الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الاقتصادية من منظور ماركسي

فهد راشد المطيري

2009 / 5 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


قضية الساعة في العالم أجمع هي الأزمة الاقتصادية الراهنة، والتي اشتعلت شرارتها الأولى في سوق الرهن العقاري الأميركي، ثم انتقلت إلى سوق الائتمان العالمي، مؤدية بذلك إلى تساقط بعض المصارف الكبرى حول العالم، ولعل التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون مع بداية الأزمة يكشف عن حجم الكارثة التي يعانيها أنصار «اقتصاد السوق الحرة»، حيث أكد السيد بروان ضرورة الاتفاق على نظام «بريتون وودز» جديد، كما أن بعض الأصوات بدأ يرتفع في الأوساط الاقتصادية حول ضرورة العمل بضريبة «توبن» التي تهدف إلى الحد من المضاربات القصيرة الأجل على العملات. الكارثة، كما يراها المحللون، مازالت في بداياتها، وأريد من خلال هذا المقال أن أستعرض ملامح هذه الكارثة من منظور ماركسي، وسأقتصر على ذكر أهم النقاط التي وردت في تحليل طويل وممتع للمفكر الماركسي آلان وودز.

في مقال له تحت عنوان «الرأسمالية العالمية في أزمة»، يؤكد آلان وودز أن الأزمة الاقتصادية الراهنة تعتبر نتيجة طبيعية لفترة زمنية طويلة اتسمت بعمليات المضاربة من دون رقيب أو حسيب، والمضاربة بدورها أنتجت فقاعة ضخمة انفجرت أخيرا في وجوه المدافعين عن اقتصاد السوق الحرة! أزمة النظام المصرفي، كما يراها «وودز»، ليست سوى محصلة طبيعية لسلسلة من عمليات المضاربة امتدت إلى أكثر من عقدين من الزمن، وأهم أبطالها هم أصحاب المصارف أنفسهم، كما أن أعضاء مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي مسؤولون عن إشعال فتيل الأزمة، فقد دأبوا في السنوات الأخيرة على اتباع سياسة تهدف إلى خفض متعمد لسعر فائدة الأموال الفدرالية، الأمر الذي ساهم في تشجيع البنوك على الاقتراض المتبادل في ما بينها، مما أدى إلى سهولة الحصول على القدر الكافي من المال للاستمرار في عمليات المضاربة. لقد شارك المحتالون الكبار جميعهم في «كرنفال جني الأرباح»، ولم يكترث أحد بحتمية الكارثة!

يرى «وودز» أن السبب وراء إفلاس المصارف يكمن في أن الجزء الأكبر من الأصول لدى هذه المصارف هي عبارة عن أصول وهمية ناتجة عن عمليات احتيال ليس لها مثيل في القطاع المالي، وبينما كانت الأرباح السريعة تتدفق، لم يكثرث أحد بخطورة تلك الأصول، لكن مع حلول الكارثة أصبحت الأصول الوهمية تحت المجهر، فانعدمت بذلك الثقة بين البنوك وتوقفت عمليات شراء الديون في ما بينها، فالشك المتبادل أضحى سيد الموقف، والمحصلة النهائية هي شلل النظام المصرفي الذي تعتمد عليه حركة تنقل رؤوس الأموال!

يعبّر وودز عن اشمئزازه من حجم الظلم المتجذر في النظام الرأسمالي، فعندما كانت المصارف تشهد انتعاشا ووفرة مادية من جرّاء عمليات المضاربة، كان المديرون الكبار يحصلون على عوائد ضخمة في كل عملية ناجحة، بينما لا يحصل الموظفون الصغار إلا على الفتات! في المقابل، عندما عصفت الأزمة المالية بتلك المصارف، فقد الموظفون الصغار وظائفهم من دون الحصول على تعويضات مجزية، بينما استلم الرؤساء الكبار شيكات بمبالغ ضخمة! لكن الأمر المثير للاشمئزاز حقا هو أن تكافىء الحكومات أصحاب المصارف على تهورهم من خلال تعويضهم عن الخسارة من جيب المواطن البسيط!

يسخر «وودز» من الحلول المطروحة للخروج من الأزمة الراهنة، فالذين ينادون الآن بضرورة مراقبة عمل المصارف وتنظيم الحكومات لشؤون الاقتصاد هم أنفسهم من كانوا في الأمس القريب يطالبون بإزالة القيود عن الاقتصاد وتحجيم دور الدولة! يرى وودز أيضا أن التشريعات الحكومية لن تؤدي إلى تنظيم القطاع المصرفي، لأن أصحاب المصارف يملكون ألف طريقة وطريقة للالتفات على التشريعات التنظيمية والرقابية، والطريف في الأمر أن طرق الاحتيال هذه تمارسها الحكومة الأميركية نفسها عندما تضطر إلى محاولة التستر على العجز الحقيقي في الميزانية العامة للدولة!

أخيرا، لعل اعتراضي الوحيد على ما جاء في مقال وودز يكمن في محاولاته المستمرة في إثبات صحة «التنبؤات العلمية الماركسية» حول مصير الرأسمالية، وعلى الرغم من استشهاده ببعض الفقرات من المجلد الثالث لكتاب «رأس المال»، فإن من الحكمة ألاّ نبالغ في قدرة ماركس على الارتقاء بعلم الاقتصاد إلى مرتبة العلوم الطبيعية، وهذه نقطة مهمة تناولها المفكر النمساوي الأصل كارل بوبر في كتابه «The Open Society and Its Enemies»، وقد نتطرق إليها في مقال لاحق.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صيحات فزع تنطلق من حناجر الرأسماليين
السموأل الراجي ( 2009 / 5 / 13 - 00:22 )


إن التاريخ يثبت مرة أخرى صحة تنبؤات ماركس حول الأزمات الرأسمالية وحتمية انهيارها وأثبت الواقع بما لا يدع مجالا للشك نجاح التجربة الاشتراكية بقيادة لينين وستالين حيث وفرت للشعوب الرفاهية والنهضة العلمية وكان الاقتصاد الاشتراكي المخطط في خدمة الطبقة العاملة والجماهير المعدمة وعمت شعوب الاتحاد السوفيتي الطمأنينة إذ نالت حرية تقرير مصيرها. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي صمّ الليبيراليون آذاننا بمقولات -نهاية الاشتراكية- و-نهاية التاريخ- وأعلنوا الرأسمالية نظاما أبديا، غير قابل للتعرض مستقبلا للأزمات والهزات. وكان هذا الانهيار عبارة عن شحنة من الأوكسجين للامبريالية وللاقتصاد النيوليبرالي لكن إلى حين، إذ أن التناقض بين التملك الفردي لوسائل الإنتاج والطابع الاجتماعي للعمل وللإنتاج ما فتئ يحتد وينعكس في تمرد الجياع في كامل المعمورة ضد الفقر والبطالة والتهميش والظلم والعنصرية والعبودية الرأسمالية وعاد الحنين إلى الفترة الاشتراكية، إلى الديمقراطية الشعبية وانعدام الاستغلال الفاحش. لقد فقدت الشعوب الثقة بنمط الإنتاج الرأسمالي ولن تكون الإجراءات وعمليات الإنقاذ والتأميم إلا مخرجا آنيا من الأزمة فما على عمال العالم وطلائعها وأحزابها الماركسية اللينينية إلا العمل على نشر الوعي الاشتراكي لتج

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم