الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لِمَ الفراغات البرنامجية في الانتخابات؟

أحمد الخمسي

2009 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



اعتبر البعض، رفع الرقابة القبلية على صرف الميزانية من طرف المنتخبين، ثورة هادئة في العلاقة بين السلطة الوصية والمنتخبين. بحيث أبقى القانون على جزء يسير من الاختصاصات المالية في يد السلطة الوصية من باب الحفاظ على مصالح حيوية مثل أجور موظفي الجماعات حتى لا تصبح محل انتقام من طرف الرئيس المنتخب تجاه الموظفين الذين يملكون حقوقا مكتسبة تضمن استقرارهم المهني رغم التقلبات السياسية الانتخابية...في المقابل، تحركت أجهزة المجلس الأعلى للحسابات لمواكبة أعمال الجماعات المنتخبة بكيفية تختلف عن مجرد رقابة، بقدر ما تزاوجه مع الإفتحاص والإرشاد.

هذه بعض الملامح التي تطبع الظرفية التي ستجري فيها الانتخابات الجماعية بعد شهر من الآن. لكن القطب اليساري، وهو ما زال يشكل موقعا للنخب ولمؤسسات النخب، لا يتوفر على قيادة عليا في مستوى المرحلة.
بحيث يمكن القول إن المؤشر الذي طبع انتخابات قطاع التعليم العالي وقطاع المحامين، من الزاوية النقابية وجمعية الهيئات، أفرزت قيادات يسارية. فلا اليمين الليبرالي ولا المحافظون الأصوليون تمكنوا من التحكم في القطاعين، خلال المؤتمرين الأخيرين. رغم ذلك، أكبر نسبة من الحيرة و"التلفة" تتملك القطب اليساري بصدد انتخابات الجماعات المحلية. على مستوى القيادات العليا من الدرجة الأولى (المكاتب السياسية).
فقوائم المرشحين ما زالت تنبني على الولاءات الفردية. وبناء الولاءات الفردية ما زال مستندا على ريع الموقع الانتخابي. واقتصاد الانتخابات مازال قائما على الفساد الإداري من حيث ربط التنمية بالارتشاء المتروك منذ العهد السابق (عمولة تزيد عن 5% ) الرابط بين مصالح الجماعات المحلية وبين المقاولين المستفيدين من صفقات أشغال الجماعات المحلية.
بل، يكاد كل مواطن لا يقبل مسبقا الدخول ضمن لعبة "التعاون" بين القياد والقسم التقني لن يحلم بمقعد الرئيس المنتخب. من هذه الزاوية، يمكن اعتبار الرقابة المالية القبلية، المتوقفة على توقيع المتصرف المالي ومسؤول السلطة الوصية فسخا جزئيا أوليا لشبكة الفساد المالي المعمول به، حسب "التقاليد المرعية" منذ ثلث قرن مضى (1776-2009). وبما أن السلسلة المنفعية في العمليات الانتخابية مترابطة، فقد أصبح من باب اليقين ويكاد يصبح ضمن "النظام العام" الاعتراف بالطابع العادي للغاية الوصولية المتوحشة بمنهجية الخلط المتعمد بين حقول متمايزة، الارتشاء والدين والمواطنة والوطنية والدمقرطة والعقلنة والواقعية والمشاركة السياسية والتكتيك و..و..والخ. فالمواطن العادي المزمع تصريف قناعاته السياسية، رغم اختياره قطبا سياسيا من الأقطاب الثلاثة (اليساري والأصولي والليبرالي)، قد يجد نفسه أمام المستحيل، إذا ما اختار لنفسه رصيده الاجتماعي والجمعوي في الأحياء، إذا ما نزل مقابله المال مرشحا في شكل إنسان.
لكن، الدخول في الانتخابات المقبلة على الحالة التي توجد شبكة المسؤوليات الإدارية (القياد والعمال والولاة) كما هي الآن ودون تغيير التوجيه السياسي، سيعيد ترتيب بيت الفساد المالي في الجماعات المحلية. بما يفيد السياسة المتبعة من طرف وزارة الداخلية، عبر تشجيع توجه حزبي على حساب آخر، أي استمرار وزارة الداخلية في توضيب الخريطة الحزبية حسب قراءتها لحاجيات الدولة في صنع تعددية الواجهة. ومن المعلوم لدى الخبراء الدولين والأكاديميين على الصعيد العالمي أن المغرب يصنف بين الدول العربية ضمن فئة التعددية الشكلية في الميدان الحزبي.
ولعل صياح فؤاد عالي الهمة في وجه وزارة الداخلية مؤخرا يظهر اتساع دائرة المتضررين من سلوك الداخلية في هذا الباب. كما أن تكريس رئاسة المجلس النيابي لتجدد حركة الرحل بين الفرق البرلمانية مست بمن مست حزب الأصالة والمعاصرة،عبر إخبارات رسمية، ينبئ بسلبية رئاسة المؤسسة البرلمانية تجاه هذا الملمح القبيح في جسم مجلس النواب. مما يفتح ثقوب التقيح في جلد الكائن السياسي الانتخابي. بما يضيف عوامل ظرفية وثابتة في الحياة الانتخابية بالمغرب. بحيث يتقوى الشبه، عاما بعد عام، بين العهدين السابق والحالي، في مفاصله السياسية الأساسية.
لكن، من يدري؟ لعل هذا الشنآن المعلن مجرد مقدمة مضللة، لافتعال نزول الجديد على قدم المساواة مع باقي الأحزاب من حيث المسافة مع الأداة المخزنية الضاربة في الجهاز البيروقراطي القادر على كل شيء مسيء. هذا التساؤل جزء من فقدان الثقة بين الناس وسلوك الإدارة. وفي العهد الحالي ياحسرة! فلم يتمكن النظام من حسم ثابت الشفافية في العملية الانتخابية ما قبل يوم الاقتراع. فالتحكم في المسار الانتخابي مازال ساريا. ثم والأمر يتعلق بفك الارتباط بين المال والانتخابات، فكما أشير إليه أعلاه، لا بد من فك الارتبط بين خدمات الرؤساء المنتخبين وبين الارتشاء. سواء بالجملة في العلاقة مع المقاولين والصفقات أو بالتقسيط في العلاقة مع الحصول على الخدمات الإدارية اليومية بواسطة الرشوة مقابل تسريع وثيرة الإنجاز أو تجويد الخدمات عبر المناولة التي توفر الأوراق الإدارة ناجزة حتى محل السكن أو العمل. لذلك، تصبح الانتخابات عملية استثمارية مالية بالدرجة الأولى....

إن الأقطاب الثلاثة، اليسار والأصولية والليبرالية لا تقدم في هذا الباب أي نقاش عملي مرفوق بمقترحات لفك الارتبط بين المنافع المالية غير القانونية وبين خدمات الجماعات المحلية خارج النظام الجبائي. وبالمناسبة، من المفترض النظر إلى الأعطاب الحاصلة في هذا الباب، أي في الفساد المالي للجماعات المحلية، النظر إليها في علاقتها مع النظام الجبائي المحلي. بكيفية تنمي التحصيل العملي الطوعي وتربط إيجابيا دفع الضرائب مع تقوية الخدمات لفائدة سكان الجماعة. مثلا، يتم جرد التحصيل الضريبي بين الجماعات داخل نفس الاقليم، فيتم تخويل أبوب من الميزانية بنسبة تطابق نسبة التحصيل. مثلا مثلا...

هذا الفراغ البرنامجي في علاقة الأقطاب الحزبية الثلاثة مع الانتخابات، هو الذي يؤكد مرة أخرى المستوى المتدني في القيادات الحزبية من الدرجة الأولى(المكاتب السياسية). والعامل هنا وإن اختلف في السبب من حزب إلى آخر أو من قطب إلى آخر، فالغاية والنتيجة هي هي. فالليبراليون يدخلون على المحطات الانتخابية قابلين للعبة دون نقد يذكر! بل ينتفعون من قبولهم للعبة. مقابل اليسار الذي ينتقد قواعد اللعبة من حيث البرامج لكنه يكرس الركود والتخلف عبر تشبث قياداته باللعبة نفسها. فالكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي جزء من اللعبة الانتخابية منذ سنة 1963!!!! أي 45 سنة!!!! كيف إذن سيعمل على تشبيب النخب الحزبية المرشحة للانتخابات. وحزب التقدم والاشتراكية لم يحدد عدد الولايات على رأس الحزب من طرف نفس الشخص...ولا حزب يساري خطا في هذا الاتجاه.
هكذا إذن، يكتمل العامل الموضوعي (الفساد المالي في ميكانزم عمل الجماعات المحلية) مع العامل الذاتي الحزبي (تكريس بارونات الانتخابات الذين تحولوا إلى مفسدين رغما عن نياهم الحسنة). أما التجديد السياسي العام فلا يكمن فقط في الإصلاحات الدستورية، بل يقتضي ملء هذه الفراغات البرنامجية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حمى الجرائد المؤقتة عرض من اعرض أنفلوانز الانتخابات
نوفل المسكيني ( 2009 / 5 / 16 - 23:00 )
للأسف المشهد السياسي المغربي لا يدعوا الى ادنى ذرة من الاطمئنان ، و أنفلونزا الانتخابات الهزلية بالمغرب تلقي بظلالها على كل من هب و دب وتمس كل جوانب الحياة العامة ، و أنا كمواطن مغربي و بالضبط من شماله من مدينة العرائش أشعر بالقرف من سياسة الجوع ببلدي المغرب ، حاليا انا اعيش بانجلتر و التي اقيم فيها منذ حوالي 20 عاما ، قررت فيها عدم زيارة المغرب و عدم العودة اليه لما فيه من مرضى كثر و مرضهم معدي و خطير ، و قد بلغني من احد الاصدقاء انه في مدينة تطوان ظهرت جريدة اسمها الملاحظ ، فرحت لكون الشمال اصبحت له جريدة ، لكن عندما تعرفت على من فيها أصيبت بخيبة أمل ، لان من يقف ورائها ليس الا مواطن معروف في اوساط الجالية المغربية بالانتهازية و الاسترزاق على اكتاف المغاربة المغتربين ، و سبق ان جمعتني به لقاءات قليلة باسبانيا في بعض الملتقيات و غادرتها بسببه ، و مما استنباطته من اصدقاء هناك بتطوان و العرائش هو كون الجريدة ليست الا حمى مصاحبة لانفلوانزا الانتخابات ، عندما تمر الانتخابت ستموت الجريدة ، و بالتالي فلن تستطيع ملاحظة أي شيئ ، لان الاعمى لا بنظر و من لا ينظر لا يلاحظ .

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس