الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة الشر وجارة السوء 3

حسن الناصر

2009 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


من دواعي الاستغراب ان نجد حدة التنازع والتصارع تضاعفت بين السعودية وايران بعد مجئ الخميني كرجل دين فرض التشريع الاسلامي على جميع مناحي الحياة في ايران في حين لايوجد هكذا امر مع ايران الشاه على الرغم من ان الدولتين الان تنتهجان حسب وصفهما النهج الاسلامي , فهذا له دلالة واضحة على عقم النظرية الدينية وعدم ملائمتها لديناميكية التطور البشري المتسارع هذا من ناحية والناحية الاخرى تعطي مؤشر على تحجر الفكر البدوي السعودي يقابله أستعلاء العرق الآري الايراني فتضاد المتضادان وعلى ارض العراق أصطرعا كما في خنادق ساخنة اخرى مثل فلسطين ولبنان وافغانستان وفي أي منطقة تشهد قلقلة وعدم استقرار ترى الافعى الايرانية وقرينتها السعودية تنهش بجسد شعوب هذه المناطق .
وقد لانلحظ مشتركات كثيرة بين الجانبين رغم ادعائهم لنفس النهج الديني بل الفوارق اوسع واكبر حيث تجد فقيه سعودي يعلن بان بيعة يزيد بن معاوية كانت بيعة شرعية وان الحسين كان مخطأً بخروجه ويقابله خطيب ايراني يجهر بشتم ابي بكر وعمر ويترضى عن ابي لؤلؤة قاتل عمر وكلاهما على خطأ فلا يزيد حاكم شرعي حيث قد لعنه احد كبار فقهاء ومؤرخين السنة وهو ابو بكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء عدا باقي المدارس الاسلامية الاخرى التي ترى نفس الرأي ان لم يكن اشد , ولا شتم ابي بكر وعمر جائز ولم يرد على لسان احد من ال بيت الرسول (ص) ومن يجد لي خطبة واحدة في نهج البلاغة تعرضت بالشتم الصريح لهذين الرجلين أُدين له بالامتنان , فحتى خطبة الشقشقية التي قد تكون فريدة المعنى والاسلوب لم يتطرق بها الامام علي تصريحاً وانما تلميحاً بالنقد والتفنيد مع هنات هنا وهناك في خطب متفرقة تدور في مجملها عن مسألة الخلافة بل انه قد نهى حتى عن سباب اهل الشام وهم خارج طاعته حينما سمع بعض اصحابه يشتمونهم ابلغهم بقوله (لاارغب لكم ان تكونوا لعانين بل اذكروا مثالب القوم انجى لكم) .
ان المدرسة الوهابية المتطرفة ونظيرتها الايرانية تتصارعان وفق منهج الغلو والتطرف وتهميش الآخر وقد انسحب هذا الصراع الى الساحة العراقية التي امتازت منذ الأزل بالتسامح والتعايش كونها ضمت مختلف الأثنيات , وحتى الكوفة وهي مهد التشيع وركيزة الثورات الهاشمية تحتوي على بعض لمسات مؤسسها عمر بن الخطاب لذا انتجت فكراً متسامحاً مع كافه الآراء والتوجهات والتباين .
ان العراق كان ولاداً لكل الافكار المتجددة في الفكر الاسلامي من متصوفة وشيعة واحناف وشوافع وخوارج ومدراس الرأي وعلماء الكلام ولم يكن عصياً الا تجاه حكام الجور لكنه متسامحاً مع الرأي والفكر والمعتقد .
ان فقهاء العراق في القرن الثاني الهجري وفي فترة تبلور المذاهب والاتجاهات الفقهية الاسلامية كانوا زعماء مدرسة الرأي التي كانت تبحث في علل الأحكام وتستنطق العقل والرأي تقابلها مدرسة الحديث التي راجت في الحجاز وهي مدرسة متحجرة تقف عند النصوص القرآنية والاحاديث النبوية دون تدبر او تمحيص فان لم تجد ألتمست آثار الصحابة وبأعتقادي ان كلا المدرستين انعكاس صادق للبيئة المحيطة فالعراق يؤثر المسائل العقلية والحجاز يؤثر المسائل النقلية وشتان مابين الأمرين.
ان بداية الجنوح المتعاظم والغلو لمدرسة الامامية ابتدء من قيام الدولة الصفوية عام 1501 التي اضافت لمسات على هذه المدرسة الاسلامية الأصيلة والتي كانت منهلاً لجميع المدارس الفقهية الاخرى وقد نجد تبرير لهذه الاضافات من بعض الفقهاء اللذين عاصروا او اعقبوا تلك الفترة بأعتبارها لاتمس جوهر المعتقد لكنها ميزة اضافية تلّون التشيع بلون أكثر تمايزاً عما كان عليه في العهد الاول وانفراده عن باقي المذاهب الاسلامية بصورة جلية وبالمقابل يظهر التوجه الوهابي طغيانه على المذاهب السنية الاخرى بل انه قد صهرها بباكورته المتطرفة والتي شوهت الاسلام في كل بقاع الأرض وجعلته دين قتل وعنف بدل ماكان عليه من تسامح ورحمة .
يقسّم الدكتور علي اكبر شريعتي بكتابه الشهير (التشيع العلوي والتشيع الصفوي ) المدارس الاسلامية السنية والشيعية تقسيماً يختلف عن التقسيم الكلاسيكي المتعارف عليه وفق مدارس الفقهاء الاوائل شوافع وحنابل واحناف ومالكية وزيدية وامامية ....الخ او حسب المناهج الفكرية العامة التي تجتمع في اربعة محاور هي الاشاعرة (المذاهب السنية الاربعة) والشيعة ب(فروعها) والخوارج والمعتزلة فتقسيم شريعتي له رؤيا اخرى مفادها ان هناك تشيع علوي وآخر صفوي وتسنن محمدي واخر اموي وقد يقارب الحقيقة عندما نرى صورة الاسلام هذه الايام .
فالتشيع العلوي هو التشيع النقي الذي انتهجه ائمة اهل البيت دون غلو او تطرف في الشعائر او قذف وسباب الاخرين وقد اتضحت معالم هذا النهج الوسطي والمعتدل في عصر الامام جعفر الصادق كيف لا وهو يحمل التراث العلوي من جهة الاب وتراث ابي بكر من جهة الام , يقابله التشيع الصفوي الذي استحدث الكثير من الهنات وَشم بها ملامح المذهب بغلو وتطرف اقل مايوصف به بانه منبع للأساطير والخرافة ومن يتصفح مجلدات بحار الانوار لمحمد باقر المجلسي يجد الكثير مما ذكر حتى ان ايران وبتوجيه من الخميني امتنعت عن طبع بعض اجزاءه , كما نلمس نفس المظهر متجسداً بكتابات ابن باز وابن عثيمين الوهابية المليئة بالجهل والتخلف وتكفير كل البشرية .
اما التسنن المحمدي فهو مرآة ساطعة لنهج كبار فقهاء المسلمين الذين أثروا هذا التراث ونهلوا من مائدة آل البيت أمثال ابو حنيفة النعمان الذي كان مؤيداً بالمال والفكر لثورتي زيد بن علي ومحمد النفس الزكية وبداهة تجد الغلو المستهجن يبيح للجيش الصفوي ان ينبش قبره ويجعل من مقامه أسطبل للخيل وهو نصير لحقوق العلويين , اما الشافعي فقد اشتهر بموالات ال البيت حتى اتهم بنعت (الرافضي) فأجاب قائلاً :

ان كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان اني رافضي

أما التسنن الأموي فهو واضح للعيان في المدرسة الوهابية التي تمجد الطغاة والقتلة من حكام بني امية , كما امتزجت الكثير من الطقوس الاموية في المذاهب السنية واصبحت كبديهيات مفروضة وتلاقحت مع مداراتها الفقهية احاديث نبوية كاذبة لترسيخ هذه الطقوس التي تكن العداء بصورة مباشرة او غير مباشرة لاهل بيت النبي .
وبالمحصلة فان التشيع العلوي والتسنن المحمدي يمثلان الاسلام الحركي والنهضوي في حين يجسد التشيع الصفوي والتسنن الاموي الاسلام الحكومي لذا تجد التصنيف الاول كثيراً مايلتقي بمثابات تمثل روح الرسالة الحية التي تعتمد على الجانب القيمي اكثر من السياسي والفوارق التي تباين خطوطهم العامة تنجرد تحت باب اختلاف الفقهاء على مسألة فقهية مثل مايحدث بين علماء المذهب الواحد في حين يكون التباعد والتناحر متفاقم في التصنيف الثاني لانه أقتباس سياسي تديره وتدعمه اجهزة حكومية ومصالح السلطان التي تتقاطع دائماً.
ان التطرف والغلو الذي اصيب به الجسد العراقي مستورد وليس اصيل فلاتوجد في سلوكيات الفرد العراقي ثقافة قتل النفس او الانتحار وفق مفهوم الجهاد الذي نشهده الآن فقد جبل ابناء الرافدين على حب الحياة والتعاطي معها .
وافضل مثال يرويه لنا التاريخ عن التسامح المذهبي والعقائدي كصفة متلازمة للمجتمع العراقي هي حادثة قيام السيد دراج كليدار الصحن الحسيني في كربلاء بدرج اسماء الكثير من ابناء السنة من اهالي بغداد في سجل الشيعة حينما اراد الشاه عباس الصفوي قتلهم وبذلك انقذ الكثير من الرقاب من حر السيف , وبالمقابل صدرت دعوى الجهاد من قبل بعض رجال الدين السنة لحماية الاضرحة المقدسة في النجف وكربلاء حينما هاجمتها الجيوش الوهابية في القرن التاسع عشر .
ان العراق بأمس الحاجة لمنهج تربوي يعده اختصاصيو علم الاجتماع لتربية نشأ جديد على مفاهيم قبول الآخر والتعايش السلمي والتسامح وهي صفات متأصلة ومتلازمة في سلوكية الشعب العراقي لكنها اصيبت بوهن وتقهقر نتيجة المد الفكري المتطرف والتثقيف السيئ من دول الجوار التي اتخمت العالم بأسره من ثقل شرورها وموبقاتها وبالاخص مملكة الشر وجارة السوء .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريو الحرب.. تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وحزب الله


.. البابا فرنسيس يشارك في قمة السبع لأول مرة.. ويدعو إلى توجيه




.. هل يُرجح الحرس الثوري الإيراني كفةَ قاليباف على حساب جليلي؟


.. التصعيد الإقليمي.. جبهة لبنان على وشك الانفجار | #رادار




.. حماس: إسرائيل قتلت 2 من المحتجزين بقصف على رفح | #رادار