الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الوجه المقابل حديقة نائمة على الألم

فرات إسبر

2004 / 4 / 22
الادب والفن


في الوجه المقابل حديقة نائمة على الألم ، يسكنه قطيع من الآمال المجروحة ، في طرقاته وأنت تمشي إلى بقية التقاطيع ترى خرائب الملح
في الأواني المكسورة ،يلملم بقية العمر ، يلصق الزجاج في واحة العيون فينحدر نهر على باب الجرح، يلقي التحية على ندبه ، ويمضي متعرجاً في بقيه الخطوط.
ثمة نهر للحياة لا أحد يستطيع قطعهُ أو وقف جريانه ، إنه يمضي ويمضي وبشفراته يحذ الخدود ويفتح الحدود ، غير أبهاً بالشكوى ولا بالمراهم ، هادرا في تفاصيل الجسد يبني سدوده القوية.
كانت الهندسة أم العمران ،والفنون بيت الخيال ، والشعر بيت الجمال ولكن لم يكن هناك مهندسا أو شاعرا أو فنانا إلا وجرى النهر إليه وبمائه المتدفق حفر طريقه، في تلك البيوت التي ذكرتها .
دخل يهدم بناء المهندس، ويتسرب في شقوق بيت الفنان ،ويحتُ من جمال بيت الشعر .
في الوجه المطل على الحديقة طائر يحوم بلا جناحين ، يطير ،وريشه يتناثر هنا وهناك ، أنني أرى ريشه أمامي يميل بلونه إلى الرماد .
في السنة الماضية كانت تأتي طيور كثيرة إلى الحديقة ، ولكونها متشابهة لا أستطيع أن أميز بينها ،من الصعب أن أكتشف التشابه بين الطيور المنقار والريش يمنعك من الدخول في تفاصيل الجسد وقراءة الوجوه.
الطائر الآن يتمرغ في الأرض ،لكني أرى في منقاره قشة ،كان قد جمع منها الكثير السنه الماضية ، يبدو وهو في طريقه إلى البيت ليكمل عمرانه لم يصل ، سقط في حديقتي ،ربما كان يعرف هذه الحديقة . كنت كل يوم في الصيف والشتاء في الربيع والخريف أطعمها، وكانت تحوم في الحديقة التي يطل عليها الوجه الذي يسكنني ، ولكنها كانت دائما تخاف ، كانت تبدو في حالة اضطراب وعندما تسمع أي حركة من الهواء يلامس أوراق الحديقة كانت تطير .
أفكر أحيانا، بل في أوقات كثيرة ، بل صدقوني في كل الأوقات أفكر من أين تأتي هذه الطيور جميعها ، هي تشبهنا في التنقل والترحال ولكن هل لها بيت غادرته مثلي ، هل لها وطنا ليس لها أ رضاً في مساحته الجغرافيّة المترامية الأطراف ، أم هي الجغرافية لا تعنيها وتضرب عرض الحائط بالأوطان .
مازلت ارقب الطائر مازال بحركة دوران تشبه السكران من الألم ، هو سكر ليس بناتج عن شرب الكحول ، الطائر مثلي لا يشرب غير الماء شئ ما يجمعنا أنا وهو ، هو لا يدري من أنا ، وأنا لا أدري من هو ولكن كلانا نتشابهُ في الألم ،هو ريشه يتناثر، وأنا الملوحة والجفاف .
أنا اسكن البيت الغريب ، البيت الذي يشرف على الحديقة ومن الحديقة يطل وجهي ومنه البحيرات تجري إلى مستقر لي .
في هذه اللحظة ، شئ ما حدث، صمت مطبق، الأزهار لم يعد عطرها يرشح ، ومئات الطيور التي لا اعرفها وقفت على السور المقابل ، في وداع الطائر الذي تناثر ريشه .
وبدمعة سقطت من عيني ومشت في دروب الملح محفورة في وجهي سقطت على جسد الطائر ،لم يتحرك ، لم يشعر بالبرودة ولا بالملوحة وبيد مرتعشة حملته ، وحفرت له حفرة في الحديقة التي يطل عليها وجهي وبقبلة مني ودعته إلى الأبد .
أنا الوحيدة التي اعلم أين مات وكيف؟ ، هي غربة تكشر عن أسنانها وتقتل الطيور .
هي مثلي ليس لها بيت ولا وطن ، هي أيضا الجغرافية لا تحبني سرقت مني الحدود .
تعب الوجه الذي يسكنني وهو يسأل إلى أين نتجه ؟
إلى أي أرض نسير؟
إلى أي بيت ؟؟؟
قلت له :قمْ تعال معي ، لنمشي ونتجه إلى تلك الحديقة التي تطل على الشباك، والتي يطل منها وجهي، هنا، هنا حيث الطائر الذي لا أعرفه مات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا