الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الخطر الإيراني- وعقدة الأمن الإيرانية

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لقد خرجت إيران من نفق المرحلة القاسية للعقد الأخير من مرحلة "القطب الواحد"، أي مع بداية القرن الحادي والعشرين، دون أن يعني ذلك خروجها من حالة "القضية الإيرانية". بعبارة أخرى، إن "القضية الإيرانية" تفقد احتمال تحولها إلى معضلة، لكنها مازالت في حالة المشكلة الإقليمية الحرجة. وفي هذا يكمن احد الأسباب الكبرى لحقيقة "الخطر الإيراني". إذ "للخطر الإيراني" بعيدين، الأول يقوم بذاته، كما هو الحال بالنسبة لكل دولة ذات مصالح إقليمية لم تترتب بعد في منظومة معقولة ومقبولة لأطرافها جميعا، وبعد خارجي (إقليمي وعالمي).
فقد كان البعد الذاتي للعقدة الإيرانية وما يزال محكوما بهاجس الأمن والنزوع الإمبراطوري. فإذا كانت مساعي الشاه تبدو جلية بهذا الصدد، فان النظام الإسلامي قد استبدلها أول الأمر بمبدأ "تصدير الثورة"، ولاحقا بفكرة القوة الذاتية. وكلاهما تهذبا وتغيرا في مجرى الحرب الطاحنة مع العراق والتوتر العنيف في صراعها مع الولايات المتحدة. فقد دعمت الولايات المتحدة العراق في حربه مع إيران، لكنها افترست العراق "العلماني" وليس إيران "الإسلامية". ولم يكن ذلك بسبب "أسلحة الدمار الشامل" و"الإصلاح الديمقراطي" وما شابه ذلك، بقدر ما انه كان مصاب بضعف شامل ووهن قاتل. وهو الدرس الذي تعلمته إيران بصورة جيدة بعد الحرب مع العراق. فقد جعل العراق من كل محيطه عدوا، بينما تحولت إيران صوب نفسها. وبالتالي جعلت من قضية الأمن عقدتها وعقيدتها. وهي ظاهرة ليست معزولة أيضا عن طبيعة التوتر الداخلي بسبب كثرة المشاكل والصراعات الداخلية (عقائدية وسياسية وقومية وعرقية) ونتائج الحرب مع العراق، وردود الفعل المتنوعة تجاه فكرة "تصدير الثورة الإسلامية"، والحصار الخارجي، وأخيرا "المشروع النووي".
بعبارة أخرى، ليس "الخطر الإيراني" في الواقع سوى الصيغة المقلوبة للتوتر الإيراني الداخلي بسبب عدم تكامل الدولة والأمة والجغرافيا السياسية. بمعنى كثرة المشاكل الداخلية المتنوعة واحتمالاتها السيئة، إضافة إلى القلق الإقليمي. فهي شأن تركيا وإسرائيل بهذا الصدد تعاني من قلق إقليمي بسبب كثرة مشاكلها وصراعاتها بهذا الصدد. وهو السبب الذي جعل ويجعل منها قوة متوترة تحتمل الخطر دون أن تتطابق معه. من هنا عدم دقة الحديث عن "خطر إيراني". فالدول جميعا تحتمل الخطر في أعماقها. غير أن مداه وواقعيته تتحدد بطبيعة المرحلة وتوازن القوى الإقليمي والحالة الدولية. وهذه جميعها ليست لصالح إيران، مما يجعل منها في حالات عديدة في موقع المترقب والمتوجس. ومن ثم يطبع سلوكها بقدر من التشنج وانعدام الواقعية والعقلانية، كما هو الحال على سبيل المثال في الموقف من قضية الجزر الثلاث الإماراتية والتدخل السافر والمستتر في شئون العراق الداخلية بعد الغزو الأمريكي.
أما البعد الخارجي، فانه يحفز ويثير عقدة الخوف الإيرانية. فعلى النطاق الإقليمي هي عقدة مزدوجة إيرانية – عربية، وإيرانية - تركية، وإيرانية - أذربيجانية، وإيرانية - أفغانية. وهو مؤشر يكشف عن طبيعة الخلل العام في البنية الإقليمية للمنطقة أكثر مما يشير إلى "الخطر الإيراني".
وفيما يخص العالم العربي بشكل عام والخليج بشكل خاص، فان المسار الإيراني صوبهما هو جزء من رؤيتها الإستراتيجية. فالعالم العربي يبقى في نهاية المطاف، إضافة إلى العالم الإيراني، الامتداد الأوسع لتنفسها الاقتصادي والثقافي والروحي. وفي هذا تكمن المحددات العميقة لسياستها تجاه العالم العربي. من هنا تدخلها المتنوع، شأن جميع الدول، في الحياة السياسية للعراق وسوريا ولبنان والخليج واليمن. وفي تدخلها تجعل العالم العربي مكونا من مكونات حياتها السياسية الداخلية. وبالتالي لا معنى للحديث عما يسمى بخطر "الهلال الشيعي" الذي ترعاه إيران. فالسياسة الإقليمية لإيران محكومة برؤية إستراتيجية، لا تخلو من المذهبية، لكنه ليس عاملا حاسما. وذلك لان المذهبية في النظام السياسي الإيراني الحالي جزء من أيديولوجية الدولة القومية. ذلك يعني انه يؤدي وظيفة عملية خاضعة وليست محددة وأساسية. وهو أمر جلي حالما ننظر إلى طبيعة ومستوى علاقتها بالدول المجاورة مثل الصين وروسيا وتركيا.
أما البعد الخارجي "للعقدة الإيرانية" على المستوى العالمي، فانه محكوم بالموقف الأمريكي والإسرائيلي، وإثارتهما الدائمة لفكرة "الخطر الإيراني". وهي إثارة محكومة، كما كان الحال بالنسبة للعراق ومنطقة الخليج عموما، بمبدأ الأزمة الخاضعة للرقابة! وهو مبدأ يتمثل إستراتيجية التحكم الدائم بالمنطقة من خلال إثارة عقدة الأمن فيها والخوف من "الإخطار الخارجية". بمعنى إثارة المشكلة والتحكم الدائم بها من اجل الاستحكام بالجميع والعمل حسب قاعدة "تنظيم" المشاكل وتفعيلها وقت الضرورة. وهي نفسية وذهنية إسرائيلية بحتة. وليس مصادفة أن تتطابق المواقف الأمريكية والإسرائيلية بنسبة 100% بهذا الصدد على الأقل قبل التغير المرتقب بعد صعود براك اوباما إلى السلطة وسقوط نموذج المحافظين الجدد.
وقد عملت ما يسمى بمراكز الدراسات الإستراتيجية – (الأمريكية – اليهودية) بصورة دائمة على إثارة قضية "الخطر الإيراني" من خلال الدراسات والأبحاث والمؤتمرات المخصصة لقضايا القدرات العسكرية الإيرانية، والقنبلة النووية الإيرانية، والحرس الثوري، وتصدير الثورة، والعمليات السرية، والهلال الشيعي، ومستلزمات الردع، أي المطالبة بحليف قوي (أمريكي) وما شابه ذلك. ليس ذلك فحسب، بل وبلغ الأمر مرة أن جرى النقاش الحامي "العلمي" والسياسي حول القصة – الخرافة التي أطلقها برنارد لويس وهو في عمر يناهز التسعين عاما عندما كتب يقول، بان إيران سوف تشن هجوما يوم 27 رجب عام 1427 كما لو أنها تستوحي ذلك من يوم الإسراء والمعراج في تحديها لغير المسلمين!
إن الإثارة الدعائية عن "الخطر الإيراني" بالصيغة التي تتناولها الدعاية الأمريكية والإعلام الغربي هو أولا وقبل كل شيء جزء من معترك مصالحها الدولية في منطقة الخليج والمشرق العربي. وهي مصالح تعتقد، بان القضاء على العراق وإيران أو تحييدهما سيجعل من المنطقة صحراء قاحلة من التحدي لمشاريعها الساعية للهيمنة على المنطقة. غير أن التجربة العراقية كشفت عن هشاشة هذه الفكرة. مع أن الأمور تجري في بدايتها. بينما "القضية الإيرانية" اشد تعقيد بما لا يقاس. وليست الدعوات المتكررة واستعراض مختلف سيناريوهات الحرب الأمريكية والإسرائيلية على إيران سوى جزء من مخطط الإثارة الدائمة للازمات والتحكم بها من اجل استغلالها وقت الضرورة. لكنها إثارة واقعية وتحتوي أيضا على كوامن فعلية قادرة على الاشتباك. إذ توجد في الخليج الآن حوالي 40 قطعة بحرية تابعة لحلف الأطلسي. كما تضرب القوات الأمريكية بين فترة وأخرى "طالبان" في باكستان بوصفها رسائل غير مباشرة لإيران. وبالمقابل تقوم إيران بسلسلة من الإجراءات العسكرية للبرهنة على نمو قدرتها الدفاعية واستعدادها لمواجهة أي "خطر خارجي" مهما كان مستواه ومصدره.
إن المواجهة الحادة والعنيفة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، يكشف عن طبيعة البعد الخارجي (الدولي) لعقدة الأمن الإيرانية. وهي عقدة لها مقدماتها وشواهدها العملية في العراق. ومن تكامل هذين البعدين لعقدة الأمن الإيرانية ينبغي النظر إلى ما يسمى بالخطر الإيراني. وقد يكون الموقف مما يسمى بالمشروع النووي الإيراني احد مظاهره الصارخة.
مما سبق نستطيع القول، بان إيران تقف أمام تهديد متنوع المستويات، داخلي وخارجي بحيث حدد لدرجة كبيرة رؤيتها للأمن. بل يمكننا القول، بان سلوك الدولة الإيرانية الحالية محكوم بفكرة الأمن. لكنه سلوك متنوع ويتسم بالمرونة أيضا. وقد يكون موقفها من المشروع النووي احد النماذج الحية. أنها استطاعت أن تتلافى المصير الذي تعرض له المشروع العراقي وقبله المصري. فقد بدأت مصر مع الهند تجربتها بهذا الصدد قبل خمسين عاما. وتمتلك الهند الآن 30 رأسا نوويا، وقدرة على إنتاج وتركيب محطة نووية بمفردها دون الاعتماد على مساعدات خارجية. أما مصر فلا شيء! كما أنه ليس مصادفة أن يكون "خطر المشروع النووي" الإيراني أكثر من يتحسس منه إسرائيل، التي تمتلك رؤؤسا نووية عديدة.
ومهما تكن النوايا والرؤية السياسية المختلفة بهذا الصدد، فان جوهر الحال يقوم في أن إيران استطاعت لحالها مواجهة الأخطار التي تواجهها الداخلية منها والخارجية، أو على الأقل أنها تتميز بنموذج يتسم بقدر كبير من الجدية والمواظبة في الدفاع عن مصالحها القومية. إضافة إلى قدرتها الخاصة بالدفاع الذاتي عن مصالحها. وهو الدرس الذي لم يتعلمه العالم العربي بعد، ولم يستطع لحد الآن الإجابة عليه بالشكل الذي يجعله قادرا أيضا على تذليل أوهام وواقعية "الخطر الإيراني". (يتبع...).











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
رشدي علي ( 2009 / 5 / 23 - 23:04 )
ولكني اتصور ان امريكا افترست العراق العلماني ليس بسبب ضعفه وانما بسبب قوته الكامنة!
تحياتي


2 - توضيح
ميثم الجنابي ( 2009 / 5 / 24 - 07:56 )
إن الإشكالية العراقية في السياسة الدولية، وبالأخص بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وانفراد الولايات المتحدة وهيمنتها النسبية في صنع السياسية الدولية والتأثير على مختلف مجرياتها، قضية غاية في التعقيد. إذ لم يجر دراستها لحد الآن بصورة علمية دقيقة. وذلك بسبب تداخل أسباب ومقدمات عديدة ساهمت في التمهيد للغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، بما في ذلك قوة العراق الكامنة، وإمكانية تحوله إلى قوة إقليمية مستقلة وفاعلة في صنع السياسة العالمية فيما لو توفرت له إمكانية التحول إلى قاطرة تسحب وراءها منطقة الخليج والجزيرة، مع ما فيه من اثر فاعل على مجمل المنطقة. غير أن هذه الفرضية مستحيلة التحقيق من حيث المقدمات والإمكانيات في ظل النظام الصدامي. وذلك بسبب هامشية البنية السياسية للنظام، ودكتاتورية رؤيته العملية، وتوتاليتارية نزوعه الداخلي والخارجي. وهي مكونات متنافرة ومشوهة في ظل تحول بنيوي عالمي لا يقر ولا يقبل بهذا الجمع الغريب. كما انه عاجز بذاته عن الاقتراب، حتى في حال أفضل الفرضيات، من نماذج الدولة الهتلرية أو العسكرية اليابانية.
بعبارة أخرى، إن جوهر القضية لا يقوم في الضعف أو القوة الكامنة في العراق التي أدت إلى إثارة الرغبة الأميركية في افتراسه، بقدر ما تقوم في طبيعة التحول والتغير العالمي الذي جر

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل