والبعض الأخر من الذين تثقل ضمائرهم خطيئة التقصير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جيد ولكن
صلاح يوسف ( 2009 / 5 / 9 - 00:22 )
توقعت أن تتوصل الكاتبة إلى نهاية منطقية للأحداث على الأرض وهي أن حل الدولتين قد تبخر على أرض الواقع ولم يتبق اراض يمكن أن تقام عليها دولة فلسطينية علماً بأن 75% من موارد المياه في الضفة الغربية تقع داخل التكتلات الاستطيانية.
أقترح أن على الشعب الفلسطيني نسف فصائل العمل الوطني والإسلامي الفاشلة وأن يفرز قوة فكرية جديدة تعيد صياغة المشروع الوطني على أساس دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها مع عودة كافة اللاجئين إلى أراضيهم الأصلية وليس إلى أراض بديلة.
هل هذا ممكن ؟

اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها