الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منفضة سجائر

البتول المحجوب

2009 / 5 / 24
الادب والفن


غرفة دافئة تفوح منها رائحة سيجاره الكوبي،ورائحة عطره الأخاذ.الغرفة ذاتها..منفضة السجائر ذاتها،وكتاب مفتوح على صفحة ما..صحف مرمية هنا وهناك.
أمرر يدي على أثارك.أمسك الكتاب أقربه من أنفي..
أأشم رائحة مرور الزمن على الورق أم أبحث عن رائحة مرورك من هنا…؟
علبة السجائر تنقصها سجائر دخنتها بالأمس الجميل..رائحة عطرك الأخاذ تفوح من المكان..أشياء تأسرني دوما بحضورك وغيابك..
أجلس على الأريكة التي جلست عليها بالأمس غير بعيد عني..أطرق في صمت.أسرح بعيدافي ذكرى ذاك المساء البارد جدا.
برودة بددها دفء حضورك،دفء كفيك،عمق عينيك..عينان طالما حلمت أن أنام وأصحو على دفئهما..أبعد نظراتي خوف الاكتشاف وخوف البوح.
الليلة الباردة ذاتها،الغرفة الباردة الجدران أيضا ضمتنا مع رفاق الأمس واليوم قرب المدفأة.
ليلتها أمعنت النظر طويلا في عينيك،يدهشني حديثك أيها الرجل الغامض جدا بل يأسرني..رغم عذابات الأيام المعتمة،رغم الغياهب المظلمة ورغم جبابرة الليل وزوار الفجر لم تنكسر ولم تنهزم،بقيت واقفا كالأشجار..وتركت السنابل وحدها تنحني..قساوة الايام المعتمة،كنت أيوب زمانها.
في خضم دهشتي انصت بحب وشغف لحكاياتك،حتى ساعات الفجر الجميل،حكيك بلسم لجرح نازف…وحضن دافئ لمن لاحضن له.
حكيت ليلتها عن تجارب،وتجارب..وابتعدت لتغرق في صمت الليل الحزين بعيدا عن تجربتك رغم إلحاحي بالسؤال.دوما تبقى الأسئلة معلقة بيننا.
ألح في الطلب،وأحيانا يكون الرجاء علك تستجيب.
-أرجوك أكتب..اكتب من أجلنا نحن،من أجلك أنت وأنا
من اجل من لفظ أنفاسه الطاهرة على إسفلت بارد، بعيدا عن الأحبة،من اجل ضحايا ابتلعتهم حلكة الغياب..من اجل كلمة حرة دفعت ربيع العمر الجميل ثمنا لها..
أمام حرقة السؤال وحرقة الدمع،لاتملك غير الصمت..تمسك بيدي المرتعشة الانامل بين دفء كفيك..تربت على رأسي كطفلة صغيرة..أسند رأسي -المثقل بهم الغياب وبعشق يختفي بين السطور- على كتفك وأشعر بالأمان المفتقد من زمان بعيد وأهدأ قليلا.
ابتسامة شاردة تطفو على تقاسيم وجهك الحزين.
تأخذ نفسا عميقا من سيجارتك وترد بهدوئك المعهود:
- ………………………
-موجع ردك صديقي،موجع عشقك،وموجع صمتك
تبتسم ساخرا
-لم يحن الوقت بعد..
أصمت دون اقتناع..ويبقى السؤال يضج بالذاكرة.
كلما نظرت في دفء عينيه،أغرق في صمتي عبر طيات الذاكرة بحثا عن عشقنا معا،لوجه مدينة لفحتها شمس الأصيل،لملامح منسية على مشارف المحيط،لرائحة الثرى المبتل،لحيطان بيوتنا الدامعة،لتقاسيم المساء الجميل بين الدروب،ولرائحة الشاي المعتق المنبعث من دفء بيوت، خشبية أبوابها…ولرائحة الأمهات الطيبات الملتحفات سوادا.
يتحدث طويلا دون انقطاع،وأنا العاشقة لحكيه حد الثمالة اغرق في الصمت أمام إيقاع كلماته.كلمات تدهشني،تأسرني ..أمامه طفلة أنا تتعلم حروف الابجدية الأولى..لا قبله ولا بعده تعلمت حرفا.
أشعر أن الزمن الجميل توقف عنده…أرددكلمةالشاعر:
“قف أيها الزمن ما أجملك..!”.
لكن الزمن الجميل ابى التوقف هنا وضاع صدى الصوت الشجي..رحل الزمن الجميل بعيدا وبقيت أجتر حروف وحدتي،وأيام عمري الهاربة..عبر دخان سيجارة أتعبها الاشتعال..فانطفأت وتركتني أتدثر بعباءة كربلائية ذاك المساء.
بعيدا عنك،عن دخان سيجارك،وعن رائحة عطرك الأخاذ،بعيدا عن وجع الانتظار…
طويت صفحة الكتاب..متأثرة بما قرأت عن انتظار غائب لايعود..

البتول المحجوب لمديميغ/طنطان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة