الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد الرنتيسي؟

ناجح شاهين

2004 / 4 / 19
القضية الفلسطينية


حتى وقت قريب كنا ما نزال نقدر على الدعاية للأوهام. أما الآن فلا بد أن واجب الشكر لشارون قد أصبح مستحقاً. فقد نجح الرجل بصراحته السلوكية قبل اللغوية بأن يضعنا مباشرة في مواجهة أوهامنا الساذجة وأكاذيبنا الفجة. لا نستطيع بعد، أن نقول إن شارون يحاول شيئا غير إنجاز الاستسلام الفلسطيني دون قيد أو شرط.
إذن ماذا نفعل لمواجهة الذي يجري، كل الذي يجري؟ فقد سبق اغتيال المناضل البارز الرنتيسي اغتيال أحلام الشعب الفلسطيني عبر ما اصبح يعرف وبسرعة عجيبة بوعد جورج بوش. لقد أوضح بوش دون لبس، أن السلام هو الطريق الذي ينبغي على الفلسطينيين والإسرائيليين انتهاجه. وقد حدد بوش على طريقة شارون في وضوح وصفاء عجيبين محتويات السلام المنشود. وينص على أن يأخذ الفلسطينيون " كل " ما تريد إسرائيل أن تعطيهم، وأن ينبذوا الإرهاب نهائياً، وإلا طردوا من الجنة الأمريكية. وما جزاء من يرفض القبول بالحلوى الأمريكية- الإسرائيلية إلا الموت بتهمة الإرهاب وهو جزء مشروع من مقاومة التطرف الذي يصبح ثابتاً ودامغا بسبب أن أمريكا تعرف الأشياء بنقائضها.
وبما أن أمريكا وكما تقول الكليشهات المكررة هي أصل الخير والحضارة والحرية وهي راعي العالم الحر كله وقيمه وتطلعاته فإن كل من يقف في وجهها أو في وجه حلفائها ومشاريعها ومشاريعهم هو بالضرورة إرهابي أو متطرف أو ما شئتم من أوصاف.
لكن ذلك بالطبع هو من نافلة القول، وقد تفوق فيها الأنجلوسكسون من الفرع الأمريكي على سلفهم من الفرع الإنجليزي تفوقاً ساحقاً يجعل صورة رعاة البقر الشجعان صورة نموذجية يجب أن تعمم ليحاول الاهتداء بهديها كل أنصار الحضارة المعاصرة وأعداء التعصب والإرهاب. وكعينة مما يميز نمط الفرع الأمريكي يستطيع المرء أن يتابع بالعين المجردة الأداء اللافت للولايات المتحدة في العراق السني والشيعي على السواء.
لقد أعادتنا الولايات المتحدة وحلفتها إسرائيل إلى ذكريات بعيدة وإن تكن قريبة في وجوهها المختلفة. إنها ذكريات "سياتل" وبني جلدته من الهنود من اللون الأحمر كما شاء الرجل الأبيض أن يسميهم. لا بد من قتل العباد لتبقى البلاد، بلاد الله، يرثها من شاء من عباده. وهم بالطبع الشعوب المختارة من " يهود " ونخب البيض الأنجلوسكسون البروتستنت ال " واسب " ومن حالفهم أو والاهم، بسبب من مصلحة أو لقاء منفعة، أو حتى ارتزاق بقبضة مال.
لم يعد يساورنا الوهم بأن " الجنوح " للسلم يمكن أن يعطينا شيئا، أي شيء. ولعل علينا اليوم أن نختار لأنفسنا دون تردد ولا حيرة: إما تهم الإرهاب والقتل وإما الاستسلام النهائي التام. أما جائزة الاستسلام فلا تنص اليوم على إعادة أية حقوق: لا أرض ولا لاجئين ولا من يحزنون. إنها تنص فقط على منحنا الحق في سريان دمائنا في عروقنا، تماماً كما تسري في عروق الخراف والحمير والبعوض وسائر المخلوقات.
طبعاً يجب أن لا ننسى أنه كما في كل الظروف المشابهة لا بد من شريحة من الناس تقوم بالتوسط بين الجنس الأزرق وبين أبناء البلاد النجسين. وهذه الفئة ينالها القليل من الفتات، والكثير من الاحتقار( لنذكر هنا كيف تمت مكافأة العقيد الليبي على استسلامه بالكثير من السخرية والإهانات وهو يمثل دولة بل دولة نفطية).
لم يعد بوسع أحد فيما نحسب أن يطالب الناس بضبط النفس من أجل تفويت الفرص على شارون. كان من الممكن قبل الرنتسي وقبل وعد بوش التفكير بأنهم يريدون جرنا إلى ردود فعل يستثمرونها ضدنا. لكن لا نجد اليوم أي شيء يصلح فيه الاستثمار، لقد سقطت بقية ورقة التوت وأخرج" الراعي " الأمريكي لنا لسانه بأجمعه، وقال: موتوا بغيظكم، هذا شارون ولدي الحبيب الذي به سررت. وإن من حقه أن يقتلكم دون إبداء أسباب. كما كان من حقي وحق أجدادي أن نقتل سكان البلاد المسمين بالهنود دون مسوغ إلا وجودهم غير المسوغ في بلاد اخترنا السكن فيها.
علينا الآن أن نحدد بوضوح ما الذي نريده. والحقيقة أن العنوان الذي تحمله هذه الورقة: ماذا بعد استشهاد الرنتيسي ليس موضوعه إسرائيل ونواياها أو شارون ومخططاته. فلم يعد هناك من حاجة لمهارات تحليلية أو تنبؤية لمعرفة ما يريده هؤلاء القوم. إنهم ببساطة يريدون كل شيء. يريدوننا في العراء دون مأكل أو مأوى فما نحن فاعلون؟
سوف نسمع كما دائماً الصيغ الجاهزة ذاته عن ضرورة تعاطي السياسية بوصفها فن الممكن وتعبئة الرأي العام العالمي ومخاطبة ضمير أوروبا وربما أيضاً يمكن أن نجد من يذكر اليسار الإسرائيلي على الرغم من خلو المعاجم من معان لكل المصطلحات الآنفة الذكر. لكن دونما انفعال قد يكون محقاً فاغتيال الرنتيسي كما اغتيال ياسين من قبل وأبي على ي مصطفى من قبل ومن قبل ..الخ ولا أستطيع أن أفتح قائمة الجرائم الإسرائيلية لأن مكانها الإحصاءات المتخصصة فقط فلا مقالة ولا حتى كتاب بالأمكنة التي تتسع لها. دون انفعال على الرغم من كل شيء: من الإحساس الجارح بالمرارة والحزن والمهانة ووعود بمستقبل يخلو من الوطن والكرامة والحرية ويحفل بالذل والاحتلال وبالنهب وبالخراب. لكن علينا أن لا نفقد رؤوسنا ككل الكائنات الإنسانية العاقلة. وعلينا أن نبحث عما يجب أن نفعل باتزان الشعوب الحية وجبروتها وصبرها على المكاره والشدائد.
ألا إن رجالاً كالرنتيسي ممن تمس الحاجة إليهم في مثل هذه اللحظات. فلا بد أن العنوان العام الذي يجب أن نشير إليه هو المقاومة. إن المقاومة فقط هي الطريق الوحيد الذي يفرضه علينا أعداؤنا قبل أصدقائنا. ولا بد من اجتراح كل أشكال المقاومة بغرض إبقاء هذه الأمة على قيد الحياة. ولا بد أن الكثير من الشجاعة والحكمة والصبر هو بعض ما نحتاجه لإكمال المهام العظيمة التي نذر لها شهداؤنا العظام حيواتهم ودماؤهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو