الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباخ على طريق التعب

عبدالزهرة لازم شباري

2009 / 5 / 23
الادب والفن



الشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي يعمل على اقتناص الحدث المرئي أو المسموع لخلق صوره الإبداعية فهو ينهل مباشرة من المنابع الصافية التي تنبع من الواقع والذي يجعل من القصيدة صورة مرئية ذات اطر مزركشة بالورود !!
حيث أنه يملك القدرة والواقعية لخلق هذه الصور البلاغية التي توءطر مجموعته هذه أو تلك ،
فنراه يحول هذه الصور عبر مخيلته إلى نص ذي قيمة ثرية بمعانيه وخواصه .
وبهذا إستطاع الشاعر أن يقدم تجربته الإبداعية بنمط تجريبي حديث وخيال واسع ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على سيطرته على مسك زمام العمل في مشغله هذا لكي يحول هذه الأحداث إلى صور بلاغية تسهم في خلق أجواء تنقل المتلقي لهذه الصور وتدخله إلى ملكوت من الخيال
سابحًا في فضاءات واسعة ومتنقلًا في مروج خضراء ممتدة على طول الأفق اللامحدود في خياله !
فهذا الإشعاع الذي يشع على قصائد مجموعته ((أسباخ على طريق التعب )) من كل الجوانب يومئ
بالدلالة إلى الواقع المر الذي يعيشه الشاعر وشعبه في العراق ، في خضم هذه المتناقضات والمتزاحمات من الضروف القاسية والحروب المدمرة التي حصدت الكثير من أبناءه !
ولو حاولنا الولوج في مملكته وتمسرحنا مع صورها الإبداعية من بداية عنوانه الذي يؤكد فيه
على ظلامية الطريق الذي يسلكه مع شعبه وما يتراكم عليه من دبق السنين وما حملته من متناقضات وآلام وقتل جماعي بدون رحمة .
فهو يؤكد على هذه الأسباخ التي حطت بأورامها على الطريق ومنعت البساط الأخضر الذي يغطي شعبنا من أن يعيش كباقي الشعوب الأخرى التي أبدعت في كل المواقف !!
والى إهدائه الذي ينث رذاذ مطره وينشره بقصد هادف إلى اللذين غيبوا محله كشاعر موهوب له
باعه في رسم صوره ومعاناته التي هي معانات الشعب كله ، لذا نراه يوجه لومه وعتبه المفرط لهم تارة
حتى يظهر في تجلياته وإهدائاته في مجاميعه الشعرية والأدبية وحتى لمن يحب أيضاً .
وتارة أخرى يذكرهم بأن هذا الذي تتجاهلون أصبح أستاذاً ، دكتوراً، مربياً له موقعه المتميز في هذا الوطن بلا إنكار ولا إجحاد ، ، فبأي آلاء هذا الشاعر تجهلون !!
فهو يقدم بهذا الإهداء إلى القارئ إذن إرهاصاً سرمدياً وتحذيراً لمن يقومون مقام الحاسدين والمتلونين
في هذا المجال أو ذاك .
ففي قصيدته الأولى ((أسباخ على رصيف التعب )) بهذه المجموعة نراه يعدد الأحداث والتفاعلات اليومية كما هي في الواقع المر الذي يعيشه هذا الشعب المظلوم وما نراه يومياً في حياتنا المكتظة بأنواع الهموم التي أحاطت بالناس كأسوار السجون والزنازين والنهايات من قصور التعذيب والقتل الجماعي في ذاك الزمن الأجوف الذي لا يرى فيه غير المآسي والعذاب وأسباخ الجهلاء التي تنخر في كل شيء حتى آل النخر والتهميش إلى نخيل البصرة ، ونوارس شط العرب راحت تحمل في مساءات البحر الغريبة جثة الوطن وتزفه بالويلات فيقول :
(ورأيت طيور النورس تمضي..
رغم شظايا الجهلاء ،
أحمل أسباخ البحر هدايا
لتلك الفقراء ،
الآتون من أكواخ الجوع !)
فأيي هدايا هذه التي يحملها الأسدي إلى هذه الأكواخ التي تصرخ جوعاً وألماً وخوفاً .
ويذهب الشاعر يعدد تلك المآسي والويلات مستجدياَ حب الوطن الغالي عليه رغم هذا الجفاء .
إلا أنه يؤكد حبه للوطن ويقول لا حياة بدونك يا وطني والموت أكيد لو عفت هواك !
ورغم هذا يحلم أن يقطف من هذا الصبر الذي جعله زاده الوحيد لتلافي هذه الويلات
وهذه الهموم في أن البرعم الذي أكلته الأسباخ لا بد له من أن يخضر حتى ولو في صخر الروح !
فيقول : ( أقطف من نخل الصبر
بقايا الطين ،
وأزرع في قلب النهر
هموم الجزر !
وبعد غد أحلم أن البرعم خضر في صخر الروح !!)
كما في قصيدته ((أشرعة الماء)) ص 3 .
(( هذا ثوب غطى جسد البحر فأبكاه الموج ،
وذاك قميص يبتل بماء الخوف ،
وتلك القبرة العمياء تخاف الضوء !
أكل الدهر عليها وابتل الجوف ! ))
صور متعاقبة يرسمها في مرآة الروح تحمل آلام الشعب المظلوم ، تحمل خوف الأشياء من المجهول الذي يغطي هذا الوجود المعتم ، تمتد الأرواح قبل الأيدي لقطف الجوع من البستان الذي على
مايبدو لي في تصوير الشاعر إنه بستان لا يحمل غير الجوع والأسباخ في تناياه وسواقيه .
فأيي صورة هذه التي يراها في مخيلته الواسعة رغم سيطرة الخوف على هذه الصور البلاغية ،
ثم لا يلبث أن يتجاوز هذا التشاؤم والتصدي لهذه المخاوف التي سيطرت عليه بأن يجعل الكلمات التي يصورها لنا مثل السيوف لا بل أمضى منها حيث أنها لا بد لها من أن تكسر أفواف الطعنات :
((لكن الكلمات كسرت أفواف الطعنات !! )) ص 6
ويمضي في رصف معانيه وقوالب قافيته المحببة إليه في قصيدته الفائية يسطر لنا أحلامه بأن يطلق للأماني العنان ويذبح المخاوف التي تعتريه والتي سيطرت على قصائده ، وهو يجعل من هذه القافية رمزاً لكسر أطواق الخوف حتى يسقي هذه الخبزة التي يقتات عليها شرفاً وعزاً وخلودا ً ،
فيقول في ص7
(إطلق عنان الأماني زحفها وقفا
واذبح مخاوف عمر عشته قرفا
مالي أغامر في تمزيق قافيتي
خمسين عاماً لأسقي خبزتي شرفا
يرف عمرك مثل النخل مرتفعاً
يرى السعادة لو قصوا لي السعفا )
وهكذا يسطر لنا هذه الصور البلاغية في مشغله الفني ليرصع خد القوافي بهذه الجواهر الثمينة ، ويرى في قافيته هذه أن يبقى مرفوع الرأس مثل النخل حتى ولو قصوا لها السعف !!
فهو إذن يرصف في صوره هذه المتمثلة بقصائد مجموعته (( أسباخ على رصيف التعب )) كل حالات التعب والخوف والفقر والعوز التي يعاني منها شعبنا في خضم هذه السنين من القهر والعذاب كما في :
(أسباخ على رصيف التعب ) (أشرعة الماء ) (المرآة ) (المغامرة ) (أنين الهزبر) (تأشيرة غير صالحة للسفر ) وغيرها من قصائد المجموعة .
يبدو لي أن هذه الحياة المشبعة بالمؤثرات وبالطاقة الانفعالية التي تكبل الشاعر بقيود تجعل منه متأثراً للحد الذي يكون دائماً في حالة فوران مغموساً بالهم الذي يربك الحياة السياسية والوطنية والاجتماعية التي يحياها وهذا طبعاً من المؤكد الذي لا يقبل الجدل ولا المواربة أن يجعل من قصائد هذه المجموعة وغيرها صوراً مبدعة ذات خيال واسع تتدفق بالصدق والحرارة لما فيها من الإدراك الحسي والطاقة المخزونة القادرة على التأثير في إحساس المتلقي لا سيما في قصائده التي تتأقلم بين الموروث والحداثة ، رغم التأثير الذي يظهر عليه بين الفينة والفينة نتيجة إلى ما يلاقيه أو يسمع به من خوارق وإبهامات خارجة عن الفهم الشعري والأدبي إلا أنها أخذت دورها وحصتها من النقاد والنشر في الصحف المحلية والعربية .
وهذا التأثير يظهر جلياً لدى القارئ الكريم عندما يقرأ قصائد الشاعر المعنونة ( ( خوارق خارجة عن
العقل /1) ( خوارق خارجة عن العقل/2) (خوارق خارجة عن العقل/3) التي يرد فيها على المتقولين بالشعر والمتجلببين بردائه والمشبهين الله بالشاحنة الكبيرة ، والمشبهين أنفسهم بالله والرسول ً( ص )
والملحدون من الشعراء اللذين يرون الله كغزال أخضر تطارده الكلاب .
قاتلهم الله أنى يصفون ،

هذه التفاهات والزندقة التي يطلقها البعض من المتألهين يؤدي إلى وضع الشاعر وغيره ممن لا تأخذه بالحق لومة لائم في بركان يؤدي بالتالي إلى أن يسلط سيفه وقوافيه للرد عليهم ، وهذا ما كان من حلاوة الشعر وصدق صوره كما رأينا في القصائد التي مرٌت بنا في المفاخرة بين الشاعرين الفحلين الفرزدق وجرير !!
وبالعموم إن قصائد هذه المجموعة قصائد جميلة وصادقة وهي دعوة إلى تسامي الإنسان على ذاته والتحلي بالصدق والحب للوطن والمبادئ السامية ، فهو إذن يبحث له عن مأوى سماء وأرض ..
موطن غير الذي يأوهيه ويتخندق فيه لأن المناخ الذي يحيطه لا بد له من تغييركون الشاعر مثل طائر لا تستهويه الأقفاص بدلاً من الفضاءات الواسعة .
فهو يحاول عبثاً الطيران في أجواء الشمس المحرقة بأجنحة من شمع !!
وهذا يعد من البديهيات التي لا ترى إلا بالأحلام ، وهذه الأفكار التي تحيط به تتمظهر خالصة فيما يصوره في قصائده الجميلة حيث يرى جنته واضحة المعالم في هذا الوطن العزيز ثم لا تبرح قليلاً وتختفي من الوجود .
والمحاولة في تسطير ورسم الصور البلاغية في مجموعة الأسدي عبثاً أقوم بها هنا في هذا المجال الضيق حيث لا أريد أن أسلب من القارئ فرصة التمتع في قراءة هذه المجموعة الجميلة ليتسنى له الوقوف شخصياً على هذه الإرهاصات وهذه الخلجات التي هي صور لا شك تمثل واقعنا المر!!
وأخيراً أقول وكلي ثقة بأني سأقف مستقبلا على تراث يجب أن لا ينسى من قبل النقاد والباحثين لعل الغموض الذي يكتنف كثيراً من الصور في شعر الأسدي كفيلاً في إثراء المكتبة العربية بما يستحق الإشادة به فأقول :
هذا انسيابك أم نزيف الروح
في القلب الرهيف ؟
ليتني أقوى أعاند في رياح الشر
من عيني الكفيف !
وأرى بقايا الخير في ..
شعر الشريف !



البصــــــرة في 14/5/2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب