الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محفورا بالذهب ( قصة قصيرة )

سامية فريد
(Samia Farid)

2009 / 5 / 25
الادب والفن


على أرصفة الوجع وقفت تنتظر مايخبئه لها القدر ،وتتأمل قطار رحلتها مع الحياة ، منذ بدايتها وحتى وصولها لمحطة الثلاثين من العمر ، حينما ولى الزمان ظهره لها ووقف يرمقها من بعيدِِ وينتشي من أحزانها …

هكذا كانت تواجه أيامها ، نهاراتها ولياليها في انتظارِ ِ دائم ِ ، تترجى اللحظة تلو الآخرى في المرور سريعا بأوجاعها وخيباتها ، لعلها يوما تحتضن الفرح الذي ضاع في خضم صدمات متلاحقة مرت بها …

منذ أن توفى أبوها حسرة على أمواله التي فقدها في مضارب البورصة وتخلى الأهل عنها هي وامها ، حتى أقرب الناس إليها ـ خطيبها ـ التي ظنت إنه سيكون البلسم لجراح زمنها ، كان هو أول المتخلين عنها ، ولم يعد هناك طارق يطرق بابها بعد أن كان بيت أبيها مأوى لكل محتاج من الأهل والأصدقاء ، فارتضت أن تقبل واقعا مؤلما وهو زواج أمها من رجلِ يستطيع أن يصرف عليهما حتى ولو كان ضريبة ذلك تعرضها لكل صنوف المذلة والهوان ..

في خضم كل هذه الصدمات المتلاحقة والتي جعلت حياتها تقف محلك سر قابلته .. ودونما أي مقدمات وجدته بينما هي سابحة في بحور اليأس تحصى أوجاع العمر …..

لم تكن تعلم إنه سيستطيع أن يحيي قلبا تصحر واجدب منذ زمن ، لتنبت وتزهر حدائقه من جديدِ ويسري النبض في أوردته مرة أخرى … أمسى هو نهارها وليلها ، كل يومِ يتقابلان ، يتحدثان ، يضحكان يسرقان لحظات الفرح ، فقد كانت تعتبرها حق قلبها المحروم ، تقتنصه عنوة من يد القدر ، وهاهي تحاول أن تستعيد مع هذا القادم من حنايا الصدفة شباب مشاعرها الذي تيبس من مذاقات القسوة …

يالها اليوم من فرحة فسيكون لها لأول مرة رجل ، هو رجل العمر وستعلن للعالم كله إنها لم تعد وحيدة

ها هو رجلها الذي جاد به القدر أخيرا بعد غياب ليعوضها عن عمر ِاحتضر ومازال ربيعا !

اليوم سيتقابلا لقاءِِ غير عادي ِِِ،فهذا يوم هو عيد ميلاده حبيبها والذي اتفقا أن يكون موعد قرانهما ، وسيحتفلان به معا لأول مرة بمفردهما دون أى أنفاس ِ أخرى تشاركهما اللحظة أو أي عيون ِمتلصصة تسرق الفرحة منهما ….

فقد كانت تتمنى أن تخبئه داخلها خوفا على فرحتها ، التي تخاف عليها حتى من عيون الناس !

ولما لا وهي التي عاشت زمنا بأحاسيس عاقرة وأخيرا حبلت بهذا الحب الذي انبلج من رحم نبضها وأحساسها بعد معاناة طويلة من أجل حقها في حياة نابضة .

ذهبت إليه في أبهى صورتها وانوثتها ، ترتدي أردية الحب وتتزين بحلي الشوق واللهفة التي زادتها جمالا على جمالها ، وفي يديها تحمل أجمل هدية ، مدالية فضية مرسوما عليها إسمه بحروف ِ من ذهب ِ ، وفي مكانهما المعتاد على إحدى المراكب الراسية على ضفاف النيل وعلى نفس المنضدة ، جلست تنظره كالعادة

فقد كانت دائما تصل قبله بدقائق لتطلب كوبان من عصير البرتقال الطازج الذي كان يعشق احتسائه معها ليتبادلا الكوبان كي يشرب كل منهما من مكان بصمة شفتي الأخر ليتذوق طعمها

ولكن هذه المرة حينما طلبت من الجرسون الذي اعتاد وجودهما يوميا أن يحضر الطلب المعتاد ، تردد حينا ثم قال بتوجس :

ـ سوف احضر كوبا واحدا هذه المرة

نظرت إليه نظرة تحمل دهشة التساؤل وقبل أن تنطق سلمها ورقة صغيرة مطوية تحمل نكهة حبيبها وعطره .. انقبض قلبها ولكن سرعان ماطمنت نفسها إنها مفاجأة من مفاجأت حبيبها المبهجة الطريفة ، فتحت الورقة بلهفة وجدت فيها سطرين.. سطرين فقط

(اعذريني حبيبتي اضطررت للهجرة ... كانت اوراقي معدة للسفر منذ أن تقابلنا ، فلم اجرؤ على اخباركِ ولم استطع مواجهتكِ ،لست ادري متى يمكن أن اعود !
فقط انتظرينى. )

وانتظرت …… ومرت السنون ومازالت تنتظر … تقوقعت داخل ذكرياتها الباقية ، ترفض الناس وتعشق العزلة مع طيف حبيبها المنتظر ، وتصطدم كل يوم بأسئلة من حولها وبفضول العيون ، بصمت حائر تواجه الآخرين ،الكل يريد أن يعرف سبب عزوفها عن الزواج وهي بعد مازالت شابة وجميلة ،الكل اصبح موقنا بأن لديها سرا عظيما ….

أما هي فظلت تنتظر على عتبات العمر الباقي فارسها الغائب يجئ ويخطفها على صهوة طائرته المهاجرة الى بلاده النائية

لم تع كم من السنوات مضت ، فقط هي تنتظر الوعد ـ وعد الغائب بلا عودة ـ

حتى وضع القدر نقطة النهاية في ملحمة عمرها

والأن بعد رحيلها عرف جميع المتطفلين سرها الأعظم حينما نبشوا أشيائها الخاصة ووجدوا فيها هديتها له ، تلك المدالية وعليها اسمه محفورا بالذهب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان