الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوقفوا مجازر الإعدام التعسفي: لهذه الأسباب أطالب بإيقاف الإعدام الجائر في العراق

أيمن الهاشمي

2009 / 5 / 18
الغاء عقوبة الاعدام


طلبت الامم المتحدة من خلال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق من الحكومة العراقية إيقاف العمل بعقوبة الاعدام بعد ايام من اعدام 12 مداناً شنقاً في بغداد والاعتقاد بوجود 115 سجينا آخرين ينتظرون دورهم بمواجهة عقوبة الاعدام. وقال ناطق بإسم المنظمة الدولية "ان تطبيق هذه العقوبة في العراق يجري بشكل تعسفي وعلي اساس اعترافات يجري انتزاعها من المتهمين بالتعذيب" وأعرب عن القلق حيث ان نظام العدالة العراقي لا يضمن في الوقت الحالي إجراءات محاكمة عادلة ونزيهة بصورة كافية تماشياً مع المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يعد العراق دولة طرفاً فيه". وأوضح: "ان ما يثير القلق بصورة خاصة هو أن مبدأ عدم استخدام الأدلة، ومن ضمن ذلك الاعترافات التي تم الحصول عليها بالاكراه أو جراء التعذيب، والحق في عدم ارغام الشخص على الادلاء بشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بالذنب، عادة ما تنتهك في العراق مما يجعل من عقوبة الاعدام عقوبة تعسفية" على حد قوله. واشار الى انه "بموجب القانون الدولي، لا يمكن تطبيق عقوبة الاعدام إلا ضمن ظروف محددة للغاية.. ومن ضمن هذه الظروف أن يتم فرض عقوبة الإعدام بعد محاكمة عادلة تتبع فيها المعايير الدنيا التي نصت عليها المادة 14 من العهد. ويعد الإعدام الذي ينتج عن محاكمة لم تلتزم بهذه المعايير بمثابة (انتهاك للحق في الحياة) بموجب المادة 6 من العهد الدولي بخصوص الحريات المدنية والسياسية". وبيّن "ان مكتب مفوض الامم المتحدة السامي يؤيد الغاء عقوبة الاعدام في جميع الظروف. وأوصى البيان بان تقوم حكومة العراق بالنظر بشكل جدي في وقف عقوبة الاعدام ريثما يتم إجراء مراجعة شاملة لقانون العقوبات وقانون الاجراءات الجنائية العراقي بما يتماشى مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 62/149. وأضاف البيان: "إنه لمن المؤسف ان تتم العودة إلى تطبيق عقوبة الاعدام بعد عام ونصف من ايقاف تنفيذها". وأشار البيان الى استعداد الامم المتحدة لمساعدة حكومة العراق في ما يتعلق بمراجعة التشريعات المحلية على ضوء المقاييس الدولية والتزامات العراق الدولية. ومن الجدير بالذكر أن الحاكم المدني لسلطة الأئتلاف المؤقتة بول بريمر كان قد أصدر قرارا برقم (3) لسنة 2004 بإيقاف العمل بعقوبة الإعدام، ولكن بعد عام أصدرت الحكومة المؤقتة قرارا أعادت بموجبه العمل بعقوبة الإعدام.
منظمة العفو الدولية "أمنيستي" دعت الحكومة العراقية الي اعلان أسماء الأشخاص الذين ينتظرون الاعدام والتهم الموجهة اليهم. وقالت العفو الدولية ان عقوبة الاعدام رادع غير فعال في بلد يموج بالمفجرين الانتحاريين وغيرهم من الأشخاص المستعدين للتضحية بأرواحهم. وتشير تقديرات للمنظمة الحقوقية الي أنه جري اعدام أكثر من 130 شخصا خلال السنوات الثلاث الماضية وان كثيرين آخرين حكم عليهم بالاعدام، محذرة من صعوبة الحصول علي أرقام دقيقة. وقالت ان ما يثير القلق بصورة خاصة هو ان مبدأ عدم استخدام الأدلة التي من ضمنها الاعترافات يتم الحصول عليها بالاكراه او جراء التعذيب والحق في عدم ارغام الشخص علي الادلاء بشهادة ضد نفسه او الاعتراف بالذنب عادة ما تنتهك في العراق مما يجعل من عقوبة الاعدام عقوبة تعسفية. ولم تعلن الحكومة العراقية اية احصائيات عن عدد الذين جري تنفيذ الاعدام بحقهم بضمنهم نساء. ولا تسمح السلطات العراقية للمحامين بالدفاع عن المتهمين بموجب القانون العراقي الذي يسمح بهذا الحق. في حين تشكك منظمات دولية ومحلية بنزاهة القضاء العراق. وتؤكد انه قضاء مسيس غالبا ما ينفذ ارادات وأوامر سياسية عليا.
المؤكد ان التعذيب يمارس على نطاق واسع في العراق وفي معظم الدول العربية، تحت ستار مكافحة الارهاب واعلان حالة الطوارئ والمحاكم الخاصة واللجان الخاصة، وعلى الرغم من انضمام العراق والدول العربية الى اتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب، الا ان الممارسات مازالت تجري دونما محاسبة. وغالبا ما يفلت المتورطون بالتعذيب من المساءلة القانونية، لكون السلطات المتنفذة الحاكمة تلتزمهم وتمنع محاسبتهم.
لا يمكن قبول فكرة تعذيب الناس بزعم انقاذ حياة الأبرياء، إن هذا المبدأ سوف يتم استخدامه بصورة خاطئة للغاية، والحل يكمن في حظر عمليات التعذيب بشكل كامل على أن يعاقب كل من يرتكب مثل هذه الأفعال سواء كان دولة أو أفرادا أو مجموعات بصورة قاسية يدرك معها هؤلاء ان الافلات من العقاب لم يعد ممكنا أبدا. ونحن لسنا مع دعوات الغاء عقوبة الاعدام نهائيا، لأنها بالاصل مقررة وفق احكام الشريعة الاسلامية، وبالتالي فإنها من النظام العام، وأمر إلغاؤها يتعارض مع الدساتير التي تقرر ان الاسلام مصدر التشريع. ولكننا مع تقنين هذه العقوبة في أضيق نطاق، وهو ما أخذت به الشريعة الإسلامية الغراء رغم إقرارها عقوبة الإعدام كعامل ردع وزجر للمجتمع، إلا أنها وضعت لها شروطا دقيقة وصعبة في الأثبات، وأعطت فرصاً للتصالح والعفو عن الجاني والصفح من خلال الأفتداء ورضا ذوي المجنى عليه وحسب أنواع الجرائم. كما وضعت الشريعة شروطا دقيقة وصعبة في الاثبات كما في حد الزنا، من حيث عدد الشهود وشروط الشاهد. وحتى في عقوبة الردة أعطت الشريعة فرصة للمحكوم عليه للاستتابة لمدة ثلاثة أيام.
والمعلوم ان التوجه الدولي الانساني هو نحو تنظيم تقرير عقوبة الاعدام تمهيدا لالغائها فقد تضمن قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة لعام 1984 منها ان لاتفرض الا في جرائم النفس العمدية، وعدم اعدام من لم يبلغ الثامنة عشرة، ولاينفذ اعدام بامرأة حامل ولا بمرضع، ولا بأشخاص فاقدين لقواهم العقلية، وأن لاتوقع عقوبة الاعدام الا بناء على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالا للشك، وتوفير سبل الاعتراض والتمييز لدى المحاكم الأعلى درجة، واستنفاذ جميع وسائل الطعن الموجودة. وانه لايجوز الاستنداد الى مجرد الاقرار او الاعتراف كسبب للحكم بالاعدام. كما أن إحصاءات منظمة العفو الدولية تشير إلى أن 124 دولة أوقفت العمل بعقوبة الإعدام من بينها 84 دولة ألغتها نهائيا و12 دولة ألغتها من بعض الجرائم وهناك 24 دولة ألغت عقوبة الأعدام (عمليا) وليس (قانونيا). بمعنى ان العقوبة موجودة ومقررة لكن لم تنفذ أية إعدامات منذ 10 سنوات. كما أنه في الولايات المتحدة الامريكية هناك 12 ولاية الغت الاعدام قانونيا وعمليا، اما باقي الولايات فمازال حكم الاعدام موجودا ولكن مازال هناك (3309) محكوما بالاعدام في امريكا بانتظار تنفيذ حكم الاعدام فيهم في حين لم ينفذ سوى 306 حكم خلال العام الماضي!
رغم اننا لا نتفق مع الالغاء التام لعقوبة الاعدام، الا إننا مع المنادين بإيقاف العمل بعقوبة الإعدام في الظروف الراهنة، وخاصة في العراق، أو بعبارة أخرى (تجميد العمل بعقوبة الأعدام) والأستعاضة عنها بالسجن المؤبد، للاسباب التالية:
1. عدم توفر شروط ومتطلبات العدالة الحقيقية، من تحقيق كفوء ونزيه وعادل، وغياب الشفافية.
2. شيوع ممارسات التعذيب لدى الجهات التحقيقية والأمنية والشرطية وهذه حقيقة اكدتها في اكثر من منسبة وزارة العدل ووزارة حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني في العراق، وهو الأمر الذي أدى إلى إعتراف المئات بل الآلاف بجرائم لم يرتكبوها تحت سطوة التعذيب الذي لا يتحمله الإنسان، والمنفذ بشكل منهجي في العراق اليوم.
3. ظروف الشحن الطائفي، ونزعات الأنتقام، وعدم حيادية بعض الأجهزة التحقيقية والأمنية وإعطاؤها صلاحيات استثنائية دون رقابة، وخضوع بعضها للتأثيرات الحزبية والسياسية والطائفية، ودوافع الأنتقام، والسعي للحصول على إعترافات المتهمين بأي وسيلة كانت دون النظر لمدى مشروعيتها، وإهمال الأخذ بالوسائل العلمية واتباع الادلة العلمية في التحقيق.
هناك وقائع عديدة عن إعترافات أدت إلى الحكم على متهمين، بجرائم لاصلة لهم بها، وقد شاهدنا من على القنوات التلفازية العراقية خلال السنوات الاخيرة بث اعترافات متلفزة لمتهمين عن جرائم غير صحيحة، او اجبارهم للاعتراف بجرائم لم يقترفوها. وهذا ليس في العراق او الدول العربية فقط بل ان الولايات المتحدة اقرت انه منذ عام 1973 تم اطلاق سراح 117 سجينا محكوما بالاعدام من مختلف سجون الولايات الامريكية بعد ظهور أدلة مؤكدة ببرائتهم من إرتكاب الجرائم التي حكموا بموجبها!! كما أن حاكم ألينوي قرر عام 2000 إيقاف العمل بعقوبة الإعدام بعد تبرأة السجين الثالث عشر الذي كان ينتظر دوره في تنفيذ حكم الاعدام عليه بعدما ثبت انه أدين بطريق الخطأ!!!
لكل ذلك، واقتداء بما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام مجاعة (الرمادة) من ايقاف حد السرقة، وهو حد شرعي منصوص عليه في الكتاب، الا ان سيدنا عمر امر بايقاف العمل بالحد بسبب شيوع المجاعة، وللاسباب التي اوردناها اعلاه لابد من (تجميد) أو (وقف) العمل بعقوبة الاعدام في العراق، ولحين تحسن الاوضاع القضائية والتحقيقية، والقضاء التام على ممارسات التعذيب وانتهاك حقوق الانسان. لأن إفلات اكثر من مجرم أهون عند الله من ايقاع عقاب الاعدام ببرئ واحد!!

كاتب أكاديمي عراقي












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج