الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادة الفلسطيني

صبحي حديدي

2004 / 4 / 20
القضية الفلسطينية


"الشهيدة بنتُ الشهيد
وأختُ الشهيد وأختُ الشهيدة كِنّةُ
أمِّ الشهيد حفيدةُ جَدّ شهيد
وجارةُ عَمّ الشهيد (الخ... الخ...)
ولا شيء يحدث في العالم المتمدّن،
فالزمن البربري انتهي،
والضحية مجهولة الإسم، عاديةٌ
والضحيةُ.. مثل الحقيقة.. نسبيةٌ
(الخ... الخ...)"

هكذا تسير إحدى قصائد محمود درويش في "حالة حصار"، حيث تبدو حال الشهادة فعلاً اعتيادياً يتجاوز الخيار الشخصي ربما: حين تكون فلسطينياً، فأنت مشروع شهيد، شئتَ أم أبيت، الآن أو غداً أو بعد غد، على يد أعدائك أو على يد أشقائك. وقيل، في مستولا مختلف من الموضوعة ذاتها، إنّ قوّات الإحتلال الإسرائيلية كانت تعلن ساعات منع التجوّل في الضفة الغربية على نحو مبتكر، فيه بالطبع غمز ساخر من ولع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالتشديد على بعض المفردات ثلاثاً: كانت مكبّرات الصوت تعلن تفاصيل ساعات منع التجوّل، ثم تنذر مَن يخالف التعليمات بأنه "سوف يسقط شهيداً شهيداً شهيدا"!
وقبل أيّام معدودات كان محمود درويش ضيف لقاء جرى مع جمهرة من طلاب الدراسات العليا، في باريس. وكان قد أجاب على عدد من الأسئلة، بينها سؤال طرحه قارىء ذكيّ: أما آن الأوان لكي تتخلّص فلسطين من عبء الإسطورة؟ درويش قدّم إجابة مركّبة وعميقة: فلسطين أرض الأساطير، وأرض الأنبياء، وقسط كبير من النضال الفلسطيني يدور حول أسطرة التاريخ في الرواية الصهيونية، أو التمسّك ــ أكثر من ذلك ــ بالرواية التوراتية لتاريخ فلسطين. ينبغي أن يستردّ الفلسطيني الحقّ في أن يكون إنساناً، تابع درويش، لا مجرّد اختزال أسطوري أو بطولي.
ولكن... هل يستطيع، حقاً؟ سألت نفسي، أنا الذي لا أختلف البتة مع القائلين بضرورة تجريد النضال الفلسطيني من الأسطرة، أو الأسطرة المضادة بالأحرى، على مستوي النصّ الإبداعي في المقام الأوّل. هل في وسع الفلسطيني أن يكون آدمياً عادياً، حتى إذا شاء؟ هل في وسعه ذلك، متى شاء؟ أينما شاء؟ كيفما شاء؟ ثمّ ماذا عن "ثقافة الاستشهاد" التي يسوقها البعض على سبيل التهمة ضدّ الفلسطيني... هل في وسع أيّ فلسطيني أن يزعم أنه بعيد عن، أو مستَبعد من، احتمال الشهادة إذا ومتى وأينما وكيفما شاء عدوّ مثل أرييل شارون؟
كنت أقلّب هذه الأسئلة في ذهني حين أخذ الجمهور يطالب درويش بقراءة بعض الشعر. ولعلّ الرجل، استكمالاً لما جاء في إجابته حول تخليص الفلسطيني من الأسطرة والبطولة، قرأ أوّلاً قصيدة "ليس للكرديّ إلا الريح" المهداة إلى، والتي تتحدّث عن، الشاعر السوري الكردي سليم بركات. ثمّ، في المساق ذاته، قرأ "درس من كاما سوطرا"، التي تُعدّ قصيدة إيروتيكية وليست مجرّد قصيدة حبّ جسورة. فهل اكتفى الجمهور؟
أو، بالأحرى، هل أشبعت القصيدتان حاجة الجمهور العربي تحديداً؟ لقد تعالت الصيحات (وخصوصاً من الصبايا بنات العرب!)، مطالبة بشيء من "حالة حصار". أخذ درويش يقلّب صفحات المجموعة المطلوبة، باحثاً عن قصيدة مناسبة، فوجدت نفسي أهتف به تلقائياً (وكنت أجلس في الصفّ الأمامي): الشهيدة أخت الشهيد، هذا هو المطلوب... وبالفعل، تبيّن أن درويش كان يبحث عن هذه القصيدة بالذات، فقرأها!
وذات يوم، في حوار أجرته الصحافية الاسرائيلية هيليت يشيرون، قال درويش: "هل تعرفين لماذا نحن الفلسطينيين على كل شفة ولسان في العالم؟ لأنكم أنتم بالذات أعداؤنا. الاهتمام بالقضية الفلسطينية انبثق من الاهتمام بالقضية اليهودية. نعم، إنهم يهتمون بكم، وليس بنا! لو كنّا في حالة حرب مع الباكستان مثلاً، لما اكترث العالم بنا. وهكذا فإن من سوء حظنا أنكم أعداؤنا بسبب ما تحظون به من تعاطف واسع في العالم، وإن من حسن حظنا أن تكون اسرائيل عدوّتنا لأن اليهود هم مركز العالم. ولقد منحتمونا الهزيمة، والضعف، والشهرة أيضاً".
... والشهادة يا صاحبي! عز الدين القسام، عبد القادر الحسيني، محمد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير، غسان كنفاني، كمال عدوان، كمال ناصر، يوسف النجار، دلال المغربي، وائل زعيتر، عز الدين القلق، خليل الوزير، صلاح خلف، ماجد أبو شرار، عاطف بسيسو، يحيى عياش، فتحي الشقاقي، عماد عقل، أبو علي مصطفي، أحمد ياسين، عبد العزير الرنتيسي، فضلاً عن آلاف الأسماء الأخرى في لائحة طويلة مفتوحة!
و"لا شيء يحدث في العالم المتمدّن"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| اعتراض قذائف أطلقت من جنوب لبنان على مستوطنة كريات شمو


.. حصانة جزئية.. ماذا يعني قرار المحكمة العليا بالنسبة لترمب؟




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض تتجاهل سؤال صحفية حول تلقي بايدن


.. اليابان تصدر أوراقا نقدية جديدة تحمل صورا ثلاثية الأبعاد




.. تزايد الطلب على الشوكولا في روسيا رغم ارتفاع سعرها لعدة أضعا