الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة لا تنسى وحق لايموت

فاطمه قاسم

2009 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


النكبة الفلسطينية في ذكراها الحادية والستين، تبدو أكثر حضوراً وسطوعاً في حياة الفلسطينيين، وفي مفاصل السياسة الدولية، وهذه واحدة من ملامح العبقرية في القضية الفلسطينية التي كان أعداؤها، والمتآمرون ضدها، يراهنون على النسيان، وبعد واحد وستين سنة، وعلى امتداد واحد وستين سنة، يسقط هذا الرهان المضاد، رهان النسيان، وتتوهج ذاكرة النكبة الفلسطينية، والقضية الفلسطينية، والحق الفلسطيني، بالمزيد والمزيد من الحضور السياسي وفي ذاكرة الأجيال .

لماذا؟

هناك أسباب ووقائع كثيرة وراء انتصار ذاكرة النكبة الفلسطينية:
 هناك أولاً وقبل كل شيء ذاكرة الفلسطينيين الشفهية التي نقلوها من جيل إلى جيل، ومن شتات إلى شتات، حتى أصبحت وكأنها نوع من الجينات الوراثية.
فهؤلاء الفلسطينيون حين تواطأت ضدهم الحركة الصهيونية والأهداف الاستعمارية للدول الكبرى، وقدمتهم ضحايا للمنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، فوجدوا أنفسهم بلا وطن، وبلا كيان، مشتتين تتخاطفهم الأحداث الرهيبة، فهم لم يهربوا من الموت من أجل استمرار الحياة فقط، بل هم أخذوا معهم أشياء الذاكرة، وعناصر العدالة الكامنة في حقهم العادل، ومرارة التجربة، وحكاياتهم الحية عن وطن ذبح وهم فيه، واغتصب وهم يشاهدون اغتصابه، ويحاولون، ويستشهدون،لمنع ذلك ولكن بلا نصير، وهذه الذاكرة الشفهية التي حملوها معهم أصبحت فيما بعد هي الحقيقة الكبرى المقدسة عند أجيالهم، ذاكرة احتفظت بمفاتيح البيوت، وكواشين ملكية الأرض، وأطلقت اسم الوطن فلسطين بمدنه يافا وحيفا وبيسان ...الخ على أسماء أبنائهم الذين ولدوا في المنافي، وعائد وعايدة، ونضال وكفاح وعودة وصابر وصابرين، واحتفظوا بألوان التطريز على ثيابهم، وجعلوا من كوفيتهم رمزاً وطنيا، ومن الشهادة احتفالية تشارك فيها الأرض والسماء، وحولوا نسمات الهواء حين تهب على خيامهم في الصيف والشتاء حاملاً لرسائل الوجع، وحاملاً لإضاءات الأمل، هذه الذاكرة الشفهية صنعت جدراناً صلبا ضد النسيان ، وجعلت من فكرة الميلاد الفلسطيني الجديد فكرة تلقائية تعيد تشكيل نفسها بآلاف الأشكال، حتى أصبح من المستحيل على الفلسطيني أن ينسى انه فلسطيني.
وهناك الفعل الصهيوني الإسرائيلي العنيف، المبالغ في العدوان إلى حد الاستهتار بالإنسان واستفزاز الروح عند الإنسان الفلسطيني، هذا القتل الصهيوني الإسرائيلي ، استمر منذ أول مذبحة نفذتها عصابات الهاجاناة ، والأرجوان، وغيرها، حتى آخر حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وهذا القتل الصهيوني الإسرائيلي العنيف، المتناقض مع كل الشرائع، والقوانين والاتفاقات، والتفاهمات، أعطى للذاكرة الفلسطينية وعيا إضافياً، ومصداقية وصوابية عالية المستوى، فالحق الفلسطيني تؤكده هذه الأفعال الصهيونية الإسرائيلية الغير عادلة، والباطل والعدوان، والظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين تؤكده هذه الأفعال الصهيونية الإسرائيلية المستعمرة.

• وهناك الحقيقة التي لم يستطع احد طمسها وبدأت تتكشف شيئاً فشيئاً، سواء في كتب وثائقية عالية المستوى من شهود لا يمكن دحض شهادتهم، مثل الكتاب الأشهر Palestinian Catastrophe الذي يحتوي كله على وثائق إسرائيلية أو وثائق الأمم المتحدة التي اعتمد عليها Michas Palunbo ، أو حتى الوثائق التي كتب عنها المؤرخون الجدد في إسرائيل، وبعض الكتاب والمفكرين العالميين أمثال اليهودي الأمريكي ألفرد ليلنتال، والمفكر اليهودي الأمريكي الشهير نعوم شومسكي، والمفكر الفرنسي روجيه جار ودي، والمفكر المجري كوستلر، ومئات من المفكرين والكتاب والباحثين، الذين تابعوا فصول النكبة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، وذهلوا وأذهلوا العالم بحجم الحقائق المذهلة التي كان مسكوتاً عنها، والتي أظهرت أن هناك دولاً وأحزاب وشخصيات ، جميعهم لعبوا أدوارا، وارتكبوا خطايا لا تغتفر، في صنع النكبة الفلسطينية، وأن هذا الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني يجب أن يتم تصحيحه إذا أراد العالم أن يحل الأمن والسلام بهذه المنطقة من العالم.

ما هي النكبة الفلسطينية؟
إنها ببساطة أبشع الأعمال الإنسانية القذرة الظالمة، حين قام المجتمع الدولي، ممثلاً بقواه الكبرى، في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالتكفير عن جرائم يقولون أنهم ارتكبوها ضد اليهود في أوروبا، أطلق عليها اسم الهولوكوست " المحرقة"، حين قتلوا منهم أعداداً كبرى، لأسباب عنصرية محضة، وبدلاً من أن تدفع تلك الدول الثمن، فإنها تواطأت وجعلت الشعب الفلسطيني الصغير المسالم هو الذي يدفع الثمن، بأن مكنت الحركة الصهيونية من أن تستولي بقوة السلاح على أرض الشعب الفلسطيني، وتطرده تحت تهديد الموت، في عشرات من المجازر المتلاحقة، وقد اتضح أن هذا التواطؤ الأوروبي والأمريكي بعد ذلك، لم يتم لأسباب استعمارية بعيدة المدى ما تزال مستمرة حتى اليوم، راح ضحيتها هذا الشعب الفلسطيني بدون أدنى ذنب ارتكبه.
وأن هؤلاء اليهود الصهاينة ارتكبوا ضد الفلسطينيين أضعاف ما اشتكوا منه على يد النازيين وغيرهم في أوروبا.
النكبة الفلسطينية معناها، أن العالم الذي قدم حلاً ليس عادلاً حين قسم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين لإقامة دولتين للشعبين، فإنه قدم كل ما يلزم لقيام دولة إسرائيل، ولم يقدم أي شيء لقيام دولة فلسطين، وأن القرار رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947، نفذ منه ما يخص قيام دولة يهودية، دولة إسرائيل، وظل الشعب الفلسطيني بلا دولة حتى هذه اللحظة.
والنكبة الفلسطينية تعني، أن قرابة المليون فلسطيني الذين تم طردهم تحت تهديد الموت والمجازر من مدنهم وقراهم وبيوتهم في فلسطين في العام 1948، تكاثروا وأصبحوا قرابة عشرة ملايين، وظلوا مشتتين في مخيمات بائسة، ومنافي قاسية، بل إن العدوان الإسرائيلي ظل يلاحقهم بالموت والدمار حتى في مخيماتهم ومنافيهم، لا لشيء سوى أنهم يطالبون بحقوقهم، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي لم تنفذ مثل القرار 194 الذي ينص صراحة على عودة اللاجئين الفلسطينيين على وطنهم والتعويض عما لحق بهم من خسائر، النكبة الفلسطينية تعني أن هذا العالم وقواه الرئيسية يواجهون الاختيار السياسي والأخلاقي الأقسى، هل يرفعون الظلم عن الفلسطينيين، هل يعيدون إليهم حقوقهم، هل هناك إمكانية لمصالحة تاريخية حقيقية؟
أم أن النكبة ستظل تكرر نفسها بدورات من العنف الذي يدفع ثمنها الجميع، وبكراهية تفجر الحروب والمجازر، لأن الظلم الفادح الذي تعرض له الفلسطينيون لا يمكن التستر عليه وإخفائه هكذا ببساطة أو بحلول سطحية.
النكبة الفلسطينية في ذكراها الحادية والستين هي نداء إلى الضمير الإنساني بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم، وأن تكون قادرة على الحياة، وأن الإسرائيليين حين يقعون في براثن إغراء القوة، إنما يحكمون على أنفسهم وعلى هذه المنطقة بمزيد من الويلات والحروب والخسائر.

في ذكرى النكبة، نقول أنه بدون حل عادل، فإن الذاكرة لا تنسى، والحق لا يموت.
وان ذاكرة الأجيال الفلسطينية ستحمل ميراث الذاكرة ،ولا ندري قد تستطيع أن تفعل
أكثر مما فعلته الأجيال السابقة .

رئيسة صالون القلم الفلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يموت الحق اذا كان وراءه ثوريين
السموأل الراجي ( 2009 / 5 / 15 - 00:07 )
أخذت حركة الشغيلة وكل الفئات المتضررة من الاقصاء والتهميش والقهر وحركة الشعوب والأمم المضطهدة في النهوض بعد أن مرت بفترة تراجع خلال مطلع التسعينات الذي اشتدت فيه الحملة الايديولوجية على الاشتراكية والشيوعية وعلى قيم النضال والتقدم عامة بل أعلنت فيه الرأسمالية في صيغتها النيوليبرالية -نظاما أزليا-، أي -آخر نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي تعرفه البشرية في تاريخها-. وقد تجسد هذا النهوض في الحركة المناهضة للعولمة الامبريالية التي ما انفكت تعبئ من سنة إلى أخرى أعدادا غفيرة من العمال والشبان والمثقفين من مختلف أنحاء العالم وهي تؤكد أن عالما آخر غير عالم الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات والطغم المالية ممكن وضروري. كما تتجسد في الانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدة بلدان في أمريكا اللاتينية وآسيا وفي فلسطين، وفي الحركات الاجتماعية الكبيرة التي شهدتها وتشهدها البلدان الراسمالية -المتقدمة-. وما من شك في أن الحركة المناهضة للحرب التي شهدها العالم أخيرا تمثل لحظة هامة في تطور وعي الشغالين والشعوب. فالذين نهضوا ضد الحرب إنما فعلوا ذلك من موقع معارض للامبريالية عامة وللامبريالية الأمريكية خاصة. وبعبارة أخرى فإن العالم اليوم مقبل على مرحلة جديدة من نضال الشغالين والشعوب بعد أن شهد هذا النضال تراجعا و


2 - عاشت فلسطين حرة أبية شامخة بأبنائها..
محمد كوحلال ( 2009 / 5 / 15 - 14:34 )
حقنا سيعود لنا أبى من كره من كره و على خطوات التفاوض ستشرق شمس فلسطين كما كان الشهيد عرفات يتمنى.........
مع تحياتي و مودتي
محمد كوحلال / مغربي بقلب فلسطيني //

اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن