الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة الشر وجارة السوء 2

حسن الناصر

2009 / 5 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


تناولت في المقال السابق مملكة الشر السعودية وسأتناول الآن جارة السوء ايران .

تتكون ايران الذي اشتق اسمها من كلمة (آري) من عدة قوميات ولغات متعددة ورغم تسيّد الثقافة واللغة الفارسية فيها الا ان العرق التركي بفروعه (التركمان والاذريين والديلم) هو منبع اغلب رجالات الحكم التي توالت على هذا البلد , والشيئ المميز للشعب الايراني انه يرجح أنتماءه الوطني كأمة ايرانية على امتداداته الاثنية , كما تتلمس لدى الكثير منهم شعور الاستعلاء تجاه شعوب الجوار وهذه الصفة قد تشترك بها غالبية الشعوب الآرية .

ايران ذات عمق تاريخي كدولة يمتد لألفي سنة او اكثر وكانت تشتهر باسم بلاد فارس حتى بدايات القرن الماضي وقد مرت بفترات متعاقبة نهوضاً وانتكاساً لكن ابرز ملامحها التاريخية الحديثة تشكلت على يد اسماعيل الصفوي الذي فرض مذهب الامامية الاثني عشري كمذهب رسمي للبلاد عام 1508 وقد كانت بلاد فارس فيما سبق ذات اغلبية سنية باستثناء بعض المناطق , حيث انتجت كبار فقهاء المذاهب السنية واشهرهم الامام ابو حنيفة النعمان والبخاري والغزالي والجويني والترمذي وابن ماجة والنسائي وغيرهم , كما اخرجت الكثير من الادباء والشعراء.

وقد تعاقبت على حكم ايران عبر التاريخ سلالات مختلفة منها الدولة الأخمينية التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد و تلتها الدولة الأشكانية ثم الدولة الساسانية التي تلاشت وانصهرت في الأمبراطوية الأسلامية وكانت فارس خلال هذه الحقبة الزمنية تعتنق الديانة الزرادشتية , وفي بداية القرن السادس عشر ظهرت ملامح الدولة الصفوية الى الوجود , وقد خاضت صراع نفوذ دامي ضد الدولة العثمانية وكان العراق في الغالب ساحة هذا الصراع الذي امتاز ببعد مذهبي في الظاهر وسياسي في الباطن , وبعد ذلك تعرضت بلاد فارس الى الاحتلال من قبل الافغان لحين مجئ نادر شاه قلي الشخصية الاسطورية حيث استطاع اعادة استقلال بلاده وأسس الدولة الأفشرية , كما حاول أستظهار مذهب الامامية كمذهب خامس للمسلمين بأسم المذهب الجعفري وقد أُعلن عن ذلك في مؤتمر النجف بحضور علماء دين سنة وبمباركة الدولة العثمانية , وحينها فرض نادر شاه اجراءات اقترنت بالعقوبة على رعيته لمنعهم من شتم الصحابة الذي كان مستشرياً أبان العهد الصفوي , ورغم ان هذا الاجراء لاقى صداً واسعاً لدى الكثير من الاوساط الدينية للطائفتين السنية والشيعية الا انه لم يتبلور بصورة واضحة حينها ولكن كان له اثر لاحق , ثم اعقبت هذه المرحلة فترة تشظي للحكم مابين الأفشريين والزنديين حتى مجئ الاسرة القاجارية التي وحّدت البلاد من جديد واستمرت بالحكم لحين سقوطها في الحرب العالمية الاولى بعد ان اُحتلَّت ايران من قبل روسيا وبريطانيا واستيلاء رضا بهلوي الذي كان رئيساً للوزراء على عرش ايران الملقب ب(عرش الطاووس) مؤسساً لسلالة بهلوي , وقد اطيح به ايضاً بعد ذلك من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية خشية تقديمه الدعم لالمانيا النازية ونُصّب ابنه محمد رضا بهلوي كشاه لايران وفي تلك الفترة تعرضت وحدة الاراضي الايرانية الى الثلم حين تشكلت دويلة مهاباد الكردية بقيادة القاضي محمد بمؤازرة السوفيت واستمرت اقل من سنة بدون اعتراف دولي لحين دخول الجيش الايراني اليها والذي اسقطها وشنق رئيسها , ومن الجدير بالذكر ان الملا مصطفى البارزاني كان من أبرز رجالات هذه الدويلة .

وفي عام 1979 قامت ثورة في ايران يقودها رجال دين بزعامة الخميني واصبحت ايران تنتهج الادارة حسب نظرية ولاية الفقيه .

على موقع (يوتيوب) منشورشريط (فيديو) لثلاثة إيرانيين رجلين تتوسطهم امرأة يتم تعليقهم بمشانق مربوطة بآلة رافعة امام حشد من الناس وحينما ترتفع بهم الآلة الرافعة يعلو صوت التكبير لأحد الحاضرين من رجال الدولة فيما تصارع الجثث الثلاث الموت وتتشبث دون جدوى برحيق الحياة ويتراءى لي ان هؤلاء الثلاثة وهم في طور الأحتضار يتناهى الى اسماعهم في اقسى لحظات الألم وعند نزاع الموت اسم الذات الالهية المقترنة بالرحمة يصرخ به احد اوباش السلطة الدينية امعاناً في التشفي , ووفقاً لتقارير سنوية لمنظمات حقوق الانسان تُعد ايران من اكثر بلدان العالم انتهاكاً لحقوق الانسان واكثرها تطبيقاً لعقوبة الاعدام .

وبسبب ضغط الحكومة الدينية في فرض المظاهر الاسلامية على جميع مناحي الحياة في ايران نجد تذمر ونفور واضح من قبل الكثير من الايرانيين تجاه هذه المفروضات فكم من شاهدٍ لحجاب مزيف وتبرج صارخ لفتاة ايرانية او تقمص لبعض شبيبة ايران صرعات غربية في اللبس او تسريحة الشعر ناهيك عن انتشار المخدرات والخمور في أغلب مدن ايران بما ضمنها المدن الدينية مثل قم ومشهد , كما تشهد الحركات الليبرالية تزايداً ملحوظاً وخاصةً في المهجر للدعوة للتغيير والاصلاح وانهاء نظام الملالي السيئ , اذ طغت ملامح الفساد الاخلاقي والوظيفي على الكثير من مفاصل السلطة في ايران وأُتخمت رموز قيادية في الماكنة السياسية بأموال ومنشآت ريعية تجدها شاخصة للعيان وهي موضع تندر الكثير من الكادحين وارباب الدخل المحدود الذين يصارعون الفقر والفاقة فيما تعيش الطبقة الحاكمة وذويهم بترف ملحوظ قد تجد له نسخة مطابقة لدى رموز السلطة الحالية في العراق بسبب تقارب الأفكار والمنهج .

أتسمت السياسة الخارجية لجارة السوء ايران على مدى السلالات الحاكمة فيها بأطماع توسعية تجاه العراق وقضم لبعض اراضيه , وكان لها عصى السبق في توثيق معاهدة ارضروم الاولى والثانية مع الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر وبموجبها تم استبدال السليمانية بأقليم الاحواز العربي بناءاً على أسس مذهبية , كما كانت فاعلة في تأزيم الوضع الداخلي للدولة العراقية منذ اعلان المملكة العراقية عام 1921 وحتى الآن , اذ نشطت في دعم الحركات الكردية الانفصالية سابقاً , كما تنشط الآن كسمة بارزة في ادارة ملف الارهاب ودعم الميليشيات المسلحة التي تزعزع الوضع الداخلي وتقوض خطط التنمية والاعمار وتضاعف آلام ومحن العراقيين التي لم تنتهي , اضافة الى تجفيفها لمنابع الانهر التي تمد اديم الحياة للكثير من المدن العراقية مثل نهري ديالى والكارون .

ان من اعتى الفواجع للعراق مطالبة ايران بتعويضات عن خسائر حرب الثمان سنوات التي لم يكن للعراقيين فيها حظ او نصيب وانما كانوا يساقون فيها الى اتون الموت من قبل فاشيست النظام البعثي الدموي , ويصاب المرء بالغثيان حينما تبارك شخصيات سياسية لها ثقل في الميدان الحكومي والنيابي هذه المطالب دون وجلٍ او خجل , ولو تبحرنا في دهاليز هذا الامر المعتم لوجدنا دلالات ايسرها ثبوت ان رعونة صدام حسين كانت سبباً لاندلاع هذه الحرب الماجنة تآزرها رغبات ملحة لحكام الخليج وبالاخص السعودية اضافة الى الموقف الدولي المتمثل بالولايات المتحدة التي لم يستكن خاطرها لقيام نظام ديني راديكالي يجاهر بالعداء لها ولاسرائيل على اراضي دولة كانت بالامس القريب متّكأً حيوياً لها لتنفيذ اي فعالية او دور يستهدف النفوذ والهيمنة في المنطقة التي هي منبع الطاقة لكل العالم , وقد يصدق هذا الاستنتاج على بداية الحرب لكن نتسائل من يتحمل وزر استمرار هذه الحرب لثمان سنوات متواصلة من الأستنزاف البشري والمادي لطاقات البلدين ؟ فسنخرج بدلالة واضحة وبوثائق مؤرشفة عن اصرار ايران على مواصلة هذه الحرب لإسقاط نظام صدام الذي أنجدته أموال الخليج ومساعدات الدول العظمى فلو عملنا مقاصة مالية بالخسائر لتحمل العراق اعباء اندلاعها وتحملت ايران اعباء استمرارها وبالتالي تخرج ايران مدينة للعراق وليست دائنة .

ولو افترضنا جدلاً ان ايران كانت تدافع عن سيادة اراضيها التي انتهكها جموح النظام السابق لوجدنا هذا التبرير قد تلاشى عام 1982 عندما تراجع الجيش العراقي الى الحدود الدولية , ثم ماهي مبررات استمرار الاعمال العسكرية للجيش الايراني بعد ذلك التاريخ ؟ فان كانت الغاية اسقاط نظام الحكم البعثي حسب ماصرحت به وسائل الاعلام الايرانية حينها لكانت بالنتيجة غاية غير مشرعنة قانوناً فهل خول مجلس الامن تفويض ايران استخدام القوة العسكرية لهذا الغرض حسب ميثاق الامم المتحدة ؟ واذا كانت ايران تعتبر نظام الحكم السابق غير شرعي فلم تطالب الحكومة الحالية الشرعية بتعويضات اقل ماتوصف بانها باطلة ؟ وهي نتيجة حماقات نظام دكتاتوري لايتحمل وزرها شعب العراق المغلوب على امره ,ولمَ تتمسك ايران بحقوق منحها لها النظام السابق (الغير شرعي) باتفاقية الجزائر عام 1975 الخاصة باقتسام شط العرب؟ , وبالتالي لاتجاز هذه المقاييس المزدوجة وفقاً للمعايير القانونية والاخلاقية .

ان سياسة جارة السوء ايران طالما انتهجت بعداً غير اخلاقي تجاه مصالح الشعب العراقي وهناك مئات الصفقات المشبوهة التي مررت في السنوات الست المنصرمة تبنتها شركات ايرانية مع حفنة من سفلة الكادر الاداري العراقي دفعت بانتاج ايراني سيئ الى الاسواق العراقية وبالأخص الاغذية الفاسدة . ان ادبيات السياسة الخارجية لايران لاتعرف الدين حيث يصرحون في مؤتمرات القرارات السياسية وحينما يفترشون الخرائط بقول مؤثور (هنا لا يوجد الله) .

ختاماً اعتقد ان بامكان السياسة العراقية ان اتصفت بالحنكة وابتعدت عن الفئوية ان تمد بعض اناملها الى مصدر القرار الايراني لتختزل منه مايخدم مصالح العراق العليا مستخدمةً ادوات متعددة منها الدعم الغربي الواسع لانجاح تجربة العراق بأي ثمن والذي يُمكّن صاحب القرار السياسي العراقي ان يساوم عليه ايران الموصدة بوجهها اغلب هذه القنوات مع الاستعانة قدر الامكان لدى بعض المتنفذين في السلطة الايرانية بالثقل الروحي الشيعي تجاه العتبات المقدسة في العراق ليس في ايران فحسب وانما لدى كافة شيعة العالم , أذ ان السياسة فن الممكن وهي عاهرة مثلما توصف تتلون حسب متطلبات مصلحة البلدان , والحقائق تؤشر على قصور الفئة السياسية لدينا عن لعب هكذا دور قد يحتاج لادارته دهاءاً لايقل عن دهاء المرحوم نوري السعيد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله