الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حلاّل المشاكل-

جلال القصاب

2009 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ليس سخريةً من عقيدة أحد، ليقيني أنّ الساخر من عقائد الآخرين يُعطيهم إجازة السخرية من عقائده، فضلاً أنها من قلّة العقل والذوق والأخلاق، ولعلمي أنْ لا أحد يتملّك كاملَ الحقيقة.. وإنْ ادّعاها، فوراء أيّ عقيدةٍ شعاعٌ من حقّ، بل لو تبيّنتْ عقيدةً باطلة بكلّها.. فمشاعرُ معتنقيها ونواياهم المتكدّسةُ وراءها هي مشاعر ونوايا حقّ، الهزءُ بها ظُلمٌ.
إنّ مفهوم "حلاّل المشاكل" مغروزٌ بكلّ قلب، ويتمثّل بكلّ شعب، كونه مهوى الأفئدة المتورّطة بحاضرها البائس، وأملاً تُطلقه الروحُ المستشرفةُ غدًا.
لا أعرف الذين يلهجون بأدعية وتوسّلات "حلاّل المشاكل" لمُشكلنا السياسي والأمني والاقتصادي، لكنّ الأكيد أنّه وصفةٌ -لدى عديدين- لجميع الاستعمالات.. وصالحةٌ للاختبار..
وصفةٌ قد يُنكرها مخالفُها، ويُضخّمها آلِفُها، تتوسّلها طوائفُ مقهورة للفكاك من مصائبها، لأنها تُعبّر عن ملاذاتهم الدينية التكوينية الخفيّة..
"حلاّل المشاكل": دعواتٌ، وطقوس، وعقائد، ووسائل، يؤطّرها أملُ المستضعفين بأنّ الله قادرٌ على فكّ عقدتها، جرّب بها الكثيرون نجاحاتٍ، وآخرون.. حصدوا إخفاقاتٍ، فظلّت النجاحات تُوقظ إيمان مؤمنيها، والإخفاقات تُوقد تشكيك مُنكريها، لدرجة عدِّها من بقايا إيمان العجائز وخرافاتهم.

تبحث أفرادُ الناس (وأيضاً فئاتُ مجتمعنا المدني والأهلي والرسميّ)، دائماً عن وصفة "لحلّ مشاكلها" المستعصية الطاحنة، قد تستدعي بهاليل الطبوب وفكّ السحر، ومشايخ الأحراز والأوراد، أو خبراء معاهد التنمية السياسية والديمقراطية والاقتصاد، ليقترحوا أعمالا وبرامج وتدابير وحِيَلاً، قد يُجرّبون ألف "خلطة سحرية" وتقنيّة، لكنّهم يتجاوزون الوصفة اليتيمة المفضية بعفوية "لحلّ المشكلة" أو حلحلتها، وصفةً.. يحتفظ بها كلّ شخص، وزعيم، ونظام، مطويّةً في جيبه، لم تُطاوعه نفسُه لفضّها، ولم يسمح للآخرين بتذكيره بها، هي وصفة مراجعة الذات: (حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم).

تغيير العقلية الاصطفائية: الاستئثارية، الفئوية، الطائفية، المذهبية، القبلية، الحزبية، التي تفرض لونًا من النوايا والهواجس والظنون والفكر، وتفرز التعامل بمبدأ القوّة والعنف والفوقيّة والإقصاء تجاه الآخر (الخصم) بالضرورة، وتُنتج بالتّلقاء أشكال القلق والتوتّر والصراع والعنف، وبالتالي "المشاكل" المُحدقة بنا، يا تُرى كم سنجسّر للسلام والوئام وستخفّ أصوات الغارات لو "غيّرنا ما بأنفسنا" تجاه شريكنا الآخر؟!.
الدين القويم (حلاّل المشاكل)، وضع الوصفة منذ الدهر، لكن أين العاملون بوصفاته إنْ كان منتسبوه أوّل الكافرين بها:
(الناس إمّا أخ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق)، (أحِبَّ لأخيك ما تحبّ لنفسك)، (مَنْ شاور الرجال أمن مواطن الهلكة)، (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)...والمئات غيرها.
فمثلا "لحلّ المشكلة" العالمية، فإنّ ضخّ المال بالتريليونات، قد يخفّف أعباء "المشكلة" لكنْ لتعود وتنفجر، بينما تغيير العقلية الاحتكارية، وقيَم الجشع، ومنظومة الاحتيال، والعقيدة الاستهلاكية، لأنسنة التجارة والعلاقات، يضمن اقتصادًا راسخاً "بلا مشاكل".

"المصالحة الوطنية" و"الحوار الوطني" بين المجتمع والدولة.. مبادرات وأمنيات تطرق مسامعنا منذ أمد من شتّى الأطياف، لكن هل سبقه إعلانُ الجميع اعترافاً بكلمة سواء: أنّنا غيّرنا نظرتنا تجاه بعضنا، لنكون جميعاً شركاء الوطن.. نُظراء في الخلق، ليس أحدٌ ربَّ أحد؟! هل "غيّرنا ما بأنفسنا" فحيّدْنا انتماءنا الإيماني، الطائفيّ، الحزبيّ، والقبلي، من قيمة المواطنة وواجباتها وحقوقها السياسية والمدنية وفُرَصها، مُعلنين أنّ الإصلاح الحقيقي والتنموي والأمن والسلام، لن يتأتّى بتأسيس الكيانات والجمعيّات والمرافق السياسية والمهنيّة بهويّات طائفية وفئويّة وأيدلوجية، بل بصبغة وطنية لصالح المواطن بحتاً.

تسابّ رجلان عند النبي(ص) فجعل أحدُهما تحمرّ عيناه وتنتفخ أوداجُه فقال(ص): (إنّي لأعرف كلمةً لو قالها لذهب عنه الذي يجد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم").. بهذه السهولة، يُبصر(ص) "حلّ المشكلة" في تغيير النفس وفكاكها مِن أن يسوسنا الغضب.. الشهوة.. الأثَرة، التي تجعل شيطانُ النفس يستفزّنا لمعاداة الآخرين والاستعلاء عليهم، فتنبع "المشاكل".
حين تهدّمت الكعبة جرّاء السيل، قرّرت قبائلُ العرب بناءها، وحين همّوا بوضع الحجر الأسعد أرادت كلّ فئة الاستئثار بشرف وضعه، "مشكلةٌ".. أوشكت أن تؤزّهم لحسمها بالعنف والعضلات و"الشوزن" و"الإطارات المحروقة"، جاء الأمينُ محمّد – ولم يكن نبيّاً بعد ولكن عاقلاً- فحكّموه، فبكلّ سهولةٍ وضع بُردته وجعل ممثّلي القبائل كلّها تتشارك في حمل الحجر عليه لإعادتِه، "فحلّ المشكلة"، المشاركةُ الحقيقيةُ والتنازلُ المتبادَلُ "حلاّل المشاكل".

واستمرّ ديدنُه(ص) "حلاّلا للمشاكل"، فحين أجلس الغنيّ بصفّ الفقير وآخاهم، وجمع الأسود والأبيض بالمناسك والمهامّ.. وساوى بين فُرَص تمكّنهم، حين أخذ مِن فضل مال الأغنياء وآتاه المعدمين، حين أوجب الإيثار وحرّم الاستئثار، حين استبشع الربا والاحتكار وأكل مال المساكين، حين حذّرهم الفتن الطائفية والتمايزات القوميّة والعنصرية "دعوها فإنّها منتة"، حين حرّم التنازع وسفك الدماء، حين أمر بحفظ الذمام وحسن الجوار.. وبالإيفاء بالعهود وإفشاء السلام، حين قبّح التنابز والتمايز وعدّها رعونةً جاهليّة، حين تألّف القلوب بإغداقها بالمال الفائض، حين صاهر القبائل المختلفة، حين أشرك جميع الطوائف والفئات في أمرهم وجعلها شورى بينهم لا دُولةً بين أغنياء، حين أرسى العدل الاجتماعي والمساواة أمام القانون لأنّه أجلب بالأمن وليس العكس، حين حارب الاستبداد والاستعباد، حين رسّخ قيَم العفو والتسامح وترجمها عفواً عمّن آذى وأجرم واضطهد (اذهبوا فأنتم طُلقاء)، فلأنّه يريد أن يكون "حلاّل مشاكل"، بل مانعًا للمشاكل.. لذلك شهِد بذلك الفيلسوفُ الإنجليزي برناردشو لمحمّد(ص) (يجب أنْ يُسمّى منقذَ البشرية، وأنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في "حلّ مشكلاتنا" بما يؤمّن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها).










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د