الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان الشيوعيون الأكثر التصاقا بالواقع

نعيم الأشهب

2009 / 5 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



طالعت في عدد "الأيام" بتاريخ 28/ 4/2009 تعليق الأستاذ حسن خضر على كتابي "دروب الألم...دروب الأمل".
أود في البدء أن أقدِّر لخضر تقييمه العام للشيوعيين الفلسطينيين"...الذين بلغوا سن الرشد قبيل النكبة أو بعدها بقليل"، كما يقول
وأفهم من هذا التقييم الإشارة إلى إدراك الشيوعيين الفلسطينيين للواقع الفلسطيني المعقد، آنذاك، في ضوء ما طرأ على هذا الواقع من متغيرات نوعية، فشلت القيادة الوطنية الفلسطينية السابقة، مع الأسف، في رصدها والتعاطي الواقعي والمسؤول معها. حينها تبني الشيوعيون الفلسطينيون هدف إقامة الدولة الدمقراطية لجميع سكان فلسطينين دون تمييز، لقطع الطريق على مشاريع الصهيونية لتقسيم فلسطين. وحين تلاشت إمكانية هذا الحل، بصدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة في 29/11/1947، تحوّل الشيوعيون الفلسطينيون نحو قبول قرار التقسيم، في محاولة لإحباط مؤامرة تشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرض وطنه، وحرمانه من حق تقرير المصير، ولو على جزء من فلسطين.
وكما أفهم، يندرج في إطار هذا التقييم ما أشار إليه خضر لاحقاً بالقول:"كان ثمة خيارات كثيرة لحل الصراع في فلسطين وعليها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. وفي هذا الصدد كان الشيوعيون الفلسطينيون الأكثر التصاقاً بالواقع، لكن حظوظهم كانت للأسف، قليلة". ولما كنت لا أومن بالحظ، فأنا أزعم أن عدم نجاحهم مرده في الأساس إلى شراسة المطاردة لهم من جهة وإمكانات التضليل لدى الطرف الآخر، من الجهة الثانية.
بعد هذا، أثار دهشتي أن خضر لم يجد ما يقتطفه من كتاب يتجاوز الثلاثمائة صفحة، إلاَّ فقرة ينتزعها من سياقها، تقول: "كان رشدي يشغل نفسه، أحياناً، حين يمِّل من لعب الورق والطاولة، بترجمة شيء من أعمال لينين المختارة عن الإنجليزية ..." ويمسك خضر عن الإشارة ، ولو بكلمة، عن الظروف التي أرغمت الشيوعيين على لعب الورق والطاولة، آنذاك، بحيث أن مَن يقرأ هذا في تعليق خضر، دون أن يكون قد أطلع على الكتاب، يتصور أن الشيوعيين الفلسطينيين كانوا يلجأون إلى البيوت السرية، ويغلقونها على أنفسهم لممارسة هواية لعب الورق والطاولة! والحقيقة، أن هذا وقع في ظروف أقسى حملة إرهاب بوليسي عرفتها البلاد في تاريخها، حيث المطاردات والمداهمات، ليلاً نهاراً، والاعتقالات بالجملة والمفرق، حتى فاضت السجون والمعتقلات بالمناضلين الوطنيين، وفاق في هذه الاعتقالات نصيب الشيوعيين جميع التنظيمات الوطنية الأخرى مجتمعة كنوع من العقاب لهم على دورهم النشيط في المعارك الوطنية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة، وبخاصة معركة حلف بغداد، التي كان الشيوعيون فرسان صفوفها الأولى. عدا ذلك، جرى منع دخول أية مطبوعة عربية أو دولية، وبكلمة: خيّم ظلام مطبق على البلاد. هذه هي الظروف التي أتاحت للشيوعيين الذين أفلتوا من الاعتقال والتعذيب، إمكانية لعب الورق والطاولة، في البيوت السرية، ليستأنفوا المعركة بعد استيعاب الضربة.
ونسأل الأستاذ خضر، هل من الانصاف اجتزاء الحقيقة على طريقة "لا تقربوا الصلاة ...؟!"
بعد هذا يتخذ خضر من هذه الفقرة بالذات مدخلاً لمهاجمة لينين، بالقول: "لا أتورع، في الوقت الحاضر عن القول إن لينين كان كاتباً رديئاً، وفي أفضل الأحوال فإن تسعة أعشار ما كتب في حياته لم يعد مفيداً لأحد سوى الباحث في تاريخ الأفكار".
ولعل أول ما يثيره هذا الحكم على لينين الكاتب، هو السؤال: ما هو تفسير خضر لتأثير كتابات هذا الكاتب "الرديء" على عقول عشرات الملايين ؟ والأمر هنا، لا يتعلق بكاتب رواية أو نص مسرحي، وإنما كاتب سياسي ومفكر نظري، هذا أولاً، وثانياً: إذا كنت أتفق مع خضر على أن الكثير من كتابات لينين لم تعد تصلح لأيامنا – وهو أمر منطقي لاختلاف الزمن والظروف، ولو كان لينين نفسه حياً لما اختلف مع هذا الاستنتاج – فإن هذا لا يفقد هذه الكتابات كل قيمة. وإذا كان من الإنصاف الحكم عليها، في إطار زمانها ومكانها،لا بمعايير اليوم، فإنها مع ذلك تبقي لها على الأقل قيمة تجربة، لثوري كبير مثل لينين، بسلبياتها وإيجابياتها. وإذا استخف المرء بتجارب الغير، مهما كانت سلبية من وجهة نظره، فقد يجد نفسه وقد بدأ نشاطه من حيث بدأت تجربة هذا الغير، وليس من حيث انتهت، فميزة الإنسان الأساسية أن له تاريخ، وخلاصة هذا التاريخ تجارب من سبقوه.
وبعد هذا، يتحول خضر ليرسم صورة كاريكاتورية للماركسية. لكن هذا ناجم، في رأيي، عن الخلط بين الماركسية والتجربة السوفيتية المنهارة. حيث بدت الأخيرة، وعلى مدى عقود، وكأنها تجسيد للأولى. وللأمانة، فهذا الخلط لا يقتصر على خضر، بل يطال كثيرين حتى ممن كانوا يعتبرون أنفسهم ماركسيين إلى أن انهارت التجربة السوفيتية. وفيما يتعلق بالتجربة السوفيتية، فإن الأسباب الأساسية لانهيارها تكمن، بالضبط، في تجاهل المباديء العامة التي صاغها ماركس لبناء الإشتراكية.
وكفيلسوف مادي- جدلي،لم يحاول ماركس وضع أي تصور من خياله للمجتمع الإشتراكي. فهذا يقرره الناس المعنيون، ضمن شروط وأوضاع محددة بهم. لكن بناء على دراسته العلمية للنظام الرأسمالي، ولظاهرة البيروقراطية التي أفرزها هذا النظام من جهة، ومن الجهة الأخرى استخلاصاته النظرية من تجربة كومونة باريس 1871، صاغ مبدأ التسيير الذاتي في الإنتاج ، مما يحول دون نشوء البيروقراطية من جهة، ومن الجهة الأخرى يرسي أسس متينة لديمقراطية شاملة. ومقابل سرقة فائض القيمة من جهد العامل في الرأسمالية، صاغ ماركس مبدأ "من كل حسب مقدرته ولكل حسب عمله"، والذي يمثل، في الوقت ذاته، حافزاً حقيقياً للعمل والإنتاج. وبتعميم هذين المبدأين سوية تنشأ ديمقراطية جديدة ومتكاملة، بوجهيها السياسي والاجتماعي، وليس ديمقراطية مجتزأة تقتصر على الجانب السياسي، في أحسن الأحوال، كما هي سائدة في العالم الرأسمالي، حيث تمثل غطاءً للاستغلال الطبقي. ففي أم الديمقراطيات الرأسمالية وأغناها – الولايات المتحدة – يوجد اليوم أكثر من أربعين مليون إنسان بلا تأمين صحي، وملايين بلا عمل، بل وبنتيجة الأزمة الأخيرة التي بدأت في قطاع العقارات، يوجد ملايين بلا سقف ينامون تحته. يقابلهم عدد محدود جداً تتناقص نسبته في المجتمع بمقدار ما ترتفع ثرواته الفلكية إلى عنان السماء.
وقد يسأل الاستاذ خضر: أين كنتم، عندما كان هذا الخلط بين الماركسية والتجربة السوفيتيية قبل سقوطها ؟ واعترف بأننا كنا متأثرين بالمنظومة الفكرية السوفيتيية، وهذا يعود لسببين، الأول: تواضع معرفتنا بالماركسية بحيث نمتلك القدرة على التمييز بينها وبين التجربة السوفيتيية. والثاني: ثقتنا الكبيرة بالإتحاد السوفيتي، باعتباره يمثل التجربة الأولى، في بناء مجتمع جديد، بديل للرأسمالية، يعزز هذه الثقة، الدعم السوفيتي لقضيتنا الوطنية وقضايا الشعوب العربية الشقيقة.
وختاماً، فإن ملاحظاتي هذه لا تنال من تقييمي لجهد خضر في التعليق على كتابي المذكور.

نعيم الأشهب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماركسي الحقيقي
فؤاد النمري ( 2009 / 5 / 23 - 10:04 )
نقدر عالياً إعتراف السيد الأشهب بأنه كان ماركسياً زائفاً قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وحبذا لو ينصح رفاقه بمثل هذا الاعتراف التقدمي بكل الأحوال . ثم كيف يطمئن السيد نعيم بأنه اليوم ماركسي حقيقي ؟ بأي دلالة ؟ كان ماركسياً زائفاً في حين كانت كل الوقائع ماثلة على الأرض ولم تكن كافية ليميز بين الحقيقي والمزيف فكيف به اليوم وقد غامت الآفاق !؟
حديث السيد الأشهب عن البيروقراطية وعن الديوقراطية يشير بقوة إلى أن كارثة انهيار الإتحاد السوفياتي لم تعلمه شيئاً من ماركس . البيروقراطية في أي نظام لا تقوى على تهديمه . ابحث عن علّة أخرى غير هذه العلة البائسة . علّمنا ماركس أن الأنظمة الإجتماعية لا يهدمها إلا الصراع الطبقي . وشيئاً آخر أود أن أؤكده للماركسيين المزيفين وهو أن الديموقراطية الإشتراكية كانت بأبهى صورها خلال حكم البلاشفة وحتى مجيء خروشتشوف . كان البروليتاريا في المصانع هم الذين يقررون خطة مؤسستهم الخماسية ووصل الأمر إلى أن يصوّت الجنود على العمليات الحربية قبل تنفيذها رغم أن قوانين الحرب لا تجيز ذلك
أما التسيير الذاتي الذي انتهجه تيتو ومن بعده الجزائريون فإنما هو صيحة تروتسكية في المؤتمر العاشر للحزب 1921 وقد هاجمه لينين بقوة قائلاً أن تروتسكي يود أن يبقي الحزب بلا سلطة وهو ما حارب


2 - الشيوعية
يزن ( 2009 / 5 / 23 - 12:50 )
السيد نعيم الأشهب تحياتي العطرة
بأعتقادي لا يوجد فكر صحيح وأخر غير صحيح ...ولا يوجد فكر يحقق النعيم الكامل كما يفهمه الشيوعيين

أن الفكر الشيوعي ..رغم تناقض الأيدلوجية إلا أنه أقرب ما يكون إلى الفكر الديني ... بأعتبار الأثنين يعتقدون بوجود أفكار ألاهية كانت أم بشرية جاهزة وتحت الطلب ...لتحقيق قمة العدالة
وبخصوص تعليق السيد حسن خضر ... وتأثير كتابات الشيوعية في العالم ..فأني أوافقك الرأي ..فالشيوعية كانت نقطة تحول وما زالت ... لأنها نابعة من مثالية أنسانية متأصلة في أعماق كل شخص ..ولكن بات تطبيقها ضرب من الخيال ...ولهذا يجب تعديل الأفكار القديمة ..والشيء الجميل أنكم لا تعتبرونها ألاهية كما عند الأديان

اخر الافلام

.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا


.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.




.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع