الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعركة ليست في الفلوّجة الفلسطينية.. بل في القاهرة

مفيد ديوب

2004 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هكذا قال قائد الكتيبة المقاتلة في الفلوّجة الفلسطينية ضد العدو
الصهيوني, الضابط الشاب جمال عبد الناصر.. بعدما خبر العدو الأسرائيلي بمعركة
مباشرة, وتبين له أن هذا العدو هو رأس حربة المشروع الاستعماري الأوروـ أمريكي
,وتبين له بالوقت نفسه عجز النظام الرسمي المصري والعربي عموما على مواجهة
ذلك المشروع الكبير والمستمر .. لذا قرر نقل معركته إلى العاصمة..
لم يتمكن القائد العروبي من إبداع الحلول لمواجهة ذاك المشروع . ربما لم
تكن الظروف الموضوعية والعالمية ولا حتى الداخلية توفر المناخ الملائم
لذلك... فوقع القائد العربي في فخ وهج الدولة الشموليّة, وولج في نفق صناعتها
بعدما انتصر في معركته الثانية في القاهرة .. ذلك النموذج المستلهم من
التجربة السوفييتية التي كانت قد خرجت لتوّها منتصرة على القوى العالمية
العظمى ( النازية والفاشية)..
وكان ذاك الانتصار مذهلا ومدوّيا ,وآسرا للعقل العربي الذي خرج لتوّه
مهزوما في نكبة فلسطين و العرب ... و كان بأمّس الحاجة إلى نصر مشابه مهما
كانت التضحيات سواء كانت الحرّيات أو كانت دماء الشهداء من أبناء الأمة
الشبّان.
لكن نماذج الدول الشموليّة في المنطقة العربية فشلت في تحقيق النصر
المأمول, كما لم تفسح المجال للشعوب بأخذ فرصتها, و إبداع الأشكال النضالية ضد
ذاك العدوان المستمّر. بل تحوّلت الشموليّات إلى إعاقة شديدة لأي نهضة من
أي نوع و لأي نصر في أي مجال, و تحوّلت إلى نظام رسمي عربي عاجز و عائق,
مثلما كان النظام الذي طالب عبد الناصر بفتح المعركة معه . و أصبح لا بد من
الإطاحة بهذا النظام لكي تتمكن الشعوب من السير بخياراتها بالتصدي
للمشاريع العدوانية المتوالية ...
لكن هل وعت شعوبنا دروس التاريخ ؟ هل وصلت إلى وعي كامل بالسبل و الآليات
التي تمّكنها من تحقيق النصر المأمول ؟ هل توضّح نموذج الدولة و السلطة
السياسية التي تمّكنها من إجراء النقلة الحضارّية الكفيلة برفع راية النصر ؟
! و الأهم هل توضّح نموذج الدولة و السلطة التي ترسي قواعد الحريات و تلغي
الاستبداد الممتد جذوره في الماضي إلى قرون طويلة, و تؤهّل الشروط لخلق
مواطنين أحرار و شعوب حرة تتمكن من الدفاع عن حرية أوطانها و مستقبل
أجيالها, و بالوقت ذاته تؤسّس لاندماج المجتمعات و دخولها الأوطان, عوضا عما هو
قائم و تحوّل انتماءات فئات المجتمع من إلى طوائفها و قبائلها و عشائرها و
إثنياتها إلى الوطن و وحدته و همومه و تحدياته ؟
أم أن العرب مازالوا كما كانوا معهودا عنهم, يسهل عليهم هدم وتدمير ما
يريدون هدمه لكنه يصعب عليهم بناء البدائل الأفضل؟
هل قررّت النخّب الثقافية و السياسية و الوطنية استبدال ثقافتها الرعويّة
الماضويّة الإنشائيّة - و الشفاهيّة, بثقافة تواكب العصر, ثقافة احترام
الآخر, عوضا عن ثقافة إلغاء الآخر المختلف, و ثقافة تحترم العقل عوضا عن
ثقافة تحتقره و تكبّله و تشلّ قدراته و طاقاته . ثقافة تعيد للإنسان مكانته,
عوضا عن ثقافة تريده و تصنع منه عبد طائع للغيب و للسلطان ؟ هل قررت تلك
النخب البحث عن الجذور العميقة للإعاقة عن التحضر و أسباب العجز الذاتي, و
إبداع الحلول لتجاوز العجز و الإعاقة ,عوضا عن مفاهيم المؤامرة و ثقافة
النواح أو ثقافة السباب و الشتائم, و تحميل أسباب الهزائم إلى الآخر, الذي
لم يكن يوما تاريخ العلاقات بين الحضارات و الدول سوى مصالح يفرض شروطها
منطق قوة الحضارة الأقوى, و تتحد الأسباب الحقيقية لضعفنا و عجزنا و
عدائيتنا لبعضنا, أولا و قبل أي شيء آخر؟
هل تستطيع أن نثبت للعالم بأثره أننا أصحّاء و متلاحمون مع بعضنا و قادرون
على إدارة الاختلاف بين بعضنا بالسلم, عوضا عن تأكيدنا للعالم مقولات يرغب
بها و يرغب بتوكيدها : إننا شعوب همجيّة و جاهلة و تحتاج إلى حماية ورعاية
و قوّات فصل بين بعضنا, أو قوّات وصاية, أو تشكيل جمعياته التي ترفق
بالإنسان أو بالحيوان ؟!
على هذه المفاصل يتوقف دخولنا إلى التاريخ الحديث أو البقاء خارجه على
مزابل الحضارات الأخرى؟
على هذه الأسئلة و طبيعة الإجابات عليها يتوقف مصير الأجيال اللاحقة ...
لذا قبل أن نكرر خطأ القائد العربي عبد الناصر الذي نقل معركته من الجبهة
مع العدو إلى القاهرة " أم الدنيا" و تمّكن من هدم النظام السياسي العاجز
الذي كان, دون أن يحمل المشروع و الرؤيا الصحيحة في بناء وطن لن يهزم أبدا.
لن تغيّر معاركنا مع بعضنا أو مع الأعداء, أو في الجبهات الخارجية, أو
الجبهات الداخلية, أو العواصم, و نقلها إلى أي مكان, قبل أن يتمحور في وعينا
رؤيا البدائل الصحيحة للأوطان البديلة, و آليّات بنائها الراسخة. وبذلك
ستكون الأجيال القادمة مكفّلة و كفيلة لاستكمالها, و رسم مشاريعها في
الاستثمار الأمثل للطاقات و الموارد و إبداع الحلول الدائمة للمشكلات المتجددة
دوما .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى تأثير تيك توك على الشباب؟


.. ماهي معايير السعادة التي يبحث عنها الشباب؟




.. غوتيريش يُجدد تحذيره من تفاقم الحرب في المنطقة بأكملها


.. قوات روسية تدخل قاعدة عسكرية أميركية في النيجر




.. المخابرات الأوكرانية: محادثات محتملة مع الجانب الروسي في الن