الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب المغربية وسؤال الإصلاح

عبد الإله بوحمالة

2009 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


حينما نطرح سؤال الإصلاح، على أرضية المشهد السياسي الحزبي وتعاقب التجارب منذ الاستقلال إلى الآن، يجب أن نصغي جيدا لما قدمه هذا المسار من أجوبة، مع ضرورة وضع الطبيعة الدستورية لنظام الحكم وإشكالية توزيع السلط ودرجة وضوح الاختصاصات والمسؤوليات والبنية المركبة للعلاقات المؤسساتية بين الأجهزة في الحسبان كعناصر تتحكم دائما في أي دينامية مفترضة للإصلاح.
ومع ضرورة تذكر أن الإصلاح، إلى جانب كونه تطبيقا عمليا يحتاج إلى فكر ورجال وتكلفة، يعتبر شعارا عريضا فضفاضا بوسع أي حزب كان رفعه وتوظيفه لغايات استقطابية أو انتخابية عابرة بطريقة لا تتجاوز، في الغالب، الخطاب إلى الواقع الملموس، ولا تترجم، في معظم الأحوال، الأقوال والنيات إلى أفعال وإنجازات.
والأجوبة التي نستخلصها من تجارب هذا المسار تقول أن:
ـ الإصلاح لا يمكن أن ينجز دون توفر الإرادة الجماعية لإنجازه:
إذ لا يمكن لأي حزب، مهما كانت قوته السياسية وعنفوانه التنظيمي وامتداده الجماهيري، أن يقدم على إصلاح حقيقي وعميق الأثر، وأن ينجح فيه، بشكل فردي وبمعزل تام عن باقي الفاعلين الآخرين وعلى رأسهم المؤسسة الملكية.
ـ الإصلاح لا يمكن يتم في غياب القدرة الفعلية على إنجازه:
وأبسط شروط هذه القدرة هي التمتع بسلطة كاملة غير منقوصة سياسيا أو دستوريا. وتوفر الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لخوض معركة الإصلاح والتي غالبا ما تكون شرسة وتحتاج إلى جرأة وتضحيات.
فقدرة أي حكومة للإصلاح، كما هو معلوم، تأتي من قدرة الحزب الذي يقودها، وقدرة هذا الأخير تنبع من الهياكل التي تنظمه والقوانين الديمقراطية التي تحكمه، ومن قدرة وكفاءات الأطر التي يتوفر عليها والتي ستؤول إليها في النهاية مهمة إنجاز مشاريع الإصلاح القطاعية والجزئية في إطار المشروع الإصلاحي العام.
يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن لحزب ما أن ينجح في مشروعه الإصلاحي ما لم يكن قادرا على استئصال بؤر الفساد والتخلف ومواجهة صانعيه ومعاقله والمستفيدين منه، وتقويم الأوضاع المختلة على كل الصعد والمستويات، ثم أخيرا، وهذا هو الأهم، الإتيان بالبديل الجيد من خلال الحكم الجيد طبعا.
ـ الإصلاح لا يمكن أن يتم في غياب مصداقية القائمين به:
فلا يمكن لمشروع مهما اتضحت فلسفته ومبادؤها، ومهما دقت رؤيته الإصلاحية وحسنت نواياه، أن يرفع لواءه من قبل حزب فاسد لا مصداقية إصلاحية له، أو من طرف حزب يوجد بذمته عوالق فساد وسوابق سوء حكم وتدبير أو تلطخ سمعته تجارب فشل ذريع أو إخفاق سياسي واقتصادي واجتماعي بين، أي بعبارة أوضح، لا يمكن البناء بفكر هدام ولا بأدوات ورجال الهدم والعجز والفساد.
ـ الإصلاح لا يمكن يتم في غياب توفر المعرفة الكفيلة بإحداثه:
وهي المعرفة التي تقتضي وعيا عميقا بالواقع المراد تغييره وإصلاحه، كما تقتضي معرفة تحليلية بعيوبه وأعطابه واختلالاته، وإلماما شاملا بآليات اشتغال الفساد ومسببيه ومصادره والجيوب التي يتمركز فيها صناع الفساد، دون إغفال ضرورة التوفر على قدرة نظرية كفيلة بصياغة الأجوبة واقتراح الحلول، وقدرات عملية جماعية على تطبيقها، على أرض الواقع، بمنهجية ودقة وصرامة.
فالحزب الذي لا يعرف شكل وعمق وحدود ودرجة صعوبة الاختلالات التي يقترح مشروعه كعلاج لإصلاحها، حزب محكوم عليه بالفشل سلفا لأنه لا يقوم بالتشخيص الدقيق للوضع بل يكتفي بالأعراض وتقديم الوصفات الخارجية المؤقتة.
ـ الإصلاح لا يمكن يتم دون تحديد دقيق لزمنه وأجندته:
فلا يمكن إنجاز إصلاح ما إلا ضمن سقف زمني محدود ومحدد الإجراءات والخطوات، ولا يعتبر إصلاحا ما كان مفتوحا على المستقبل اللامحدود.
فالإصلاح تمرين متناه يجب أن تكون له بداية كما ينبغي أن تكون له نهاية، لأن الهدف الأسمى من الإصلاح هو تحققه النهائي حينما يصبح واقعا طبيعيا قائما، ولا قيمة للحظة الإنجاز إن لم تكن تقدما مضطردا وتراكما متوليا ينتهي بالاكتمال.
ـ الإصلاح لا يمكن يتم إلا وفق خيار واحد:
والخيارات المتعددة والمتناقضة ليست دائما دليلا على ثراء في الرؤى أو خصوبة في التصورات والاجتهادات، إذ غالبا ما تكون عنوانا لقصور في الفهم وتشوش في الرؤية وعجز عن الإحاطة الشاملة بالواقع المراد إصلاحه.
ـ الإصلاح لا يمكن يتم إلا من الداخل:
والإصلاح الفعال دائما هو الذي يطال، أول ما يطال، الأسس والقواعد والبنى الناظمة التي يهيمن عليها الاختلال ويعوقها.
ـ الإصلاح الحقيقي والشامل لا يمكن يتم إلا من خلال الديمقراطية:
ولأنه كل لا يتجزأ، فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتكنولوجي...الخ، فإنه لا يتحقق إلا في إطار ديموقراطية حقيقية وشاملة. أما ديمقراطيات الواجهة فلا تصنع إلا إصلاحات شكلية أو مزيفة على سبيل الترميم والترقيع، كما أن الأنظمة الديكتاتورية والشمولية لا تحقق إلا إصلاحات جزئية وإلا ما كانت توصف بكونها أنظمة ديكتاتورية.
وخلاصة القول، إذن، أن الأحزاب، كأحزاب، لا يمكنها أن تصنع إصلاحا ولا تغييرا بالمعنى الحرفي للكلمة أي المعنى العمودي لتنزيله وفرضه من أعلى، بل إن دورها يجب ينصب على صياغة رؤية الإصلاح، وعلى تأطير وقيادة النخب والقوى الحية الفاعلة في المجتمع سياسيا وثقافيا لتعمل في اتجاه تنفيذ هذه الرؤية وحصول هذا الإصلاح وتسريع وتيرته بمطالبة الدولة والضغط عليها، وبإقناع المجتمع وتوعيته وتوجيهه.
ومع ذلك فإن التجربة الحزبية في المغرب، في ظل سياقاتها التاريخية المعروفة، لم يسبق لها أن استوفت مثل هذه الشروط حتى نستطيع أن نقول أنها كانت في فترة من الفترات تستشرف إمكانيات الإصلاح وأنه كان بإمكانها النجاح، وهو نفس الشيء بالنسبة للسياق السياسي الحالي.. أي أن الأحزاب لم تجب لحد الآن على سؤال الإصلاح، ولا يظهر أنها ستجيب عنه فيما قريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل