الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-القضية الإيرانية- مشكلة عابرة أم معضلة مزمنة

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


إن تأمل مظاهر الوجود تكشف عن أن المشاكل هي أيضا أسلوب وجود الأفراد والجماعات والدول والأمم. غير أن المشاكل حالما تتعثر وتتعقد وتتراكم في دهاليز مغلقة، عندها تصبح معضلة. والفرق بينهما يقوم في أن المشكلة قابلة للحل عبر حلول واقعية وعقلانية، بينما المعضلة عادة ما تعيد إنتاج نفسها بسبب انغلاق مكوناتها.
فقد كانت "القضية العراقية" في طي الغيب عندما جرت الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وتحولت إلى مشكلة بعد انتهاء الحرب في التسعينيات، ثم أصبحت معضلة بعد غزو الكويت. وهي حلقات، كما تكشف الرؤية النقدية والمتفحصة للأحداث والوقائع والوثائق، عن أنها لم تكن معزولة عن انغلاق النظام السياسي العراقي وأزمته البنيوية الشاملة من جهة، وعن التخطيط الاستراتيجي للسياسة الأمريكية القائمة على مبدأ "التحكم بالأزمة" من جهة أخرى.
إذ تتمثل السياسة الأمريكية الحالية تجاه إيران من حيث الجوهر نفس عناصرها المكونة في التحضير لغزو العراق، بمعنى الاعتماد على أفكار ثلاثة متغيرة الأشكال. ففي الحالة العراقية كانت ثلاثية "النظام الدكتاتوري" و"دعم الإرهاب" (القاعدة) و"أسلحة الدمار الشامل"، وفي الحالة الإيرانية ثلاثية "محور الشر" و"دعم الإرهاب" (حزب الله) و"المشروع النووي". كما أنها تجري في نفس المنطقة (الخليج) وتحت غطاء واحد هو "الدفاع عن الخليج" من "الخطر العراقي" سابقا، و"الخطر الإيراني" الآن. وهي حلقات لا يمكنها الانتهاء، حتى في حال أسوء التوقعات القائمة في الحرب على إيران وخلخلة نظامها السياسي، بالوقوف عند هذا الحد. فكما أن العراق لم يكن سوى بداية تنفيذ الحلم الأمريكي القديم في السيطرة التامة على الخليج، فان إيران ليست نهايته! بعبارة أخرى، إن السياسة الأمريكية لا تنتهي عند حدود إيران. والقضية هنا ليست فقط في من هو "القادم"، بل وبطابعها المخرب بالنسبة لبنية التراكم الذاتي للمنطقة وقدرتها الذاتية على إدارة شئونها الذاتية بنفسها. وهي حالة تستعيد على مستوى تكنولوجي رفيع وثقافة تلازمها نفسية وذهنية القرن السابع عشر – العشرين الاستعمارية تجاه منطقة الخليج.
لكن إذا كان النجاح المبتور لهذه السياسة الأمريكية في العراق مرتبطا أيضا بصعود "النجم الأمريكي" و"القطب الواحد" و"الدعم المعنوي" الهائل الذي حصلت عليه الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، فان مساعي تحويل "القضية الإيرانية" إلى مشكلة ومنها إلى معضلة تجعل من الممكن حسمها بالطريقة الأفغانية والعراقية، لم تعد سهلة. وهي الحالة التي يمكن رؤية ملامحها في تشدد الدعاية الأمريكية وسياستها المعلنة تجاه إيران وضعف الأرضية الواقعية لتكرار السيناريو العراقي.
بعبارة أخرى، إننا نقف أمام حالة حرجة لم تحسم فيها بعد تحويل "القضية الإيرانية" إلى معضلة لا مفر أمامها من "الحسم النهائي". والسبب يكمن أساسا في تفاعل أربعة عوامل كبرى وهي
1. إن النظام السياسي الإيراني لا يعاني من أزمة بنيوية. كما انه يتمتع بقوة الترابط الفعال بين فكرة الدولة والقومية والوحدة الثقافية للشعوب الإيرانية.
2. إن الدولة الإيرانية ونظامها السياسي الجديد (الحكومة الإسلامية) لم تقترف أخطاء إستراتيجية في المنطقة.
3. مساعي إيران المتجانسة للدفاع عن مصالحها القومية عبر بناء تحالفات إقليمية ودولية في المنطقة خارج هيمنة الولايات المتحدة.
4. تغير الحالة الدولية عما كان عليه الحال قبل غزو العراق. فقد كان غزو العراق مرتبطا ببداية "القطب الواحد" بينما تأجيج "القضية الإيرانية" يجري في مرحلة نهاية "القطب الواحد".
إن النظام السياسي الإيراني يتمتع بقدر كبير من القدرة الذاتية على تمثل الكل الإيراني المتناقض. بمعنى انه يمتلك من الكفاءة المرنة والمحكومة بتقاليد التراث القومي والإسلامي ما يعينه ويكفيه لحد ما على تذليل حدة الصراعات القومية والاثنية. فإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن القومية الفارسية هي اقل من نصف سكان إيران، وان البقية الباقية تتوزع ما بين أذريين وعرب وأكراد وبلوش ولوريين وغيرهم من مختلف الاثنيات الصغيرة المتركزة في مناطق جغرافية لحالها، فمن الممكن توقع حالة "التوازن الهش" في هذه المعادلة. فقد كانت هذه المعادلة محكومة زمن النظام الشاهنشاهي بقوة القومية العرقية والعنف المنظم، بينما قدم النظام الإسلامي صيغة أكثر مرونة، رغم أنها لم تتخلص من بقايا القومية العرقية والعنف المنظم، في تنظيم وترتيب الكل الإيراني والداخل الوطني. من هنا قلة الفتن الداخلية وإمكانية تصديرها إلى الخارج.
بعبارة أخرى، إن النظام الإيراني الإسلامي الحالي يتمتع بقدرة نسبية جيدة على التحكم بالاختلافات الداخلية، ويحّيد إمكانية استعمالها الخارجي، على عكس ما كان عليه الأمر في العراق قبل الغزو الأمريكي. وهي إمكانية ليست معزولة عن طبيعة الأيديولوجية الإسلامية المتسامية (الأممية) والتوحد المذهبي. وكلاهما يمتلكان، إلى جانب تاريخ مديد من وحدة الدولة والقومية، على قدرة كبيرة في مواجهة "الأخطار الخارجية" و"الأعداء". وهي مظاهر يمكن رؤيتها في مجرى الحرب العراقية الإيرانية. فقد خان أكراد العراق المصالح الوطنية العليا من خلال إسنادهم إيران، بينما لم نر شيا مثيلا له من جانب أكراد إيران تجاه العراق. بل أن عرب الاحواز لم يقفوا إلى جانب العراق في تلك الحرب. طبعا أن ذلك لا ينفي وجود أو حدة الصراعات القومية والعرقية، بقدر ما يشير إلى ما أسميته بالكفاءة الذاتية للنظام الحالي في التحكم بالخلافات الداخلية وتوظيفها المناسب في خدمة المصالح العامة للدولة والقومية، أي التوظيف النفعي للدين والقومية. الأمر الذي نعثر عليه أيضا في تجنيب الدولة اقتراف أخطاء إستراتيجية كبرى على الصعيد الداخلي والخارجي. فإذا كان النظام الصدامي قد حول نتائج الحرب العراقية الإيرانية صوب الكويت وتأزم أوضاع منطقة الخليج والعالم العربي ككل وشق صفوفه بصورة لا مثيل لها، فان السياسة الإيرانية توجهت صوب توحيد الكل الإيراني وإعادة بناء الدولة وقوتها العسكرية والاقتصادية. وهو بناء يتسم بقدر من الرؤية المرنة للعقائدية المتزمتة والواقعية السياسية. من هنا تمسكها بقيمها ومبادئها الخاصة، والعمل على إيجاد منافذ لها من محاولات غلق الحدود عليها. وتحملت إيران في مجرى عقدين من الزمن (ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين) من هذه الحالة الصعبة. لكنها استطاعت في نهاية المطاف من البقاء خارج أهداف النزاع العسكري مع الولايات المتحدة، رغم اندراجها، على عكس العراق آنذاك، ضمن "محور الشر" العالمي. ولم يكن ذلك معزولا عن قوة إيران الذاتية وتماسكها الداخلي النسبي، وعن مرونتها الواقعية ودبلوماسيتها الطويلة النفس.
لقد استطاعت إيران تجاوز "العقد القاسي" لمرحلة "القطب الواحد". وعملت في مجراه على تنظيم سياستها الإقليمية بالشكل الذي يجعلها اقرب إلى روسيا والصين، بوصفها القوى المحتملة والقابلة والمستعدة لإيقاف المد الأمريكي على المدى البعيد. بينما كشفت الأحداث التي رافقت تدمير القوات الجورجية في مجرى الحرب الروسية - الجورجية الأخيرة عن تسارع وبروز الدعوة العلنية والسياسية الصارمة عما يسمى بضرورة إنهاء عالم "القطب الواحد" وظهور عالم "متعدد الأقطاب". وبهذا تكون إيران قد حصلت على منافذ جديدة وتأييد سياسي وعسكري محتمل وقوي في الدفاع عن مصالحها الوطنية والإقليمية (يتبع...).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل