الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حارس مرمى

سعدون محسن ضمد

2009 / 5 / 12
كتابات ساخرة


لم يسمح صديقي لزوجته بمراجعة طبيب مختص بعلاج مرض تعاني منه، وأجبرها بالتالي على الاكتفاء بطبيبة الأمراض النسائية.. فعل ذلك وهو يعلم جيداً بأن مرض زوجته خطيرولا يدخل ضمن اختصاصات الطب النسائي.. المفارقة أن صديقي هذا واحد من الكتاب المهمين، وأنا شخصياً أحرص على قراءة كل كتاباته التي ينشر أغلبها في جريدة الصباح، ولذلك كانت مفاجأتي كبيرة ومحرجة. فأنا الذي أعجبت كثيراً بآرائه المتعلقة بالحداثة والتحضر، وقفت مبهوتاً أمام موقفه ذاك، وصرت ملزماً بمساءلة نفسي، إن كنت أنا الآخر أعاني من ازدواج من نوع ما، بين ما أكتب عنه وأبشر به، وبين ما أطبقه على الأرض.
مشكلة هذا الصديق تكشف أهم عائق (نفسي/ اجتماعي) تعاني منه مشاريع الحداثة والتحضر عندنا، وما حصل معه تحديداً هو ما يرهقنا جميعاً، فكلنا نؤمن بالأفكار ما بقيت أفكاراً. ليس هناك إنسان سوي، ويرفض العناوين العامَّة لحرية المرأة أو حرية المعتقد أو الديمقراطية. نحن لا نعترض على الأفكار، لكن الاعتراض يبدأ مع التطبيق، حيث ينكسر قمقم اللاشعور ويخرج علينا مارد الأعراف والتقاليد. ويبدو عندها الفرق واضحاً بين أن نؤمن بفكرة (حقوق المرأة)، وبين أن نترجم هذه الفكرة إلى استحقاقات تكسر وصايتنا وقيمومتنا على هذه المرأة (زوجة أو أخت أو بنت). فعند هذا الحد نكفر جميعاً بدين الحرية. وننتقل سريعاً بالموضوع من خانة الحقوق إلى خانة العهر، وتصبح المرأة التي تطالب بحقوقها متهمة بهذه التهمة القذرة.
بنفس الطريقة نتعامل ـ نحن جميعاً ـ مع بقية الأفكار. حرية العقيدة، فكرة رائعة بشرط أن تبقى حبيسة العقل، وإلا انقلبت بلحظة واحدة لوحش مخيف، فليس من السهل على أحدنا أن يسمح لأبنه (مثلاً)، في أن يختار ديناً أو مذهباً غير الذي رباه عليه. سيقول له حينها: (لكن الطريق الذي تذهب إليه خاطئ). وهنا تدخل تهمة العهر من جديد.. وينقلب الموضوع من كونه حقاً إلى كونه خطراً. مع أن الموضوع لا يتعلق بالصح أو الخطأ، قدر تعلقه بالحرية، حرية الاختيار..
يخيف الشيعي أن يكون أحد أفراد أسرته سنيا، والعكس صحيح، ولا أحد يعرف السبب.
وحقاً لماذا نخاف من انقلاب الأفكار؟ لهذا السبب انتفضت الشعوب العربية (السنية) ضد الخطر الشيعي (القادم من إيران)، وأنا متأكد بأن أكثر من ثلاثة أرباع المنتفضين يؤمنون بحرية المعتقد، لكن من بعيد، أو دون ضرائب. إيران نفسها التي تستنكر مخاوف العرب من تحركاتها (الشيعية) مستعدة لخنق أي سني يحاول أن يتنفس ملء رئتيه في بلاد فارس.
أن تكتب عن حقوق المرأة يعني أنك مثقف حداثوي أو متنور أو لبرالي حتى، وهذا شيء جميل. لكن أن تسمح لزوجتك بمراجعة الأطباء (الذكور) فهذا يعني بأنك رجل مغفل أو (ديوث) بالأحرى.. إذن التطبيق يختلف عن التفكير. وهذا ما يجب علينا أن نفهمه، أن نفهم بأن للأفكار استحقاقات، وعلينا قبل أن نوجع رؤوس الناس بدعواتنا (الحداثوية)، أن نجرب تطبيقها نحن.
علينا أن نُخرج من رؤوسنا كل بدو الصحراء وملالي الأديان، ممن يختصرون المرأة بجهازها التناسلي، ويدعون بالتالي لحراسة هذا الجهاز بكل حذر وريبة. مثل هؤلاء لن يؤمنوا يوماً بأن المرأة كيان إنساني كامل ومستقل. ولذلك يجب إخراجهم من رؤوسنا أولاً.. علينا أن نتمرد عليهم قبل دعوة المجتمع للكفر بأديانهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل الإحترام والتحية لك
سهام فوزي ( 2009 / 5 / 12 - 07:30 )
سيدي الكريم لماذا العجب فهذا هو حال شريحه واسعه من المثقفين والأكاديميين في هذا المجتمع فهم في مجال حقوق المراة يبيعونك احلي الشعارات وتستمع منهم الي احلي العبارات حتي تصدق انهم مختلفون ونؤمن بهم وتري انهم الأمل ولكن اذا اقتربت من حياتهم الشخصية ستكتشف الحقيقه المره انهم لا يطبقون واحد بالمئه مما ينادون به فالشعار شيئ والتطبيق شيئ اخر ؟،المراة لدي هؤلاء تكون مجرد شيئ امتلكوه فلا يحق ولا يجب ان يشملها ما ينادون به او تعلم امرا اشعر احيانا ان تلك الشعرات التي يطلقوها ما هي الا طعم يرمي لاجتذاب الجمهور النسائي ليس الا


2 - سهام فوزي
سعدون ( 2009 / 5 / 12 - 09:56 )
شكرا على المرور الكريم واخشى ان اكون شعاراتي انا الآخر واكتب من اجل الجمهور، فمن يعلم بحقيقة امراضه وخبايا لاشعوره، لكنني حقا كتبت العمود تحت وطأة مفاجأة فاجأني خلالها صديقي الذي اتصل بي بعد قراءة المقال واعترف بخطأه وانه يحاول بشكل مستمر التخلص من مثل هذه العقد..
شكرا مرة اخرى


3 - من المازوم اذن؟؟؟
انسان ( 2009 / 5 / 12 - 10:13 )
وبناءا عليه فالشكلة مع من يضلل الاخرين و ينادي بما لايفعل وليس مع المتاسلمين الذين يعلنوا جهلهم وحقدهم على الملئ

اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا