الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفقة القمح والجريمة الكاملة

رمضان متولي

2009 / 5 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يعلن فيها عن واحدة من جرائم الفساد الكبرى، وليست هذه أخطر جرائم الفساد التي صوبت نيرانها الغادرة إلى صدور فقراء هذا الشعب المنكوب. لكنني أشعر باكتئاب فظيع وأكاد أموت غما هذه المرة، ولا أعرف إن كان عجزا مني أو عجزا من اللغة هو ما يجعلني غير قادر على وصف ما يجري.

الجريمة الكاملة، الفساد، الخيانة، المؤامرة – كلها لا تكفي للتعبير عن هذا المشهد العبثي الحالك، كلها لا تكفي لوصف عاصفة الأفاعي اللزجة التي انطلقت من جحيم القبور وآبار الرعب الجهنمية لتبث سمومها اللعينة في الأرض وما عليها من بشر وطير وحجر، ثم تحشد أطرافها السوداء السامة فوق رؤوسنا راسمة صورة دراكيولا مصاص الدماء في هيئة سمسار وسياسي ورجل أمن يبتسم ابتسامة خبيثة ماكرة بعد أن أجهز على أطفال في عمر الورد والتهم أكبادهم وبراءتهم.

أحدهم يقتل ما يزيد على ألف من فقراء مصر حرقا وغرقا في عبارة الموت، وآخر يغرق البلاد بالمبيدات الفاسدة والبذور السامة ليزرع السرطان في أجسادنا الهزيلة، وثالث يبيع للمرضى أكياسا من الدم تهدد حياتهم ويبيع لهم بكتريا وفطريات في أجهزة الغسيل الكلوي، ورابع يبيع ثروة البلاد للأجانب بأسعار مدعومة ويحرم أبناء هذا الشعب من خيرات أرضهم التي وهبتهم الطبيعة إياها، وغيرهم كثيرون وكثيرون لا يتورعون عن زراعة البؤس والموت في أبداننا لتزداد أرباحهم وأرصدتهم في البنوك إلا مالا نهاية، وكأنهم زبانية جهنم يلتهمون أبداننا وأرواحنا ومستقبلنا ويقولون هل من مزيد.

وتكتمل المأساة الإجرامية بمن جاء ليفسد السلعة الرئيسية الباقية التي يعتمد عليها فقراء مصر في البقاء على قيد الحياة، فالقمح مع الحبوب الأخرى هو المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية التي يعيش عليها فقراء لا يستطيعون شراء ما يكفي من الخضراوات والفاكهة واللحوم التي تكتظ بها موائد هؤلاء اللئام.

القمح سلعة استراتيجية لهذا السبب تحديدا، ولكنه أيضا سلعة يسيل لها لعاب الطامعين والذئاب النهمة للأرباح والحسابات المصرفية، لأن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، تستورد نحو 70% من احتياجات الاستهلاك المحلي. وكانت "هيئة السلع التموينية" هي التي تقوم بنفسها باستيراد القمح من الخارج، كما دار حوار ونقاش كثيف حول ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بسبب تقلب الأسعار العالمية وضمانا للأمن الغذائي.

كل ما كان كان ولم يعد قائما، فهيئة السلع التموينية اتبعت منذ فترة – لا أعرف مقدارها بالتحديد – استراتيجية أخرى تعتمد على السماسرة والوسطاء في استيراد القمح إليها (تشجيعا للقطاع الخاص وتحقيقا للكفاءة!) لتفتح بذلك بابا ملعونا للفساد والتربح في أهم سلعة يعتمد عليها قوت المصريين الفقراء. ونتيجة لذلك، تعاقدت الهيئة مع رجال الأعمال على شحنات القمح بأسعار أعلى من الأسعار العالمية، وتجاوزت عن المواصفات الصحية والبيئية والغذائية في القمح المستورد ومخالفات شروط التعاقد وفقا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات في هذا الصدد. وظهرت في أسواقنا أنواع من الدقيق الفاسد حتى جاءت صفقة القمح الروسي الأخيرة بما فيها من حشرات ميتة وحشائش سامة تتجاوز النسبة المسموح بها وتهدد صحة الإنسان.

بدأ النائب العام تحقيقا في هذه الصفقة بعد بلاغ من مصطفى بكري – عضو مجلس الشعب – لكن جميع المتورطين في هذه القضية صرحوا في جرائد الخميس الماضي بأن "أوراقهم سليمة" حتى وإن كانت الصفقة فاسدة. وبغض النظر عما ستنتهي إليه تحقيقات النائب العام، سواء بالإدانة أو البراءة أو التضحية بكبش فداء، فإن الأمر يظل خطيرا. لأن عاصفة الفساد الكبرى في مختلف المجالات تشير إلى ما هو أخطر: أن دولة العصابات تحكم مصر.

فإذا كانت "الأوراق سليمة" – رغم نفي جهاز المحاسبات هذه المزاعم – فمعنى ذلك أن عصابة الفساد تسيطر على الجهاز الإداري للدولة الذي يشرف على إدارة ومتابعة جميع المصالح العامة في البلاد، ومعنى ذلك أيضا أن هذه العصابة أفسدت اللوائح والقوانين المنظمة لعمل هذه الأجهزة لتيسير الفساد والتربح بغض النظر عن سلامة وأمن الغالبية العظمى من أبناء هذا البلد.

ونعود إلى الاكتئاب والغم، فالمسألة إذن أخطر من مجرد صفقة فاسدة، فكما وجد فيروس أنفلونزا الطيور بيئة ملائمة تحتضنه في بلادنا، أصبح الفساد أخبث الأمراض المستوطنة في دولتنا مما يعني أننا في حاجة لما هو أكثر من تحقيق يجريه النائب العام، وتحديدا نحتاج إلى عاصفة من الغضب لمواجهة وكنس الأمراض الخبيثة التي تستوطن أجهزة الإدارة السياسية والاقتصادية والبيروقراطية في بلادنا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - the head of the snake
aly ( 2009 / 5 / 14 - 23:22 )
my friend ,you have mentioned the gang who control egypt and i agree with you but what about the president whom i consider the leader of the gang and head of the snake and the founder of the corruption in egypt,the man need to be executed along with his gang


2 - البيع قطاعى بسعر الجملة
شريف صلاح ( 2009 / 5 / 15 - 14:37 )
إنها عبارة بسيطة يعلقها بعض محلات تجار التجزئة على محلاتهم لجذب الزبائن بعمل تخفيضات ولو بسيطة لحث الناس على الشراء من محلاتهم ، وهم لم يدرسوا أو يتخرجوا من كلية التجارة وليس خبراء فى الاقتصاد . ولكن أسلوب علمى صريح لتقليل يد التداول مما يؤدى الى أنخفاض التكلفة وبالتالى السعر على المستهلك يقل.
ولكن الحكومة لا تريد الا الوسيط لان العاملون بها يعيشوا على الدخل الاكبر الذى يحصلون علية كعمولة - رشوه- من الموردون وهدفهم فقط مكاسبهم وليس المواصفات السليمة بل المواصفات التى لا تضر.
فهل تتعلم الحكومة أسلوب الادارة من التاجر البسيط؟
وطالما لا يوجد تداول للسلطة فى بلد المحروسة فلا تتوقعوا خيارا لهذا البلد وعبر التاريخ المصرى منذ أيام الفراعنة لا يوجد تداول للسلطة.

اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة