الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلح الحديبية الثاني..!!

كريم كطافة

2004 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أتخيل مشهداً على صفحة خيالي التعبان، عبارة عن شاشة مقسومة على نفسها. في القسم الأول منها عالم الكترونيات شاب جالساً في مكتبه أمام شاشة كمبيوتره الشخصي، منهمك في معالجة نقطة تبدو غير مرئية في خارطة الكترونية على شاشة الجهاز، يعتقد أن سبب الأعطال في حوادث الطيران خلال العشرين سنة الأخيرة تكمن فيها، يكبرها ويصغرها، وهو يتملى فيها، يريد الخروج من كواليسها المتناهية، بتقنية جديدة تجعل احتمال حصول حوادث الطيران تقترب من الصفر بالمئة. من القسم الثاني من الشاشة يطلع علينا شاب ملتحي بملابس تشبه ملابس (عباس بن فرناس) على قمة جبل. منهمك في ترتيب أوضاع الجناح الثاني من أجنحة (بن فرناس). أمامه كومة من الريش، يحاول تصنيفها كبيرها وصغيرها، يريد الانتهاء من صنع الجناح الثاني، الذي سيواصل فيه تجربة طيران (بن فرناس) بين القمة والهاوية.
بعد التمعن في المشهد، طرح خيالي المحتار عدة احتمالات للقسم الأول من الشاشة: احتمال أن يصل الشاب الأول إلى بغيته ويجعل حظوظ الحوادث تقترب من الصفر بالمئة. احتمال أن لا يصل إلى ذلك الصفر المطلوب، لكنه في كل الأحوال سيعيش ليكرر التجربة مرة أخرى وفي أسوأ الاحتمالات؛ قد يموت الشاب ليس بسبب أبحاثه، إنما موت لسبب آخر كباقي البشر، لكنه سيترك رقماً وصل إليه ليس هو الصفر، سيأتي بعده شاب آخر ربما من جيل آخر يكون قادراً بفضل تطور تقنيات، تراكم تجارب، ذهن متوقد، موهبة نادرة..الخ ليزحزح الرقم الذي وصل إليه الأول إلى الصفر. بينما ظل القسم الثاني من الشاشة بخيلاً باحتمالاته، لم يطرح غير احتمال واحد: سينتهي الشاب الفرناسي لا محال في الهاوية كومة عظام متداخلة في بعضها ومع بعضها، قد يجد من يدفنه وقد لا يجد.
سيعتقد من يقرئني كما اعتقدت أنا بانتماء مشهدي الخيالي إلى الكاريكاتير. لكني أزعم أنه صورة طبق الأصل لما يحصل في الواقع. كيف..؟ إليكم الوقائع:
بعد الانتصار الباهر والمروع للسيد (بن لادن) على جيوش الكفار في غزوتي نيويورك وواشنطن، اقنع اتباعه ومريديه وكل اليائسين من التغلب على الجبروت الأمريكي والإسرائيلي، أنه منقذ الأمة وأن الزمن هو زمن الرسالة والفتوحات الأولى. عمل في (أفغانستان) قبل الغزوتين الكبيرتين على أن يؤاخي بين الأنصار والمهاجرين (الأفغان العرب والأفغان الأفغان)، وإن كان ذلك التآخي قد حصل على حساب الأوس/ الأفغان.في (أفغانستان) كذلك ثمة قبيلتين متنافستان، واحدة تنتمي إلى الشمال والثانية إلى الجنوب (الأوس والخزرج). لما لم تفلح جهوده مع الأوس/ تحالف الشمال، عمل مع الخزرج/ طالبان على تصفية الشماليين، حتى كاد أن ينتهي منهم بعد عملية اغتيال زعيمهم (شاه مسعود). بعد أن استتبت له يثرب/أفغانستان شبه كاملة. قرر وسيراً على خطى الرسالة التفرغ للغزو. منذ ذلك الحين إلى الآن قام بثمان غزوات ناجحة هي: نيويورك، واشنطن، الدار البيضاء، الرياض، النجف، كربلاء، الكاظمية، أخيراً غزوة مدريد باهرة النجاح، الغزوة التي أخرجت جيشاً من جيوش أعدائه خارج الساحة. بالنسبة لهذا السيد الذي يعيش أيام الرسالة الأولى، لم يكن مهماً ردود أفعال الكفار، غير مهم الدمار الذي ستتسببه تلك ردود الأفعال في بلاد المسلمين، غير مهم أعداد القتلى والجرحى بين المدنيين من غير المحاربين، غير مهم احتلال يثرب/أفغانستان نفسها وقلب نظام الخزرج فيها إلى نظام آخر فيه للأوس مثلما للخزرج، غير مهم أن أمريكا احتلت العراق، وتعمل هناك على إيجاد نظام علماني ديمقراطي لا أوسي ولا خزرجي، غير مهم أن يتحول المسلم في كل زاوية من العالم إلى مشتبه به على قائمة الإرهابيين المطلوبين لأجهزة الاستخبارات العالمية والوطنية، غير مهم أن يتحول الإسلام ذاته كدين إلى مرادف للجريمة والقتل والدمار، غير مهم أن تتسيد إسرائيل على المنطقة العربية بفضل قوتها الفعلية مضافاً لها ردود فعل العالم على غزواته، غير مهم أن تتحول قضية الشعب الفلسطيني من قضية أرض محتلة وشعب يكافح لاسترجاع أرضه إلى قضية منظمات إرهابية تستهدف بعمليات انتحارية المدنيين أينما كانوا، غير مهم أن العالم ابطل جهده لحل قضية الأراضي المحتلة وأنشغل بحل قضية منظمات الإرهاب.... كثيرة هي الأشياء غير المهمة في عرف هذا السيد الآتي من زمن الرسالة الأول، على رأسها جميعاً تأتي الحياة ذاتها، لم تعد الحياة هي المهمة.. صار الشعار الجهادي هو طلب الموت بأنجع واسهل وأسرع وأضمن طريقة لبلوغ تلك الآخرة المشتهاة بسيارة مفخخة أو بحزام ناسف.
الآن وبعد أن تيقن السيد (بن لادن) من نجاح كل غزواته، وصل إلى مرحلة صلح الحديبية، ها هو يعرض على أوروبا صلحاً. مع أن الأوروبيين في ذهنه هم كذلك كفرة وتستوجب عملية إبادتهم، إلا أن (الحديبية) كانت مرحلة مهمة في سيرة الرسالة الأولى.. ستوافق أوروبا على صلحه صاغرة بعد أن رأت ما رأت من أمر غزواته..عندها سيستغل هو، تماماً كما فعل نبي الرسالة، فترة الصلح لتجميع أنصاره ومهاجريه والإعداد النهائي ليوم الفتح المبين، يوم فتح نيويورك وواشنطن وصعود بلال حبشي جديد (أمريكا لا تنقصها الأحباش) على قبة البيت الأبيض مؤذناً بالناس، والناس يدخلون في دين الله أفواجاً..
كما رأيتم إن ما سردته لم يكن كاريكاتيراً، بل هو الفرق القاتل بين أن تقرأ التاريخ دون أن تنسى لحظة واحدة انه تاريخ، وبين أن تقرأه وتعيش فيه..
18/4/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته